مقالات متنوعة

أبحاث.. صالحة للتدوير


إندهشت.. وكنت قد فارقت الاندهاش من زمن.. فغرت فاهي.. وأنا أطالع صور متداولة عبر وسائط التواصل الاجتماعي.. بحوث تخرج.. ماجستير.. ودكتوراة.. تباع على قارعة الطريق.. ينادي البائع (يلا علينا جاي.. جبنا بالطيارة وبعنا بالخسارة..ما عندك بحث.. امتحانك قرب.. وما لقيت طريقة.. تعال تلقى عندنا أي بحث إنت عايزو.. لو كنت خريج.. لو عايز تعمل ماستر.. أو حتى دكتوراة كلو عندنا.. عشرين جنيه بس.. علينا جاي).. دعكت عيني .نظرت جيداً.. انقلب الي بصري وهو حسير..انتظرت أن يأتي نفي من جهة ما.. بصيص أمل في أن تكون الصورة في دولة أخرى.. لكن خاب ظني.. الموضوع سوداني وخليك سوداني. الغريب في الأمر أنني رفعت رأسي في تلك اللحظة.. لأقرأ الشريط الإخباري في قناة سودانية.. كان هناك إعلان يقول: (توجد أماكن شاغرة في كلية الطب.. طب الأسنان.. التمريض).. نعم عش معي الدهشة بأقصى صورها.. يا صديق الصباح كما تقول تلك المذيعة رخيمة الصوت في الإذاعة.. هاهي المقاعد الدراسية الجامعية تباع في المزاد.. وتعلن عبر القنوات خلال إعلانات تجارية.. لا فرق بينها وبين الإعلان الذي تلاها (لدينا حبوب للتسمين.. وكريمات للتفتيح.. كما يوجد كريمات لتطويل الشعر 7 سم في الشهر).. ومرة أسرح ومرة تغلبني القراية.

ما الذي يحدث في دنيا التعليم العالي؟؟ وكيف يتم منح درجات البكالوريوس.. ودرجات الدراسات العليا؟؟ في كل دول العالم تخضع البحوث العلمية لتصحيح دقيق.. .لدرجة أن هناك برامج تكشف خاصية النقل الحرفي والتي يقال لها (قص ولزق).. لكن نحن طبعاً (حنفوق العالم أجمع) يمكنك أن تشتري البحث كاملاً.. فقط ضع اسمك على الورقة الأمامية.. وها نحن نفوز باختراع جديد.. (بحوث قابلة للتدوير).. هل بدأنا نجني ثمار ثورة (التأليم) العالي..كليات دون بنى تحتية.. خريجين دون تدريب ولا تأهيل .ولا متابعة.

والنتيجة مباني آيلة للسقوط.. أخطاء طبية مميتة.. شوارع تخلع جلدها قبل أن يكتمل رصفها.. أخطاء لغوية وإملائية تجيب وجع القلب.. عدم إلمام بأبسط قواعد اللغة الانجليزية.. وفي النهاية وتحت شعار (كفاك ولا أزيدك ).. بحوث تباع على قارعة الطريق.. وشواغر كليات علمية يعلن عنها مع الكريمات والعطور.
قرأت قبل فترة ليست بالقصيرة مقترح بحثي لطالبة تريد نيل درجة الدكتوراة.. اتصلت عليها لأخبرها.. أن بحثها هذا لا يرقى لمنح درجة البكالوريوس دعك من الدكتوراة.. قالت لي بكل برود.. إن البحث أجازه مجلس الكلية.. وأنني مجرد جهة للتعامل التقني.. إن شئت الموافقة على الاشراف التقني أو لا.. فآثرت الإنسحاب ورفضت.. إلتقتيها الأسبوع الماضي وهي تحمل لقب دكتورة.. وما فيش حد أحسن من حد.. مما دعاني للتساؤل (لماذا سرت حمى الدكترة بهذه الطريقة؟؟).. ولقيت الإجابة عندما رأيت الصورة.. كل ما في الأمر أن القصة صارت ساهلة.. شوف ليك أي بحث جاهز.. وستتم إجازته دون حتى مقارنته ببقية البحوث المنشورة.. وهوبا.. هايل هايل.. وبس خلاص.. كيف يمكن إيقاف هذه القاطرة التي تقودنا الى الهاوية.. وتجري بسرعة تسابق الريح؟؟ هل هناك أي طريقة غير نطالب بوضع أسس ونظم للتصديق بالجامعات.. وكذلك لوائح وضوابط لمنح الدرجات العليا.. وفوق كل ذلك محاسبة المتسبب بتسريب البحوث المطبوعة وإهانتها بهذه الطريقة؟؟.. وقبل هذا وذاك نرجوا السيدة وزيرة التعليم العالي.. ونحن نراقب بأسى كم التصاديق التي تمنح لإنشاء جامعات دون متابعة البنى التحتية.. يا سعادة الوزيرة رجاء.. (أقفلي البلف).

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة