تحقيقات وتقارير

جدل التعديلات في قانون الصحافة في السودان أين يكمن الخلل الحقيقي؟


أثارت مسودة قانون الصحافة و المطبوعات الجاري النقاش حولها الآن بين الأوساط الصحافية و الاعلامية في السودان جدلاً كثيفاً و حراكاً واسع النطاق في الساحة السياسية و الصحفية السودانية . المسودة المراد من خلالها ادخال تعديلات في صلب قانون الصحافة 2009م واجهت انتقادات واسعة النطاق كونها اشتملت على جزاءات للخروقات التى ربما ترتكبها المؤسسات الصحافية، كما ان البعض الآخر بدا ساخطاً على مقترح إدماج المؤسسات الصحفية كمخرج لتحسين الاداء و تفادي ارتفاع تكلفة التشغيل المتمثلة في الأحبار و الاوراق و الطباعة وغيرها من التكاليف المرتبطة بالجانب التمويلي للصحافة.
و الواقع ان هذا الحراك الذي يمكن اعتباره ايجابياً و محققاً لمقتضيات التحول الديمقراطي الذي يمضي به هذا البلد بتدرج معقول وله طبيعة موضوعية، هو حراك قل نظيره في محيطنا الاقليمي على الاقل لأنه من جهة أولى: اعطى الأوساط الصحفية فرصة مستحقة لإبداء الرأي و التداول و المناهضة ، وهذه في حد ذاتها ممارسة ديمقراطية صحية ذلك ان الشأن الصحفي وعلى اعتبار انه يتعلق بنشر معلومات و تحليل و تناول الشأن العام فهو ليس شأناً سهلاً، إذ ان هنالك جانباً يهم الأمن القومي للدولة، و ليس الأمن الخاص بالحكومة، وفي كل الدنيا فان الأمن القومي للدولة ليس محلاً للتساهل والمساومة.
ولا شك ان الاخوة المشتغلين في الوسط الصحفي ينظرون فقط إلى الجانب الذي يليهم في النشر و تحقيق السبق الصحفي و الحصول على المعلومات و المؤسف حقاً ان بعضهم يعقد مقارنات تعتبر في علم الأصول «قياساً مع الفارق» بدول لها معطيات و حقائق واقع مختلفة تماماً عن حقائق واقع السودان.
ومن جهة ثانية، فان مسودة التعديلات -غض النظر عن الجهة التى دفعت بها- هي في خاتمة المطاف محض مسودة للأخذ و الرد و الجرح و التعديل و كان من المحتم ان تمر بالإجراءات التشريعية المعروفة و تحظى بنقاش في البرلمان عبر عدد من القراءات و المراحل و اللجان. ولهذا فان استعجال بعض الصحفيين واعتقادهم -الخاطئ تماماً- ان التعديل تجري إجازته خفية و بعيداً عن الأعين ليس في محله، اذ أننا لا ندافع مطلقاً عن أي جهة مهما كانت ولكننا بالمقابل نرى ان المبالغة في توصيف التعديلات وإتهام الحكومة بالسعي للقضاء على الحريات الصحفية هو أمر من قبيل المزايدة و المبالغة غير المبررة في النقاش و التحاور.
من جهة ثالثة ينسى الكثير من المشتغلين في الأوساط الصحفية أنّ الصحافة وكما هي «سلطة رابعة» فان هناك سلطات ثلاث أخرى منحها الدستور الانتقالي 2005 الحق في إبتدار القوانين، و الحق في مناقشتها وإجازتها ، وطالما ان الأمر كذلك فان الإدلاء بالرأي ينبغي ألا يصادر حق تلك الجهات المخول لها قانوناً ودستوراً التعامل مع هذه الأمور في ممارسة سلطاتها.
وأخيراً فان أكثر ما يؤسف له في هذا الصدد ان الصحافة السودانية في أوضاعها الراهنة مقروءة مع أوضاع السودان تعيش في «بحبوحة» من الحريات لا تدرك قيمتها وبوسع أي مراقب -وقد فعلنا ذلك عملياً- للتحقق من ذلك ان يتابع المحاكم و النيابات المختصة بالصحافة في السودان، فهناك ممارسات صحفية مخالفة للقانون الجنائي السوداني من ناحية قانونية، ولكنها من ناحية الأمن القومي للدولة السودانية و الأمن الاجتماعي مدمرة ولا تليق بالتاريخ الصحفي للسودان.

الصحافة.