جعفر عباس

شوكولاتةٌ متحجرة وكبش افتراضيٌّ


حتى قبل سنوات قليلة، كانت حلوى الماكنتوش هي أرفع أنواع الهدايا التي تقدم في المناسبات السعيدة، ثم تمدّنا وتحضرنا وصارت الهدايا أشكالاً وألوانا، وظهرت أنواع من الشوكولاتة الفرنسية والبلجيكية والسويسرية، التي توضع في أطباق رائعة الشكل، ويهديك أحدهم أحيانًا شوكولاتة في وعاء على هيئة سفينة أو صندوق سحري كبير الحجم، وتكتشف أن معظم المحتويات عبارة عن ورق مكرمش ومقرمش، وأن عدد الشوكولاتات التي فيه لا تزيد على الأربعين قطعة، بل وتذهب إلى البعض مهنئًا فيقدمون لك طبقًا من الشوكولاتة جميل التغليف، وتمد يدك لتتناول قطعة واحدة وتكتشف أنها مغروزة بالـ »سوبر غلو«، أي الغراء الذي يستخدم في صنع الأثاث، وإذا لجأت إلى عضلاتك لانتزاع قطعة الحلوى، يرتفع الطبق بأكمله في الهواء، فتدرك أن تلك الحلوى مجرد ديكور وليست للاستهلاك الآدمي!

وعلى كل حال فإنني لا أتعاطى الشوكولاتة المشتراة بالكيلو والمغلفة بالورق الشفاف، لأنني ومن واقع التجربة الشخصية أعرف أن معظمها خضع لما يسمى »ريسايكل« وهو إعادة التدوير، فقد تكون لدى عائلة ما مناسبة سعيدة وتجتمع لديها كميات كبيرة من صناديق وعبوات الشوكولاتة، وما يحدث في غالب الأحوال هو أن تلك العائلة تحتفظ بجانب من تلك الصناديق وتعيد توزيعها على عائلات أخرى تحتفل بمناسبات سعيدة، وهكذا فقد يظل صندوق الشوكولاتة الواحد يدور من بيت إلى آخر حتى تتحول مكوناته إلى فطريات أو »فوسيل« وهي الأحفوريات التي يعثر عليها علماء الآثار في مواقع الحضارات القديمة

ثم قطعنا شوطًا إضافيًا في التمدن وصرنا نهدي المواليد الجدد قطعًا ذهبية، والمتزوجات حديثًا المفارش والأدوات الكهربائية، وأعرف زوجين وصلتهما تسعة خلاطات كهربائية من نفس النوع والطراز خلال أسبوع واحد، وقد عرضا علي شراء اثنين منها بسعر المصنع، فساومتهما، وانتهت الصفقة بطريقة أن من يشتري خلاطين يحصل على الثالث مجانًا، وقمت بدوري ببيع خلاطين بسعر خلاط واحد!

على كل حال، ما من إنسان لا يفرح بالهدية حتى لو كانت قيمتها المادية ضئيلة، ليس فقط لأن الإنسان يحب الأشياء البلوشي أي المجانية، بل لأن الهدية تعبير عن أن الآخرين يحسون بوجودك ويفرحون لفرحك، وهذا هو ما غاب عن شاب مصري لن أذكر اسمه، كان من المقرر أن يتزوج بالفتاة التي اختارها في منطقة المنيب بمحافظة الجيزة بالقاهرة، وكان الاستعداد للزواج قد استنفد موارده المالية، ومع هذا رأى أنه من الضروري أن يهدي خطيبته كبش العيد، فاتصل بوالدتها وأبلغها أنه اشترى الخروف وربطه في بئر السلم في العمارة التي تقطن فيها، ولسوء حظ خطيب الفتاة هذا، عاد والدها إلى البيت فأبلغته زوجته بأمر الخروف، وطلبت منه أن يشتري له علفًا ويزوده ببعض الماء، وأن يوصي البواب برعايته حتى يتم ذبحه صباح يوم العيد، ورأى أبو الفتاة أن تلك الهدية تدل على أن العريس المرتقب لابنته »يعرف الواجب والأصول«، وخرج واشترى العلف وحمل معه »جردلا« سطلا من الماء، وذهب إلى مربط الخروف ووجده راقدًا، فحاول حثه على النهوض ولكن الخروف الضخم رفض أن ينهض!! والسبب في ذلك أنه كان بلا روح!

ليس بمعنى أنه مات، بل لأنه كان دمية خروف من البوليستر المكسو بالصوف الصناعي، وحمل الرجل الدمية وصعد إلى شقته لتعرف زوجته مدى استخفاف الخطيب بهما وبابنتهما، وشاء حظ الخطيب العاثر أن يدخل الشقة والدمية أمام والدي خطيبته، وكما هو متوقع فقد طلبا منه أن يبحث لنفسه عن عروس بلاستيكية. حاول أن يقول لهما إنه أتى بالدمية كإجراء مؤقت إلى أن يتسنى له توفير المبلغ اللازم لشراء خروف حقيقي… ولكن الأمر انتهى به وخروف البوليستر وهما يتدحرجان على سلم العمارة.
‏‏‏‏

زاوية غائمة … جعفـر عبـاس