صلاح الدين عووضة

الحزين !!


*ومالك الحزين لماذا سميناه كذلك ؟..

*فربما هو طائر سعيد… وأول من أطلق عليه هذا الاسم هو الذي كان حزيناً..

*أو ربما قاس علامات حزنه على مقاييس حزن البشر..

*والبشر هؤلاء أنفسهم كيف نميز بين السعيد منهم والحزين من إمارات وجوههم ؟..

*فالحزن والسعادة (حالة) داخلية ليس بالضرورة أن يراها الآخرون..

*والضحك قد لا يعبر عن السعادة… ولا التجهم عن الحزن..

*ومعمرة بريطانية العالم نُشرت لها صور مختلفة تعبر عن مراحل حياتها الطويلة..

*هي طفلة… وهي طالبة… وهي عروس… وهي عجوز..

*وفي كل الصور هذه تظهر عابسة الوجه… وكأن أحزان الدنيا كافة بداخلها..

*ولكن حين سُئلت عن السر في طول عمرها قالت (السعادة)..

*وربما لو وُجه لها سؤال آخر عما إن كانت سعيدة الآن لخرجنا منها بإجابة محيرة..

*وسبب الحيرة أن سعادتها هذه تنظر إليها من بين حجب الذاكرة..

*أو تحاول استحضار لحظاتها من غياهب التاريخ لتهب إجابتها روح الحاضر..

*فالسعادة دائماً لحظات ماضوية… بينما الحزن لحظات آنية..

*أو نحن نعجز عن القبض عليها بأيدي مشاعرنا في لحظتها… ونجترها لاحقاً..

*والسبب في ذلك أن القلق من زوالها يحيط بها – وبنا – من كل جانب..

*القلق من زوالها بفعل المرض… أو المنغصات… أو الخوف من المجهول..

*فإن اطمأنت نفوسنا ألا شيء حصل…تكون هي قد ولت..

*وتعقبها لحظات سعادة أخرى فنجهضها أيضاً بالقلق … والخوف… والتوتر..

*ومن ثم فلا أدري كيف يتم تصنيف الشعوب السعيدة من الحزينة..

*أي بالافتراض الجمعي لأحاسيس السعادة… لحظة التصنيف..

*فربما هو مثل تسميتنا لذلك الطائر بالحزين… من محض الملاحظة الظاهرية..

*بينما قد يكون هو – في حقيقة الأمر – من أكثر الطيور سعادةً..

*فلا المال يصلح مقياساً للسعادة… ولا الشباب… ولا الصحة… ولا الحب..

*فكل تلكم العوامل يتربص بها القلق… ويتهدد وجودها..

*فالغني يخشى زوال نعمته… والقوي ضياع قوته… والمحب تنكّر محبوبه..

*وقد يسأل سائل هنا : طيب وما الحل ؟..

*الحل – وأقوله متفلسفاً لا عالماً – أن نجتهد في (القبض) على لحظات السعادة..

*أن نشعر بها وقتياً… لا بأثر رجعي بعد افلاتها منا..

*أن نعيشها لحظةً بلحظة… لا أن نجترها ذكرى من بعد ذكرى..

*وهنا قد يسأل آخر أيضاً : وهل ينسحب هذا علينا – كسودانيين – بحالنا الراهن؟..

*والإجابة : لا ؛ فنحن الآن (حالة) فريدة لا تخضع لعلم… أو تفلسف..

*وربما ينظر العالم إلينا كشعب يجسد كل معاني (الحزن النبيل)..

*أو لكل منا على أنه نسخة بشرية من (مالك الحزين !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة