اقتصاد وأعمال

عن ستات الشاي وزيرة الرعاية: سيتم تمليكهن أكشاكاً ولن نتخلى عنهن


شركة كوفتي: لدينا واجب تجاههن ونعمل على الوقوف بجانبهن
معتمد بحري: قضية بائعات الشاي تحولت لـ(هم) سياسي
رئيسة نقابة بائعات الأطعمة: معظمهن مطلقات ويتحمّلن مسؤوليات
“هنا كانت تجلس أربعمائة بائعة شاي”، هكذا يقول الواقع بشارع النيل الذي وبعد أن كان ضاجاً بالحركة حتى الساعات الأولى من صباح كل يوم، بات يسيطر عليه الهدوء، فقرار إيقاف عمل بائعات الشاي بالشارع الذي يطل على النيل الأزرق، ويقع قبالة أهم مرافق البلاد الاستراتيجية، بات على العاملات الفقيرات تدبر أحوالهن، في وقت دخل فيه عدد من شركات استيراد الشاي على الخط لبحث حلول تنقذ أربعمائة أسرة من الضياع والتشرد.
مسلسل متواصل
تعتبر بائعات الشاي من أكثر الشرائح التي صدرت بحقهن قرارات من محليات ولاية الخرطوم، والقرار الذي حظر عملهن في شارع النيل الذي زرناه أخيراً تم تنفيذه ليس الأول، وربما لن يكون الأخير، وحينما سألنا عن وجهة بائعات الشاي اللائي كن يعملن في الموقع السياحي، جاءت الإجابة بأنهن ما يزلن في انتظار توفيق أوضاعهن حسب الوعد الحكومي بعد أن توقفن عن العمل، فيما اتجه بعضهن إلى مواقع أخرى للعمل فيها.
عموماً وللوتضيح أن هذه الشريحة كبيرة ومؤثرة وتعبر عن واقع الاقتصاد بالبلاد والإفرازات السالبة للحروب، فإن عدد بائعات الشاي في ولاية الخرطوم بحسب إحصاءات رسمية يبلغ 14 ألف عاملة، يعُلن أسراً ومعظمهن من ضحايا الحروب الداخلية والأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد، والقرار الأخير جاء مختلفاً بعض الشيء لأنه نهائي، ومن قبل منعت شرطة أمن المجتمع بائعات الشاي من مزاولة عملهن حول منتزه الساحة الخضراء وشارع النيل، وكان ذلك منتصف هذا العام الذي شهد الاحتفال بمؤتمر “مخرجات الحوار الوطني”، وكان المنع مؤقتاً وهدفه “الحفاظ على المظهر الحضاري للعاصمة” كما أشارت الجهات الحكومية وقتها، أما القرار الأخير الذي قضى بإيقاف 400 بائعة شاي عن العمل في شارع النيل بصورة كلية، وتم تبريره من قبل موظف بمحلية الخرطوم بأنه صادر من جهات عليا، وهذا أيضا أشار إليه من قبل مدير إدارة المخالفات بمحلية الخرطوم يس صالح.
الدراسات توضح
وقبل الغوص في القرار الأخير ومعرفة مصير بائعات الشاي العاملات بشارع النيل، فقد كشفت دراسة اقتصادية أجريت عن القطاع غير المنّظم، تركّزت على بائعات الشاي في ولاية الخرطوم، أنّ (87%) منهن يقعن في الفئة العمرية من (18-45) وأن (45.1%) غير متزوجات، و(33%) متزوجات، و(21%) منهن أرامل ومطلقات، وتوصلت الدراسة إلى أنّ (88.6%) من بائعات الشاي بولاية الخرطوم نازحات أو مهاجرات من مناطق ريفية، وأشارت إلى أنّ قطاع بائعات الشاي في تضخّم وازدياد، لأنّ أسباب الظاهرة متضخّمة، وهي (الحرب، صعوبة الأوضاع الاقتصادية، ارتفاع الأمية، وضعف المستوى التعليمي، وشملت دراسة (القطاع غير المنظّم، بائعات الشاي بولاية الخرطوم نموذجاً)، التي قدّمها مدير المنتدى المدني القومي د. حسن عبد العاطي باتحاد أصحاب العمل، (200) عينة، في المدن الثلاث بولاية الخرطوم، (الخرطوم، بحري وأم درمان)، واعتمدتْ على مسح وزارة الرعاية الاجتماعية، الذي قال إنّ عدد بائعات الشاي بولاية الخرطوم بلغ (5.748)، ومسح وزارة التنمية للعام 2012م، الذي أكد أنّ عددهن (13.724) بائعة شاي.
وقفة احتجاجية
وبالعودة إلى قرار إيقاف 400 من بائعات الشاي عن العمل بشارع النيل، فقد صاحبته الكثير من ردود الأفعال المحتجة عليه خاصة من قبل المتضررات، وكانت الأجهزة الأمنية قد فضّت أخيراً وقفة احتجاجية نظمتها المئات من بائعات الشاي أمام قاعة الصداقة احتجاجاً على منعهن عن العمل في عدد من المواقع الرئيسية في الخرطوم، وقالت تهاني عباس مسؤولة المكتب القانوني لمبادرة “لا لقهر النساء” أن نحو 400 من بائعات الشاي نظمن وقفة احتجاجية أمام مقر انعقاد ملتقى المسؤولية الاجتماعية بقاعة الصداقة الذي شاركت فيه وزيرة الشؤون الاجتماعية مشاعر الدولب، وأوضحت تهاني أن السلطات منعت بائعات الشاي من حمل اللافتات المنددة بالقرار، مشيرة إلى رفضهن مغادرة المكان وجلوسهن على الأرض احتجاجاً على طريقة تعامل السلطات مع الوقفة الاحتجاجية السلمية.
استنكار ورفض.
من جانبها استنكرت عوضية عباس الأمين العام لجمعية بائعات الأطعمة والمشروبات حظر بائعات الشاي عن العمل في شارع النيل والساحة الخضراء وتعرضهن للحملات المستمرة من شرطة النظام العام. وقالت عوضية إن معتمد الخرطوم أبو شنب و في لقاء عقده مع جمعية بائعات الأطعمة، في وقت سابق، أكد أن قرار الحظر نهائي، وأنه كشف عن عزم المحلية على إنشاء مشاريع استثمارية سياحية في شارع النيل.
ومن جهة ثانية قالت عوضية عباس إن شرطة النظام العام احتجزت من قبل 30 من بائعات الشاي العاملات بالقرب من مستشفى بشائر في مايو وألزمتهن بالمبيت في الحراسات بسبب عملهن بعد التاسعة مساءً، وأن محكمة النظام العام أصدرت حكماً بتغريم كل منهن 1000 جنيه أو السجن ثلاثة أشهر في حال عدم السداد، دون أن تتيح لهن الفرصة لتوكيل محامين، واستنكرت عوضية عباس الأحكام القاسية والمعاملة السيئة التي تواجهها بائعات الشاي من قبل السلطات، مشيرةً إلى أن معظمهن من الأرامل اللائي يعُلن أطفالاً.
القوى السياسة على الخط
من جانبها استنكرت القوى السياسية ومنظمات مجتمع مدني طريقة التعامل العنيف مع الوقفة الاحتجاجية لبائعات الشاي، ووصفت ما حدث بأنه غير إنساني، وأعلنت حملة نساء ضد الظلم في بيان عن كامل تضامنها مع الوقفة الاحتجاجية لبائعات الشاى أمام قاعة الصداقة رفضاً لاستهدافهن في أكل لقمة العيش الكريم، وأعلنت هيئة محامي دارفور في بيان لها تضامنها مع بائعات الشاي ودعت لمواصلة حملة التضامن معهن بكافة الطرق والوسائل.
وعود حكومية
حكومياً، فقد وعدت وزيرة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم أمل البيلي بحل مشكلة “بائعات الشاي” اللواتي تم إيقافهن من العمل بشارع النيل، بتمليكهن أكشاكاً بالشراكة مع شركة معاوية البرير، وعقدت الوزيرة اجتماعاً مع قيادات اتحاد بائعات الشاي والأطعمة، وأشارت إلى أن سبب منع النساء من العمل في شارع النيل هو الحفاظ على المظهر السياحي، لأنه الشارع الأهم، وأكدت العمل على حل المشكلة بدخول هذه الشركات التي ستقوم بتصميم أكشاك تليق بمظهر السياحة في ولاية الخرطوم، تُملك لبائعات الشاي على أن يدفعن كلفة الأكشاك بالتقسيط، ومن قبل أبدت مسؤولتان في السفارة الأميركية بالخرطوم تعاطفهما مع بائعات الشاي السودانيات اللائي يتعرضن لحملات منظمة من السلطات المحلية بدعاوى التنظيم ومحاربة المظاهر السالبة.
تعاطف وزيرة سابقة
وعلى ذات الصعيد، فقد أشارت وزيرة الرعاية السابقة أميرة الفاضل إلى أن بائعات الشاي ضحايا لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحتاج منا للمساندة والمساعدة والرعاية والحماية، والعمل الجاد لتنظيم هذه المهنة وتطويرها. وزادت: “أقول حديثي هذا بعد دراسات أجريناها شملت 10000 ست شاي في ولاية الخرطوم.
الجدير بالذكر أن هناك نحو 13 ألف امرأة يعملن في بيع الشاي والأطعمة في العاصمة الخرطوم بحسب إحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم. وأشارت الإحصائيات إلى أن بائعات الشاي ينحدرن من عائلات فقيرة نزحت من أطراف البلاد لعوامل الحرب والجفاف وتدهور الزراعة في الولايات.
هاجس سياسي
من ناحيته، اعترف معتمد بحري بأن “قضية بائعات الشاي في الخرطوم تشغل صانعي القرار، وقال اللواء حسن محمد حسن إدريس، إن قضية بائعات الشاي في منطقة الخرطوم تشغل صانعي القرار، إنه في محليته على وجه الخصوص يسعى للتوصل لحل يرضي الطرفين.
شركة كوفتي على الخط
ولمعرفة رأي شركات استيراد وتعبئة الشاي في هذه القضية التي تهمهم أيضاً اتجهنا صوب مدينة بحري والتقينا مدير إدارة التسويق بشركة كوفتي أمين بشرى، الذي أكد أن العاملات في مجال بيع الشاي بالعاصمة عدد لا يستهان به، ويجزم بأدائهن لأدوار في غاية الأهمية تجاه أسرهن، وأنهم ينظرون إليهن باحترام وتقدير، ويعملون على مساعدتهن لأداء رسالتهن الشريفة في الحياة، وعن دور شركتهم حول قضية نساء شارع النيل الأربعمائة، قال إنهم يعملون أيضاً على بحث أسباب استقرارهن بما يتماشى مع قوانين الولاية، وقال إن الشركة وضعت خطة لتطوير وترقية أماكن عملهن حتى تكون دائمة ومستقرة، مشيرًا إلى أن قضية بائعات الشاي تقع مسؤوليتها على الجميع رسميين وشعبيين وأنه لابد من تضافر الجهود من أجل إيجاد حلول نهائية لها تضع ظروف العاملات في الاعتبار، ويرى أنهن لو لا الضائقة المعيشية لما خرجن من منازلهن وتحمل مشاق العمل تحت ظروف مناخية واقتصادية متقلبة وقاسية.
تدريب وأدوار
ويمضي مدير التسويق أمين بشرى ويؤكد على أن بائعات الشاي مكملات لدورهم وصاحبات إسهام لا يمكن تجاوزه بحكم أنهن من عملاء الشركة الذين يستعملون منتجها، ويقول إنهم ومن أجل تطوير مهنتهن والوقوف بجانبهن، فقد قررت الشركة أيضاً تدريبهن بل والبيع المباشر لهن بدون وسيط حتى يتمكن من تحقيق أرباح جيدة، كاشفاً عن أنهم وبالتنسيق مع الجهات الحكومية سوف يبحثون أمر تشييد مواقع ثابتة وعصرية لبائعات الشاي، وذلك حتى لا يواجهن الظروف الاقتصادية منفردات ودون عون من المجتمع، ويرى أن كوفتي وبما أنها مستفيدة من استعمال منتجها من قبل بائعات الشاي، فإن واجبها ودورها الوقوف بجانبهن، معتبراً مهنة بيع الشاي ليست هامشية، بل رافد اقتصادي مهم يجب الحفاظ عليه وتطويره.

الصيحة.


تعليق واحد

  1. الأكشاك سرطان معماري، القاهرة مثلا سكناها يقاربون سكان السودان مع ذلك لا ترى الفوضى الجارية هنا، يجب أن يؤجرن دكاكين أو قهاوي محترمة وإجلاس جيد في مساحات محددة وبنظام مثل قهاوي القاهرة الشهيرة التي صارت مصدرا للثقافة والقصص والإبداع، إرجع لصور الخرطوم قبل 70 سنة وانظر كيف كانت القهاوي.