داليا الياس

(أولاد ناس!! )


* كان ياما كان…فى قديم الزمان…كان (أولاد الناس) في مجتمعنا السوداني العريق…هم تلك الفئة الصفوية من حيث الطبقة الاجتماعية والدرجات العلمية وأسلوب الحياة والأخلاق وحتى الانتماء القبلي، كانوا هم الركيزة الأساسية التى تحقق للمجتمع التوازن الإنسانى اللازم، وتحفظ له تماسكه ووعيه وإلتزامه¡ كان (أولاد الناس) دائماً على قدر كبير من الأناقة والكياسة واللباقة بمكان….كانوا مهذبين جداً.. يجيدون ممارسة الاحترام والتقدير .. ويترفعون عن الصغائر والكبائر¡ لاينزلقون فى المتاهات¡ ولاينحرفون عن المسار المعتدل الذي توارثوه كابراً عن كابر.. وإذا أردت أن تصف أحدهم بتمام الأدب والرقي والتربية القويمة، ماعليك الا أن تطلق عليه (ود ناس) وكفى.. ليفهم المستمع أى الدرجات الرفيعة يتبوأها في درجات الحياة!

* الآن….ومثل كل الثوابت التى تبدلت…والجمال الذي تحول في حياتنا إلى خلفيات مشوهة…تبدل أولاد الناس….وماعاد لهذا المصطلح مكاناً من إعراب الجلال إلا من رحم ربه !! أصبحت أضابير الشرطة وحكايات الشارع العام وأخبار الصحف تضج بالجرائم المدهشة التي لم يعد يرتكبها سوى الموقرين أعلاه!! لم يعد للص تلك الصورة الذهنية التقليدية المرسومة فى خيالنا منذ الأزل، لذلك الكائن القذر الحافي والمتعري ببشرته الحالكة ورائحته النتنة…والذي يتسلل إلى إحرازنا في غفلة منا .. ولايبدأ دوامه اليومي إلا بعد منتصف الليل!! أولاد الناس الآن يكذبون…ويتسربون من مقاعد الدراسة…ويتواقحون فى الطرقات !! بل ويسرقون…ويبرعون فى إرتكاب الأساليب.. وهم فى كامل هندامهم….بل ويسرقون حتى (الناس) الذين أنجبوهم ومنحوهم الألقاب العائلية الرنانة والبرستيج!!…

* وأولاد الناس الآن يزنون…وتضج دار المايقوما المغلوبة على أمرها بضحايا الخطيئة التى إرتكبها اثنان من أبناء الطبقات البرجوازية أصحاب السحنات البراقة والبشرة البيضاء والشعر الناعم المنسدل، دون أن يراعوا ضمائرهم فى تلك اللحظة التى لم يكن يعنيهم فيها سوى إشباع رغباتهم الوضيعة، وتحقيق المزيد من المتعة التى وجدوا كل السبل إليها ميسرة منذ جاءوا للحياة، فأصبحوا من الاستهتار واللامبالاة بمكان، لا يسمح لهم بالالتفات للمحاذير أو مراعاة الواعز الديني والإنساني!! أولاد الناس على أيامنا هذه هم أس الفساد…والنصب…والإختلاس…والرشوة…واستغلال النفوذ لظلم العباد دون رحمة أو هوادة!!

* هؤلاء هم السواد الأعظم من أولاد الناس الذين نرفعهم علينا درجات…ونمنحهم ميراث كامل من التبجيل والانبهار…ونشعر فى حضرتهم بالدونية !!!… كل هذا وأكثر لأن الطبقة المتوسطة التى كانت بمثابة صمام الأمان لمجتمعنا المحافظ حينها قد إنقرضت وضاع أثرها….وأصبحت الأموال الطائلة التى تحصل عليها البعض بسهولة فى يد من لا يحسن توظيفها ويبرع في صرفها على (الفارغة)…ويجعلها فى يد المراهقين دون حساب!

* لقد بدأت أعيد تقييمي لتلك الفئة….مع كامل إحترامى للنماذج المشرفة لأولاد الناس الفعليين الذين لايزالون بخير….ولكني أرى أن نعيد النظر فى تعريف هذا المصطلح وتداوله والتعامل على أساسه قبل أن نمنح البعض شرف الإنتماء إليه، وهم أبعد مايكون عنه.. وأقرب مايكونون لأبناء الرجس والشيطان والعياذ بالله .. ومن وجد فى نفسه تحفظاً على رأيي هذا فعليه بزيارة دار المايقوما وحراسات الأقسام عاجلاً، والأمر متروك بعدها لتقديراته الشخصية حالما كان له ضمير وعقل وكان (ود ناس)!!!

تلويح: أسوأ مافي الأمر أن بعض (بنات الناس) ماعادن يصلحن لممارسة الأمومة…
فكيف ننتظر أن نعد شعباً “طيب الأعراق»؟!

اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة