عالمية

السويد.. بلد اختفت فيه النقود


“في ستوكهولم، كما في بقية هذا البلد الإسكندنافي البارع في التكنولوجيات الجديدة، اختفت النقود من الشركات والبنوك، فالجميع يدفع بالبطاقات أو الهواتف الذكية ولا يستثنى من ذلك سوى كبار السن ممن لا يروق لهم العالم الرقمي، الذي يبدو أكثر أمانا طالما لم يقع عطل كبير في الحواسيب”.
هذه توطئة صحيفة لوفيغارو الفرنسية لتقرير لها حول هذه الظاهرة، إذ تنقل عن دراسة للبنك المركزي السويدي تأكيدها أن نسبة من يتعاملون بالنقود في السويد انخفضت من 40٪ في العام 2010 إلى 15٪ فقط في العام 2016 أما من حيث قيمة السلع المتداولة في تلك الفترة فقد انخفضت إلى 1.4% فقط.
ووفقا لهذه الدراسة الاستقصائية، فإن ثلثي السويديين يعتقدون اليوم أنهم يستطيعون العيش دون نقود، مما يعد “تطورا فريدا من نوعه على المستوى الدولي”.
ومن تجليات هذه الظاهرة أنه غدا من المستحيل دفع أجرة وسائل النقل العام نقدا، وغدت التبرعات للكنائس عبر تطبيقات خاصة في الهواتف، وحتى المشردين في الشوارع أصبحوا يستقبلون تبرعات المارة عبر تطبيقات خاصة بل إن كثيرا من المحال أصبحت ترفض التداول بالنقود إطلاقا.
ويرجع السبب في هذه الاحتياطات إلى ما تعرضت له بعض هذه المحال من عمليات سطو، إذ تنقل لوفيغارو عن ديفد زترسروم، وهو صاحب سلسلة مخابز حظرت التداول بالنقود منذ عام، قوله “السبب الرئيسي هو المحافظة على سلامة موظفينا، إذ كانوا معرضين للخطر كل يوم وهم يحسبون الأموال أو ينقلونها من مكان إلى آخر”.
وعلقت لوفيغارو على هذه الظاهرة بقولها إنها تمثل تحولا كبيرا لبلد كان هو أول من أصدر أوراقا مصرفية في أوروبا عام 1661، لكن الصحيفة لفتت في الوقت ذاته إلى أن السويد هي التي شهدت ميلاد أول هاتف جوال وكان من نوع أريكسون.
أما سبب إقبال السويديين على وقف التداول بالنقود، فإن الأستاذ في المعهد الملكي للتكنولوجيا في ستوكهولم نيكلاس أرفيدسون يرجعه أولا إلى شهيتهم للتكنولوجيات الجديدة، وثانيا إلى ثقتهم في نظامهم المصرفي “فلا يحتاج السويدي إلى رؤية ولمس أمواله للتأكد من أنها آمنة لأنه يثق بالبنوك وبالحكومة”.
والبنوك السويدية أصبحت مختلفة عن البنوك في بقية العالم، إذ لم يعد بالإمكان إيداع أموال بها ولا سحبها منها فكل العمليات تتم عن طريق الإنترنت، ولم يسجل في العام الماضي سوى عملتي سطو على البنوك في السويد مقابل 108 عملية في العام 2008، “فهذا التطور جيد للأمن كما أنه جيد للبيئة” على حد تعبير عضو رابطة البنوك السويدية ليف تروجان.
البنوك السويدية أصبحت مختلفة عن بقية بنوك العالم فلا يسحب منها ولا تستقبل الودائع النقدية (رويترز)
ولكن كما يقول الشاعر “لكل شيء إذا ما تم نقصان”، فهذا العالم المثالي -كما تصفه الصحيفة- يهمل فئات في المجتمع تشمل اللاجئين الذين ليست لديهم حسابات مصرفية وسكان المناطق الريفية النائية التي لا يصل إليها الإنترنت وذوي الاحتياجات الخاصة، ناهيك عن المسنين.
لوفيغارو زارت إحدى الصرافات القليلة في كارلابلان حيث اصطف حوالي 12 شخصا في انتظار الحصول على سيولة نقدية.
والتقت هناك ببرجيت البالغة من العمر 79 عاما التي تقول إنها لا تمتلك حاسوبا وإنها جاءت من مكان بعيد لإرسال بعض المال إلى ابنتها.
ويشجب المسؤول في رابطة المتقاعدين بو جوهانسون هذا الوضع قائلا “حتى الحمامات في محطات القطار لا يمكنك استخدامها دون بطاقة… من لا يملكون بطاقات أو لا يتقنون مهارات الإنترنت مجبرون على السفر بأموالهم كيلومترات عدة حتى يجدوا وكالة صرافة”.
ويعتقد بيورن أريكسون الذي يتزعم رابطة للدفاع عن السيولة النقدية “صحوة النقود” أن 10% من سكان السويد لم يلحقوا بعد بركب القطار السريع للرقمنة.
ويقر بأن تداول الأموال أصبح قليلا، لكنه يحذر من أنه يفتح الباب أمام مخاطر أخرى تتعلق بالتجسس على الحياة الشخصية للناس.
ولا تقتصر هذه المخاوف والتحفظات على بعض من يحنون للماضي ونقوده إذ تنقل الصحيفة عن تقرير للبنك المركزي السويدي في 19 سبتمبر/أيلول الماضي تحذيره من أن حدوث خلل كبير في النظام المصرفي قد لا يمكن التغلب عليه بالبديل النقدي لقلة السيولة المتوفرة.
وهو ما ترجمته الصحيفة بقولها “في حالة هجوم روسي أو تعطل هائل لانسياب المعلومات عبر الإنترنت ستغرق السويد في حالة من الفوضى العارمة”.
لكن يبدو أن السويد قد أخذت طريق اللارجعة بخصوص السيولة النقدية وإن كان وزير التجارة السويدي يحاول التقليل من ذلك التوجه بقوله “ستظل النقود ضرورية حتى ولو كانت ستأخذ نصيبا أقل شيئا فشيئا في اقتصادنا”.

الجزيرة نت