الصادق الرزيقي

قفل المنافذ وسد الذرائع


اتخذت الحكومة إجراءاتها لمواجهة غول الدولار في اجتماع عقده السيد رئيس الجمهورية مع نائبه الأول رئيس مجلس الوزراء القومي ووزير رئاسة الجمهورية ووزير المالية والمدير العام لجهاز الأمن الوطني والمخابرات والنائب العام ومحافظ البنك المركزي،

وهذه الإجراءات مع توفر إرادة سياسية قوية يمكن أن تضبط تصاعد الدولار وانخفاض العملة الوطنية من ناحية محاصرة السوق السوداء ومضاربات العملات الأجنبية، فإذا كان بمقدور هذه الإجراءات إحداث أثر عاجل، لكونها بمثابة علاج مرهمي على مستوى السطح لمعالجة الطفح الجلدي الخارجي للاقتصاد، فإن على الحكومة التفكير بجدية وعمق في إيجاد سياسات نقدية واقتصادية ناجعة وشاملة تعالج كل اختلالات الاقتصاد وتوفر البيئة الإيجابية لزيادة النمو والإنتاج وخفض التضخم وتقليل المخاطر التي تواجه الاقتصاد.
> ودلت التجربة على أن تجار الدولار والمضاربين فيه لن يعدموا الحيل في مواجهة هذه الإجراءات، ولهم ألف طريقة في التهرب والتخلص من القيود الحالية وممارسة عملهم المضر بالاقتصاد بأشكال مختلفة، مما يقتضي أن تكون عين الحكومة وأجهزتها مفتوحة ويقظة، وفي ذات الوقت يجب أن تشرع وزارة المالية والبنك المركزي وبقية وزارات وأجهزة القطاع الاقتصادي في إيجاد بدائل فورية متزامنة مع إجراءات الضبط ومحاصرة السوق الموازي.
> مع أننا في كل مرة نسمع الحكومة تعلن عن سياسة تقشفية، فإن هذه المرة يجب أن يكون التقشف حقيقياً، وأن تقلل الحكومة صرفها الخارجي وتضبط حركة المسؤولين الخارجية، إلا في حالات الضرورة القصوى كما قالت مخرجات اجتماع الرئيس بالأمس مع كبار المسؤولين، وممارسة أعلى حالات الضبط المالي للموارد والإيرادات وترشيد التعامل معها وبها، واللجوء إلى سياسة اقتصادية ومالية غير مكلفة وتساعد المواطن على تحمل الأعباء الضخمة لانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.
> كثير من الناس ظل يظن أن جوانب أخرى كانت غير مهمة في معالجة اعتلال الاقتصاد الوطني والارتفاع المخيف لأسعار العملات الأجنبية، مثل أهمية الوصول لحالة صفرية من العداء الخارجي وعدم تأزيم موقف البلاد في مضمار العلاقات الخارجية، ففي ذلك حال حدوثه سد لذرائع المعاقبات الاقتصادية، وتذليل لتدفقات الاستثمارات والمنح والقروض، ومعالجة مشكلة الدين الخارجي التي لو تم علاجها ستنعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني وتجعل البلاد تتخلص من العقابيل والأغلال، وستتجه مباشرةً إلى الاستفادة من مواردها والدعم الخارجي وفرص التمويل المتاحة.
> إذن ينتظر من الحكومة أن تتبع الإجراءات الصارمة التي أعلنتها بتدابير أخرى أكثر فاعلية حتى لا يتم التراجع مرة أخرى ويصبح اقتصادنا ونحن جميعاً من عبدة الدولار يتحكم في أسواقنا ومعاملاتنا بلا هوداة، فاتخاذ سياسات نقدية واضحة وقوية تستطيع تثبيت سعر الصرف وتقديم تسهيلات مرنة في مجال الضرائب والجمارك وتشجيع المنتجين ومحاصرة النمط الاستهلاكي الذي يستنزف الموارد المالية في ما لا طائل وراءه ووقف التهريب، هي أقصر الطرق لجعل الاستقرار ممكناً، بشرط أن يكون ذلك مقروناً بالضوابط والإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها في اجتماع الرئيس الأخير.
> لكن مع كل ذلك يتوجب النظر في الإجراءات المتعلقة بمخالفة القانون في الجرائم الاقتصادية الخاصة بتجارة العملة في السوق الموازي والتهريب والتهرب الضريبي، فالعمل في مجال النيابة العامة وجمع المعلومات والتحري توطئة لمحاكمات ناجزة وفورية، يتطلب تعاوناً وتنسيقاً محكماً بين أجهزة الدولة المعنية، وتوجيه الرأي العام توجيهاً سليماً عبر أدواته التي يمكن أن تساعد كثيراً في التوعية بالسياسات الاقتصادية والمالية ومحاصرة التهريب والمهربين. غير أن ما تمت الإشارة إليه في الإجراءات التي اتخذت هو مراقبة مشتريات الشركات ذات السيولة العالية من النقد الأجنبي، أو تحويل هذه الشركات لأرباحها إلى الخارج، ووقف طلب الشركات الحكومية للنقد الأجنبي وتنظيمه عبر البنك المركزي، وهذا بالطبع يتوافق مع التوجهات التي أعلنت من قبل وواجهت عثرات في التطبيق، بتصفية الشركات الحكومية ومراقبة عمل الشركات الأجنبية في قطاع الاتصالات وقطاعات أخرى لا تتعامل حتى في مرتبات موظفيها السودانيين بالعملة المحلية كما في بعض شركات البترول.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. مقال جميل وعلاج ناجع لاقتصادنا المتدهور . لو عملت الحكومة بما قلت .ولكننا لم نكن من عبدة الدولار ولو مجازا .العبودية لله وحده