تحقيقات وتقارير

(14,930) عدد المرضى.. (80%) منهم بالخرطوم


مرض الكلى.. موت مرتفع التكاليف
(27%) نسبة الوفيات وسط مائة حالة سنوياً
اختصاصي: هذه (….) أسباب الإصابة بالمرض
(85%) من المرضى لا يعملون ولا دخل ثابت لهم
المراكز الحكومية للغسيل ينقصها الكادر الطبي المؤهل
د. هاشم الرفاعي: المحاليل والإيربكس تصرف مجاناً للمرضى
اختصاصي نفسي: الفشل الكلوي يولد اكتئاباً لدى بعض المصابين
تحقيق: بدور مبارك
قصة (أحلام) 30 عاماً، التي راحت ضحية خطأ طبي في عملية نقل كلى، أوردتها بعض الصحف قبل فترة ، فقد أصابها المرض نتيجة تشخيص وتناول أدوية خاطئة، وما بين فحوصات الملاريا، والتهابات المعدة تسلل إليها الفشل الكلوي، رغم خضوعها لغسيل مستمر، إلا أن حالتها لم تتحسن، سلكت أسرتها كل الطرق لتوفير تكلفة العلاج، وفي نهاية الأمر اضطرت لبيع كل محتويات المنزل لإجراء عملية زراعة بإحدى المستشفيات، لكنها انتقلت إلى بارئها نتيجة خطأ طبي..
هذا التحقيق تورده (الصيحة) تتناول فيه الوضع الراهن لمرضى الكلى بالسودان، والواقع المؤلم الذي تتعرض له أسرهم، إلى جانب الأثر النفسي والاجتماعي الذي يعانون منه.
قصة (سهام)
رواية أشبه بالأفلام روتها (سهام) 20 عاماً طالبة هندسة بإحدى الجامعات، جسدها النحيل يحمل معاناة خطيرة عمرها ثلاث سنوات، كما سردت إصابة والدها المرض (اللعين) قبل أربع سنوات فأقعده عن العمل، ووالدتها مريضة بالسكري، لا تقوى على تحمل المسؤولية ونسبة لأنها أكبر أشقائها عملت (خادمة) في منازل بحي (الرياض) بالخرطوم لتتمكن من توفير تكلفة العلاج لوالدها والطعام لأسرتها، ظلت تطوف كل منازل الحي تغسل هنا وتنظف هناك ومع ذلك كانت تذهب إلى الجامعة مرة وأحياناً مرتين في الأسبوع، العمل في (البيوت ) شاق لم تتحمله، راودتها أفكار كثيرة فخرجت إلى الشارع وأصبحت تصطاد أصحاب العربات الفخمة، وحسب سردها كل مشوار بـ(حقه)، بذلك أدخلت والدها مراكز الغسيل ووفرت له الطعام الخاص الذي يجب أن يتناوله، وتمكنت من دفع إيجار المنزل الذي كان صاحبه يهددهم بالطرد منه، ودفعت لإخوانها الصغار رسوم المدارس.. خروجها من المنزل في الصباح وعودتها بعد منتصف الليل كانت بعلم والدها ووالدتها الذين لا حيلة لهم أمام المرض والفقر، حكت سهام قصتها من داخل أحد مراكز غسيل الكلى والدموع تتقاطر على خديها وتدعو لوالدها بالشفاء والعودة إلى عمله كأستاذ ثانوي.
صعوبات ومشاكل
أوردت بعض الدراسات التي أجرتها إحدى الجامعات بالخرطوم أن (90%) من أسر المرضى المصابين بـ(الفشل الكلوي) تأثروا نفسياً واجتماعياً جراء المرض، وأغلبهم يعيشون تحت وطأة الفقر ويعانون ما يعانون، الأمر الذي أدى إلى تفكك أسري بنسبة (25%) ـ وتسبب في حالات طلاق بنسبة (40%) لعجزهم تحمل المسؤولية وتكلفة العلاج الكبيرة، الدخول إلى مراكز (غسيل الكلى) يكشف عن مأسٍ ومشاكل عديدة تدمي لها القلوب.. أبناء تركوا التعليم، وأسر أصابها التفكك بسبب إصابة والدهم أو أحد أفراد الأسر بالمرض، صعوبات كثيرة وشكاوى عديده كشف عنها مرضى الكلى الذين التقيناهم داخل المراكز تمثلت في ارتفاع تكاليف العلاج، وبعد المراكز عن منازلهم مما أدخلهم في التزامات وصرف مالي إضافي.
مشاكل الغسيل
كما يواجه المرضى مشكلة في توقيت الغسيل، فإذا تأخر المريض عن الحضور بسبب زحمة المواصلات تضيع عليه الفرصة، وتأكد للصيحة من خلال جولتها داخل المراكز أن نسبة (85%) من المرضى لا يعملون وليس لديهم دخل ثابت، وأغلبهم يأتي المراكز بواسطة المواصلات، وأخطر مشكلة يعانون منها عدم المتابعة من الاختصاصي للمريض خاصة في الوردية الثالثة التي تنتهي في العاشرة مساء، وحتى الأطباء المتواجدين في المراكز غير مؤهلين.. وحسب تقارير طبية أن بولاية الخرطوم (13) مركزاً حكومياً لغسيل الكلى، يقال إن الغسيل فيها مجاناً، إلا أن ما كشفته جولة الصيحة، يشير إلى أن المجانية تتمثل في معدات الغسيل والاصطاف الطبي العامل فقط، وحسب المريض (عمر الأمين) فإن المريض يقوم بشراء احتياجات الغسيل وهي عبارة عن (الهبرين ـ أيودين (مواد مطهرة ) ـ دربات الملح ـ والحقن التي يستخدمها وهي الحديد والابريكس، بالإضافة للأدوية الشهرية الثابتة كـ(حبوب الكالسيوم ـ الون الفا) وأدوية الضغط، هذا إلى جانب تحمله تكلفة الفحوصات الشهرية لوظائف الكلى والدم، مع النظر إلى أن المريض يخضع لفحص الفيروسات مثل التهاب (الكبد الوبائي (ب)، وفيروس الكبد (سي)، وفحص الإيدز وهذه الفحوصات تجرى في معمل إستاك وينفق حيالها المرضى مبالغ مرتفعة.
عدم غذاء
وتبين من خلال استطلاع أجرته الصحيفة مع عدد من الأطباء بالمراكز أن الدولة لا توفر سوى (مكنة ـ ومحاليل) فقط، وكشفت مصادر طبية أن أغلب مرضى الكلى لا يتناولون الغذاء الصحي الموصوف لهم، وأغلبهم يعيش على العدس لضيق اليد، وكما يقول دكتور (محمد سليمان): هناك مرضى معدمون يعملون الغسيل بالدين في المستشفيات الخاصة، إلى أن يجد لهم المركز القومي مركزاً حكومياً يوزعهم فيه.
وفي مقارنة ما بين المراكز الحكومية والخاصة أفادت المريضة (سهى عبد الله) أنه لا توجد علاقة ما بين الخدمة المقدمة في المراكز الحكومية والخاصة.. فالمراكز الحكومية الأطباء قليلون ودائماً يتوفر طبيب واحد أو اثنين وحتى المتابعة غير دقيقة بعكس المراكز الخاصة، وأضافوا أن الاختصاصي في المركز الحكومي يتواجد في الفترة الصباحية فقط .
أرقام دقيقة
وكشف المواطن (علي أحمد) وهو متابع مع والده حالات الغسيل أن مريض الفشل الكلوي يصرف أكثر من (40) ألف جنيه لغرض إجراء زراعة وفحوصات ، وأن كل المراكز الموجودة حالياً تواجه مشكلة في صغر حجم الكلى الصناعية أو جهاز الفلترة مما يؤدي إلى عدم فعالية الغسلة الواحدة، وأفاد: كلما كان حجم الكلية كبير كانت عملية الاستصفاء أفضل، وأضاف أن المرضى يقومون بشراء قساطر الغسيل من حر أموالهم، وتساءل: لماذا لا توفر الحكومة القسطرة لمرضى الفشل؟ وتابع إن الغسلة الواحدة تكلف المريض (300) جنيه، هذا بخلاف الترحيل، كما أن الوجبة أثناء الغسل على المريض، وأشار أن المركز الحكومي يعطي فرصة غسلتين فقط للمرضى في الأسبوع، وإذا احتاج المريض إلى غسلة ثالثة يذهب للخاص، علماً أن أسعار غسيل الكلى في المراكز الخاصة مرتفعة جداً وتتراوح ما بين (500 ـ 1000) جنيه.
تقارير إعلامية
فيما كشفت تقارير إعلامية سابقة عن وجود (14,930) مريض كلى وصلوا المستشفيات، (80%) منهم في ولاية الخرطوم، وقالت التقارير إن (4,800%) من السكان مصابون بالمرض أي أن (مليون و600) مصاب سنويًا بحاجة إلى زراعة، وأن نسبة الوفاة (27%) في كل مائة حالة، وأن الزيادة السنوية وسط المرضى بنسبة (33%).
أما الزيادة عند الأطفال دون الخمسة عشر عاماً (15%).
أسباب ومعالجات
وأرجع د. (عبد الماجد عبد الغفار) أسباب الإصابة بالمرض إلى الاستخدام الخاطئ للأدوية وتناولها دون روشتة طبية، وقال: حوالي (80%) من الأدوية يتم إخراجها بالكلى و(20%) بالكبد.. ومن الأسباب أيضاً استخدام المياه غير الصالحة للشرب، وحذر من استخدام الكريمات والأصباغ وحبوب وحقن التسمين والتفتيح، فهناك عدد كبير من الفتيات يدخلن المستشفيات بهذه الأسباب، حيث تفوق نسبة الإصابة بها الـ(50%).
وحول أسباب انتشار المرض وسط الأطفال عزاه إلى نقص السوائل والأسباب الوراثية المتمثلة في نقص الدم في الجسم، وأشار أن نسبة الزيادة السنوية للمرض بهذه الأسباب (33%)، وأشار محدثي إلى أن السودان لا يواجه مشكلة في متبرعي الكلى، ولكن المشكلة في إيجاد فرص الزراعة بالمستشفيات، فنسبة (79%) من المتبرعين مرضى ميتين بإقرار من الميت قبل وفاته و85%من أفراد على قيد الحياة فمسألة وجود عدم متبرعين أمر غير حقيقي، ولتوطين الزراعة بالسودان لابد من إنشاء مستشفى لذلك قامت بعض المنظمات بتبني مشروع إنشاء مستشفى لخدمة المرضى في السودان ولتمزيق فاتورة العلاج بالخارج.
آثار نفسية
ربط عدد من الاختصاصيين النفسيين بين ارتفاعات معدلات الإصابة بالفشل الكلوي وبين ارتفاع الإصابة بالأمراض النفسية، وتشير الاختصاصية النفسية (هدى سليمان) إلى الخطورة البالغة للأعراض النفسية لمصابي الفشل الكلوي، خصوصاً بعد زراعة الكلى من أشخاص آخرين أو قبل ذلك، ما يضعف نسبة الشفاء عندهم بنسبة كبيرة، وتقول إن الفشل الكلوي يولد اكتئاباً لدى بعض المصابين، مشيرة إلى أن أعراض القلق والسلوكيات النفسية السلبية التي ترافق المرضى تكون نتيجة عدم توفر الكفاية اللازمة من التثقيف الصحي، وتضيف أن مرضى الفشل الكلوي كثيراً ما يترددون على المستشفيات النفسية وعيادات الأطباء الاختصاصيين بغرض علاج الاكتئاب والقلق والتوتر لإعادة ثقتهم فيما حولهم وتخليصهم من سموم المرض وآثاره، وتؤكد أن المتابعة الجيدة لهم وإخراجهم من حال القلق تؤدي إلى نتائج إيجابية جداً تساعد على علاجهم، مشيرة إلى أن المراحل التي يمرون بها تنعكس على أسلوب التغذية، وأوضحت أن 15 في المئة من المصابين بالفشل الكلوي يعانون من سوء تغذية ليست فقط لأسباب علاجية وإنما لأسباب نفسية أيضاً، ولفتت إلى أن كثيراً من الأشخاص يصابون بسمنة شديدة بعد عملية زراعة الكلى نتيجة الأدوية المتنوعة مثل الكورتيزون، ما يؤثر في نفسياتهم بشكل واضح رغم تحسن الصحة العامة، وطالبت بالتعامل مع هذه المضاعفات والتقليل من تأثيراتها السلبية.
رؤية مغاييرة
لكن الدكتور هاشم الرفاعي استشاري إدارة المستشفيات ومدير مركز الشهيد مزمل لغسيل الكلى بالخرطوم كانت له رؤية مغايرة لما جاء من معلومات أعلاه، فقد قال لـ(الصيحة) إنه وبحكم عملي كمدير لمركز الشهيد مزمل لغسيل الكلى في ولاية الخرطوم بأن عدد المراكز بولاية الخرطوم (33) مركزاً موزعة على كل محليات ولاية الخرطوم حيث لا تبعد أكثر من خمسة كيلو من سكن أي مريض لغسيل الكلى وهذه المراكز يوجد بها أكثر من (400) أربعمائة ماكينة من أحدث الماكينات لغسيل الكلى المعترف بها دولياً. مشيراً إلى أن كل هذه المراكز يوجد مولد كهربائي ومهندس مختص يعمل طيلة ساعات الغسيل. وكل هذه المراكز تعمل ثلاث ورديات في اليوم تبدأ من الساعة 30/7 صباحاً حتى الساعة 30/9 ليلاً.
فحص مجاني
وفيما يتعلق بفحص الفيروسات يقول الرفاعي إن الفحص مجاني في معمل إستاك لمرضى الكلى ويمكنكم مراجعة قسم الفيروسات في معمل إستاك وللعلم بأن المريض لا يحتاج لفحص الفيروسات إلا عند أول غسلة أو حين تغيير مركز غسيله من مكان لآخر. وحول المحاليل وملح الطعام والإيربكس مشيرًا إلى أنها تصرف مجاناً للمرضى. والمخازن والثلاجات لا ينقطع فيها المخزون ولمدة يوم واحد. مضيفاً أن مرضى الكلى يحضرون للمركز ومعهم طعامهم والذين لا يستطيعون ذلك تدبر لهم إدارات المراكز من الجمعيات الغذاء اللازم. أما عن الأدوية المصاحبة فإن أغلب المرضى بنسبة 90% عندهم بطاقات تأمين صحي للأدوية الأخرى وأمراضهم الأخرى وكذلك البطاقات تشمل الفحوصات مجاناً.

الصيحة.