تحقيقات وتقارير

وزير التربية: نعمل وفقاً لموجهات اليونسكو.. والسبت عطلة


بخطى متثاقلة تنهض ندى الطالبة في الصف السابع وتغادر فراش نومها عند الرابعة صباحاً، على ملامح وجهها يرتسم حزن ممزوج باستياء، رغم ذلك تدخل في سباق مع الزمن حتى تتمكن من اللحاق بموعد الترحيل، فالعربة التي تقلها إلى مدرستها من منزلها بأم درمان إلى الخرطوم تصل عند الخامسة والنصف صباحاً، وعند الساعة السابعة وعشرين دقيقة تبدأ الحصة الأولى التي تكابد جفونها كثيراً حتى لا تستغرق في نوم حرمت منه.
“الصبر بس ياعمك”
بمدارس كمبوني والراهبات وسانت فرانسيس بالخرطوم، فإن عدداً من الطلاب والطالبات الذين التقيتهم أجمعوا على أن إلغاء الدراسة يوم السبت بقرار حكومي ألقى عليهم بأعباء جسام، يقول أحمد الذي يدرس في الصف الثامن أساس بمدرسة كمبوني بالخرطوم إنهم تفاجأوا بحرمانهم من الدراسة لخمسة أيام في الأسبوع وتقليصها إلى أربعة فقط، وقال إنهم نتيجة لذلك يدفعون الثمن غالياً بحضورهم المبكر إلى المدرسة وخروجهم المتأخر منها حتى يتمكنوا من تعويض اليوم الذي تم إلغاؤه، أما عصمت الذي يدرس في الصف السابع فقد جزم أنهم كثيراً ما يحضرون إلى المدرسة وهم “نعسانين”، وقال إن الاستيقاظ في ساعات الصباح الأولى أسهم في إصابتهم بالإرهاق وعدم التركيز في الدراسة ، وأضاف” والله يا عمنا تعبانين جدًا من القصة دي ويا ريت الوزير يتراجع عن قراره عشانا نحن إذا بعتبرنا زي أولادو”، أما ممدوح الذي يدرس في الصف السادس فرغم صغر سنه إلا أنه أكد على أن المدارس الكنسية منضبطة ويتلقون فيها التعليم وفقاً لسياسة جيدة تساعدهم في التميز الإكاديمي خاصة على صعيد اللغتين الإنجليزية والعربية، وتمنى أن تنظر الحكومة ـ هكذا قالها ـ إلى مصلحة الطلاب قبل أي شيء آخر.
أزمة بدون حل
منذ صدور قرار وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم الذي قضى بإلزام المدارس الكنسية بإجازة يوم السبت وعدم التدريس فيه، فإن الجدل ظل قائماً منذ أشهر، فالقرار الذي جاء عقب بداية العام الدراسي أحدث ربكة ما تزال آثارها شاخصة، حيث يشتكي أولياء أمور أكثر من ثلاثين ألف طالب يدرسون في 41 مدرسة كنسية بالعاصمة من الضغوط النفسية والبدينة والأكاديمية التي يتعرض لها أبناؤهم جراء تعطيل العملية التعليمية لهذه المدارس يوم السبت وإلزامها بالعطلة، وعلى إثر ذلك انخفض عدد الأيام الدراسية إلى أربعة بدلاً عن خمسة، وتشير المواطنة أمل طه حسين التي يدرس عدد من أبنائها بمدرستي الكمبوني والراهبات إلى أنهم وحينما اختاروا المدارس الكنسية، فقد كانوا يبحثون عن الجودة التعليمية التي تتماشى تكلفتها مع دخولهم التي لا تملك المقدرة على الإيفاء برسوم المدارس الخاصة.
وبدت أمل متعجبة من تعليق الدراسة يوم السبت ، ورأت في حديث لـ(الصيحة) أن المشكلة الحقيقية تكمن في مطالبتهم بأن يتعلم أبناؤهم ورأت أن هذا يوضح حجم الأزمة الحقيقية التي يقابلها رفض من الوزارة بعدم السماح للصغار بالدراسة يوم السبت دون إيراد مبررات موضوعية، وتساءلت عن المحصلة النهائية لهذا القرار ومدى الفائدة العامة منه ، وتعتقد بأن القرار سلب الصغار أبرز ما يتميز به السودانيون وهو التنوع الديني والاحترام المتبادل بين كافة الطوائف، وأضافت: حينما يذهب الطلاب المسلمون في إجازة يوم الجمعة فإن زملاءهم من المسيحيين لا يحتجون ويفعلون ذات الشيء، ليأتي يوم الأحد وتتوقف فيه الدراسة ليتيحوا للمسيحيين فرصة العبادة، وأيضا لا يحتج الطلاب المسلمون، وتعتقد أن قرار الوزارة المفاجئ لم يراع مصالح الطلاب والتلاميذ، ولم يهتم كثيراً بما يترتب عليهم من جهد إضافي ورهق نفسي وبدني وعقبات أكاديمية .
مذكرة واحتجاج
حاول أولياء امور طلاب وطالبات المدارس الكنسية تلافي القرار الوزاري حتى يعيدوا السبت يوماً للعمل، وتقدموا بمذكرة إلى رئاسة مجلس الوزراء القومي في النصف الأول من شهر أكتوبر لم يتلقوا رداً عليها حتى الآن، وتظلموا من القرار الصادر بمنع المدارس الكنسية من تدريس أبنائهم يوم السبت ، وأشاروا في المذكرة إلى أنه بهذا المنع تكون عطلة تلك المدارس ثلاثة أيام في الأسبوع مما يهدد مستقبل أبنائهم وبناتهم سيما أن امتحانات شهادتي مرحلة الأساس والثانوي قد دنا تاريخ انعقادها، وقد طالب أولياء الأمور في تظلمهم بطلب بسيط كما يقولون بأن يسمح لتلك المدارس بتدريس أبنائهم يوم السبت حفاظاً على مستقبلهم من الضياع بعد سنين من الاجتهاد قضوها مع أبنائهم ليحققوا لهم النجاح المبتغى .
استثناء واستقرار
وتشير المذكرة التي دفعوا بها إلى مجلس الوزراء القومي إلى أن هذه المدارس ومنذ تأسيسها قبل مائة عام، فإن أيام العطل المعتمدة فيها الجمعة والأحد.
وأنه حينما أصدرت الدولة قرارها بأن تكون العطلة الأسبوعية يومين بدلاً عن يوم وسمت أيام العطلة الأسبوعية بيومي الجمعة والسبت، اتصلت إدارات هذه المدارس وبينت لوزارة التربية والتعليم أن هذه المدارس منذ التأسيس عطلتها يومان وهمي يوما الجمعة والأحد من كل أسبوع، ولما كان القرار الصادر بجعل السبت أيضاً عطلة رسمية، فإن مدارسهم سوف تتأثر تعليمياً، لأن العطلة الأسبوعية ستصبح ثلاثة أيام مما يؤثر على عامها الدراسي وتحصيل الطالبات والطلاب والتمسوا منها منحهم استثناءً بالعمل يوم السبت، وقد تم تفهم الأمر من المسؤولين وتم استثناء المدارس المشار إليها والتي يدرس بها بناتنا وأبناؤنا.
وأنه منذ تاريخ منح الاستثناء والذي تجاوز الثمانية أعوام دراسية كانت المدارس المشار إليها وبناتنا وأبناؤنا يعيشون حالة من الاستقرار النفسي في بيئة دراسية مهيأة، وكانوا كأولياء أمور يتابعون مع إدارات المدارس لضمان استمرار تلك الحالة من الاستقرار.
مفاجأة غير سارة
في شهر يوليو من العام الحالي 2017م تلقت إدارات المدارس مكتوباً من إدارة التعليم يطلب منها التوقف عن العمل وعدم تدريس الطلاب يوم السبت مع التنبيه بأن السبت عطلة رسمية وغير مسموح لهم بالعمل فيه، تم شرح الأمر من قبل إدارات المدارس لإدارة التعليم والتي أفادت بأن القرار صادر من وزارة التربية ولاية الخرطوم، ومن ثم تم الاتصال بالوزارة ، التي أكدت على ضرورة الالتزام بالقرار، وأن القرار صادر من مجلس الوزراء القومي، وبالتالي غير مختصين بأي معالجة مطلوبة من إدارات المدارس أو أولياء الأمور.
دون استجابة
القرار المفاجئ لوزارة التربية والتعليم الذي لم يشمل الولايات الأخرى مضى على تنفيذه شهران ونصف وقضى بإلغاء الاستثناء وإلزام المدارس المشار إليها بالتوقف عن العمل وعدم تدريس الطالبات والطلاب يوم السبت مما جعل من الاستمرار بهذا الحال والدراسة أربعة أيام فقط من الأسبوع مهدداً حقيقياً لمستقبل الطلاب، سيما وأن امتحانات مرحلتي الأساس والثانوي قد اقترب موعدها، وأضاف أولياء الأمور في مذكرتهم: لقد عشنا ولا زلنا نعيش حالة من الأرق والقلق على مستقبل أبنائنا وبناتنا، وهم يعيشون حالة نفسية سيئة خوفاً على مستقبلهم المهدد بالضياع، ولجأنا إليكم بهذا التظلم وطلبنا بسيط، وهو إعادة الحال إلى ما كان عليه وتوجيه مؤسساتكم المعنية بالسماح للمدارس المشار إليها في مقدمة هذا التظلم بالعمل وتدريس أبنائنا وبناتنا يوم السبت من كل أسبوع.
الوزارة تتمسك
رغم الرجاءات التي أرسلها أولياء أمور التلاميذ إلى عدد من الجهات المسؤولة إلا أنهم لم يتلقوا ردوداً حتى الآن.
وهنا وفي حديث لـ(الصيحة) تشير المحامية أمل صديق بابكر إلى أن الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم قررت إكمال المنهج في عدد محدد من الأيام وأن تكون أيام الدراسة في الأسبوع خمسة والمدارس الكنسية كما تشير ملتزمة بكل موجهات الوزارة والدولة، وقالت إن نظام العطلة يومي الجمعة والأحد سائد في هذه المدارس منذ مائة عام، وإن الوزير لم يتمكن من إلغائه، ولكنه ألغى العمل يوم السبت ، وقالت إن وزير التربية بالولاية قال إن القرار اتخذه مجلس الوزراء القومي، وإنهم على إثر ذلك قابلوا مسؤولا بمجلس الوزراء وتعاطف معهم في قضيتهم وأكد على عدالتها ودفع بأربع مذكرات في هذا الخصوص، إلا أنه ـ والحديث للمحامية أمل ـ مضى أسبوعان على ذلك ولم يتلقوا رداً حتى الآن.
الوزير ينفي
من ناحيته فقد نفى وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم الدكتور فرح مصطفى أي اتجاه لإلغاء عطلة السبت، مؤكدا أن ما تروج له بعض وسائط التواصل الاجتماعي عار تماماً من الصحة، وقال إن التقويم الدراسي تتم إجازته من قبل مجلس الوزراء وإن أيام الدراسة 169يوماً من دون عطلتي الجمعة والسبت، وهو قياساً بمنهج اليونسكو أن أيام الدراسة يجب أن لا تقل عن 159يوماً، حيث يعتبر العام الدراسي مثالياً مقارناً مع الأسس المعمول بها، مضيفاً أن بعض المدارس أصبحت تؤجز للطلاب يوم الأحد بدلاً عن السبت، وهذا يخالف لوائح التعليم، مشيراً إلى أن أكثر من 98% من الطلاب الذين يدرسون في المدارس الإنجيلية والكنسية من أبناء المسلمين، وهو يؤكد على التعايش السلمي بالبلاد، وقال إن عطلتي الجمعة والسبت جاءت نتيجة لسياسات الدولة وطالب جميع المدارس بضرورة احترام التقويم والذي وضعه مختصون وخبراء في المجال التربوي، وأن خطة الوزارة العمل على تجويد البيئة الدراسية لجذب الطلاب وتمكينهم من التحصيل الأكاديمي.
رأي مخالف
حديث وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم بدا غير مقنع للأستاذة سوسن علي حسين الأم لعدد من الطلاب بالمدارس الكنسية، وتؤكد على أن الوزارة لم تراعي مصالح الطلاب والطالبات، كما أنها غضت الطرف من أن معظم أمهات الطلاب من العاملات ،مؤكدة في حديث لـ(الصيحة) أن القرار ألقى على الجميع بأعباء إضافية، وتلفت إلى أن الطلاب يواجهون صعوبة بالغة في التحصيل الأكاديمي وإنهاء المقرر في توقيته، وذلك بسبب إلغاء العمل يوم السبت، مؤكدة على أن رد الوزير الولائي لم يأت مقنعاً، وأنه أقر بعطلة الأحد، بيد أنه جاء وألغى العمل يوم السبت بالمدارس الكنسية. وأضافت: الطلاب يعانون كثيراً لأنهم يغادرون المنازل عند الخامسة صباحاً، ويعودون عند الخامسة مساء، وكل ذلك بسبب ضغط الجدول ورفع الحصص من ثمانٍ إلى عشر حتى تتمكن المدارس من إنهاء المقرر ، وبذلك تراجعت ساعات نوم الطالب، وهذا يعني ضعف تركيزه وتراجع تحصيله الأكاديمي، وحالياً تبقت 120 يومًا للامتحان التجريبي، وحتى الآن لم يكملوا المنهج، فهذا يعني أن النتيجة ستكون محبطة للطلاب، وقالت إن الوزير وعدهم بإصدار قرار حول هذا الأمر إلا أنه أيضاً مثله ومجلس الوزراء لم يتخذ قرار حتى الإن بإعادة يوم السبت بهذه المدارس ليكون للدراسة .
القانون يتحدث
من ناحيتها فإن القانونية فتحية عبد القادر الأم لعدد من الطلاب بالمدارس الكنسية، تشير إلى أن المدارس الكنسية ظلت تعمل حسب قانون تنظيم التعليم الخاص لولاية الخرطوم للعام 2015، وأنه حسب قانون العام 1997 فإن أيام الأسبوع الدراسي ستة، وتلفت في حديثها لـ(الصيحة) أنه وبعد قرار إلغاء اليوم الدراسي في المدارس الكنسية يوم السبت، فقد بات العمل أربعة أيام فقط في الأسبوع، وأكدت أن هذا أوقع ضررا كبيراً على الطلاب، ولفتت إلى أن تشريعي الخرطوم استدعى وزير التربية والتعليم الذي أشار أمام البرلمان إلى أن المدارس الكنسية تعمل في العام الدراسي 200 يوم، وأنه حسب تقويم اليونسكو يجب أن يكون العام الدراسي 165 يوماً، وأن حديثه غير صحيح، وتوضح فتحية أن المادة 15 من القانون تستثني المدارس التي تعمل بالنظام الأجنبي رغم أنها تدرس المنهج السوداني مثل الكنسية، وتؤكد على أنه وفي ظل وجود قانون يفترض ألا يتم إصدار قرار ، وتطالب بإعادة النظر في القرار الذي تقطع بأن ضرره أكثر من نفعه وأن الطلاب هم الذين يدفعون ثمنه صحياً وأكاديمياً ونفسيًا.
لا شيء
إن سألني أحدهم، ماذا يحدث إن سمحت الوزارة للمدارس الكنسية بالعمل يوم السبت، سيكون ردي “لا شيء”، لأن حدوث هذا ليست له أضرار تقع على التعليم، والحقيقة الثابتة أن المدارس الكنسية التي يدرس فيها عدد كبير من الطلاب المسلمين باتت وجهة مفضلة لأولياء الأمور لانضباطها وتميزها ومعقولية رسومها، وتقليص أيام عملها من خمسة إلى أربعة يعني وضع مستقبل أكثر من ثلاثين ألف طالب سوداني في مهب الريح، والمنطق يشير إلى ضرورة السماح لها بالعمل يوم السبت لأن طلابها يذهبون في إجازة يومي الجمعة والأحد.

الصيحة.


‫2 تعليقات