الصادق الرزيقي

لقاء إنجمينا


كانت العاصمة التشادية إنجمينا يوم أمس، تنفح زائرها هواءً رطباً خفيفاً مشبعاً بغبار ضئيل شفيف الغلالات لا يحجب الرؤية، لكن قلبها كان مع الخرطوم فرحاً مستبشراً وهي تستقبل الرئيس البشير ووفده الذي حل بها صباحاً في ضحى مشرق،

وسط أجواء احتفالية باليوم الوطني التشادي، كانت الاستقبالات حافلة وحاشدة من المطار، واصطف حشد من المنظمات الشبابية والنسوية وممثلي الشعب التشادي على الطرقات المؤدية إلى مطار العاصمة يحيون الرئيس البشير ويحملون لافتات تعبر عن متانة العلاقات السودانية التشادية، ويحيون في الرئيس البشير مشاركته تشاد أمة وقيادة الاحتفال بيومها الوطني.
> حرارة الاستقبال واللقاء انعكست في مكان الاحتفال في ساحة الأمة وسط العاصمة، كان العلم السودان يخفق بجانب العلم التشادي في كل الساحة والشوارع، والأهازيج والأغاني لمطربين سودانيين تتعالى عبر مكبرات الصوت، وحتى الأغنية التي ألفتها وغنتها المطربة ندى القلعة في السيدة التشادية الأولى حرم الرئيس إدريس دبي كانت تبث ويتم تكرارها طوال فترة الاحتفال، وكان العرض العسكري لوحدات رمزية من الجيش التشادي منظماً ومرتباً وبسيطاً، وخلا من التعقيدات التي تصاحب مثل هذه المناسبات.

> بدأت المباحثات الرسمية عصر أمس بين الرئيسين حيث عقدا لقاءً منفرداً وحدهما، ثم عقد لقاء ضم الوزراء وكبار المسؤولين في الجانبين، ومعلوم أن العلاقة السودانية التشادية شهدت في الفترة الأخيرة تطورات كبيرة في شتى المجالات، ويمكن وصفها بأنها علاقة أنموذج بين كل علاقات السودان مع جواره أو في محيطه القاري، فهناك تشابه وتطابق بين الشعبين في المزاج والثقافة وكثير من العادات والتقاليد، ولا تستطيع في غالب الأحوال التفريق بين السوداني والتشادي، ويلاحظ أن التعاون في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية وصل إلى درجة متقدمة من الترابط والتنسيق، فالسودان وتشاد يتعاونان في كل القضايا الإقليمية والدولية وينطلقان من نقاط تقارب واحدة وتفاهم مشترك، وقدم البلدان لفائدة إفريقيا بل العالم تجربة القوات المشتركة بين البلدين لضبط الحدود وإنهاء وجود حركات التمرد ومنع التهريب ووقف الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ويتم الآن العمل على توسيع هذه القوات المشتركة وزيادة مناطق انتشارها على الحدود حتى تصل إلى مثلث الحدود السودانية الليبية التشادية المشتركة.

> في منحى آخر ظلت المساعي والجهود جارية لتنفيذ كل الاتفاقيات السابقة وتعديل بعضها وتفعيله، خاصة ما يتعلق بالنقل والتجارة واستخدام تشاد ميناء بورتسودان لاستجلاب وارداتها وتصدير صادراتها، وهو الخيار الأسلم والأكثر نفعاً من الخيارات الأخرى مثل ميناء (دوالي) في الكاميرون الذي يبعد حوالى (1700) كيلومتر من إنجمينا أو الساحل الليبي البعيد حوالى (2000) كيلومتر، وتوجد اتفاقيات أخرى في مجال التعليم والتعليم العالي والتعدين والتدريب وتنمية الموارد البشرية والزراعة والصناعة والاتصالات والتعاون الصحي والطبي وفي مجالات الشباب والرياضة والإعلام.
> وتمثل أيضاً زيارة الرئيس البشير لتشاد فرصة للتشاور السياسي الرفيع حول ما يدور في المنطقة الإفريقية وما جاورها وهموم العالم الإسلامي، فالتنسيق بين الخرطوم وإنجمينا في هذا الظرف والتوقيت ضروري للغاية خاصة في الملف الليبي وما يجري من تطور في إفريقيا الوسطى، وهذه الزيارة بما تم فيها من تباحث تمثل فرصة ثمينة للقفز إلى مربع جديد من التعاون الثنائي المثمر وتطابق الأفكار.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة