تحقيقات وتقارير

ما بين «القانون الجنائي» و«القانون المدني»… باقون حتى السداد .الداخلية: نزلاء جرائم الحق الخاص أعباء إضافية على إدارات السجون


معاملات مالية وتجارية كبيرة توسعت في الآونة الاخيرة ، سوق كبير يتجاوز اوراق النقد إلى الشيكات، عالم ذو تفاصيل تبدو معقدة اقتحمته النساء اخيرا، واصبحن جزءا منه …. وفي سير المعاملات التجارية تظهر تعقيدات تضع البعض في خانات الصفر ما بين الانتظار والخروج من السوق يجد البعض انفسهم بين ليلة وضحاها خلف القضبان تحت سيطرة شبح «البقاء حتى السداد» المادة التي يقف غالبية المحكومين بها بسبب الشيكات وان كانت تضم اصنافا اخرى الا انهم اقل عددا من محبوسي الشيكات الذي تجاوز عددهم الـ «4000» سجين ، وفق احصائيات الداخلية للعام السابق فان «1478» سجينا من جملة «5749» سجينا محبوسون حتى السداد.
وضمن التعديلات القانونية التي طالت «68» تعديلا على القانون الجنائي في مرحلة العرض الثاني جاءت ابرز التعديلات الواردة في القانون، إمكانية رهن العقارات كضمان من قبل اصحاب الشيكات المرتدة. حين اعتبر الكثيرون ان الاتجاه القانوني إلى حل قضايا الشيكات بواسطة الرهن يمثل خطوة لتذليل بعض العسر على الكثير من المسجونين والضمانة برهن او حجز عقار منقول او ثابت خطوة لتقليل عدد المسجونين بسبب الشيك المراد خاصة وان ليس كل من وقع شيكا مرتدا كان في نيته عدم السداد الا ان البعض اعتبر ذلك مدخلا جديدا للاحتيال.

تجريم الشيك المرتد:
المدينون المحبوسون إلى حين السداد تزايدت اعدادهم تزايدا مقلقا وأغلب هذه الحالات متعلقة بالتمويل المصرفي ولذلك نرى أن المشكلة ليست في القانون وإنما في إصلاح سياسات التمويل المصرفي. والشيك وثيقة واداة ضمان لا بد ان يقابله رصيد فان انعدمت الثقة في الشيك قل التعامل به ما يؤثر على الاقتصاد ومصداقيته وفقدان مصداقية الشيك يعني حصر التعامل بالنقد الا ان الاحصائيات اوضحت ان المحبوسين ضمن جرائم الشيكات حوالى «4000 » محبوس في حين ان المتعاملين بالشيكات تجاوزوا ال «3» ملايين شخص.

الضغط على مرافق السجون :
يقول فريق شرطة حقوقي ابو عبيدة سليمان عوض الكريم في حديثه عن الآثار النفسية والاجتماعية للنزلاء ان مسئولية كبيرة تقع على عاتق الدولة في رعايتها للسجون حيث ان زيادة عدد النزلاء يحتم عليها زيادة رعايتهم في النواحي المادية والاجتماعية والنفسية والمهنية ، ونزلاء جرائم الحق الخاص القوا اعباء اضافية على ادارات السجون ما زاد من صرف الاموال العامة ، وان زيادة اعداد النزلاء خلق عبئا في البرامج الاصلاحية والترحيل خاصة مع كثرة حركتهم للمحاكم لمتابعة قضاياهم وعمليات ترحيلهم إلى المستشفيات خاصة وان غالبيتهم مصابون بالسكري والضغط والقلب والكلى، اضف لذلك فان الاعداد المتزايدة للنزلاء اثرت بصورة واضحة على مرافق السجن المختلفة.
ويفصل قائلا ان منسوبي مجموعة يبقى حتى السداد تضم اصحاب قضايا «الشيكات، الديات، النفقات الشرعية، ديون الايجارات، جرائم الاذى والجروح، السرقة، جرائم اخرى»، وان اكثر من «5749» نزيلا في سجن الهدى، منهم «1478» نزيلا فقط محكومين في قضايا الحق الخاص يتجاوز عددهم نسبة ال 25 % من جملة المحكومين للعام 2015م بحسب احصائية وزارة الداخلية وزادت اعدادهم بصورة مضطردة مقارنة بالاعوام السابقة لذلك الاحصاء والذي ابان ان جملة نزلاء العام 2014 م كان «1297» نزيلا ، في حين ان عدد نزلاء جرائم الشيكات فقط المحكومين بالمادة «179» من القانون الجنائي 1991م بلغ «425» نزيلا، ومحكومي الديات بالمادتين «130ـ131» من قانون الجنائي 1991م بلغ «104» نزيل لذات العام.

اكتظاظ السجون :
وقال فريق شرطة حقوقي ابو عبيدة سليمان ان قانون تنظيم السجون المادة «5» ولائحة السجون المادة «7،6» افردت المعاملات التجارية المتشابكة والمعقدة عن وجود فئة خاصة من النزلاء ضمن الغارمين وهذه الفئة لم تكن موجودة من قبل وهم نزلاء الحق الخاص بمختلف احكامهم وموادهم وهم النزلاء المحكومون في قضايا مدنية تستوجب بقاءهم بالسجن لحين السداد واضاف ان هذه العقوبة تصنف ضمن العقوبات السالبة للحرية التي لا امد لها الا بسداد المديونية المترتبة على البقاء لحين السداد، واشار إلى ان هذه الفئة من النزلاء ازداد عددهم في الفترة الاخيرة واصبحوا يمثلون نسبة لا يستهان بها داخل السجون ما اثر ذلك في زيادة اكتظاظ السجون بالنزلاء.

تصنيف النزلاء قوانين ولوائح:
في حديثه عن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية يقول فريق شرطة حقوقي ابو عبيدة سليمان ان قضية الشيكات والحق المدني من القضايا التي ساهمت في تغييرات اقتصادية واجتماعية جعلت السجون والحراسات تضيق على جنباتها بمحكومي الشيكات والحق المدني وفقا لاحكام المادة « 243 » من قانون الاجراءات المدنية التي تحبس لحين السداد وهي المادة التي تشغل بال القانونيين والاجتماعيين ، وهي مادة تشمل كل الحالات والاحكام في قضايا الديون وسداد الاموال ، توجب على المحكمة القبض على المدين وحبسه حتى السداد. وفي هذا الاطار يتم تصنيف النزلاء على طوائف مختلفة إعمالا لاحكام المادة 2/10 من القانون القومي لتنظيم السجون ومعاملة النزلاء لسنة 2010م مقرونة مع المادة « 5 » من لائحة تنظيم العمل لسنة 2013م والتي تنص على تصنيف النزلاء إلى فئات حسب الجنس والسجن والمستوى التعليمي والثقافي ومدة العقوبة ونوع الجريمة وعدد السوابق والحالة الصحية وذلك لتحقيق التأهيل الاجتماعي والمهني فالتصنيف عملية حتمية لتحديد نوع ومستوى النظام الذي يتطلبه النزيل.

التشريع وحفظ الحقوق :
عضو لجنة التشريع والعدل بالبرلمان مولانا الفاضل حاج سليمان قطع بأن القصد من التشريع هو حفظ الحقوق وان المادة « 243 » تتعلق بتنفيذ استرداد الدائن للمدين، وهنا لا بد من إيجاد ضامن مقتدر وكفء، وهذه بدائل وبالطبع لا يتم قبول اي شخص كضامن، والحبس لا يجدي وعدم جدواه واضحة، واطلاق سراح المدين يساعد على الإيفاء، وقال الفاضل إن الوضع بالحبس لحين السداد غير قانوني، فالمادة «226» من الاجراءات المدنية تقول إذا حبس طبقاً لنص المادة «142، أو 225» لا يطلق سراحه إلا إذا دفع المبلغ المحكوم به.
وصف النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر بان التعديلات المقترحة في القوانين تمثل نكسة حقوقية و لا تتماشى مع مخرجات الحوار الوطني كونها تزيد من قبضة الدولة.

اطلاق سراح المعسر واعادة حبس من تيسر عسره:
وبالنظر إلى قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م نجد بان المادة «243» من القانون نصت في الفقرة 1- مع مراعاة أحكام المادة «244 »من ذات القانون دون المساس بأي طريقة أو بأخرى بتنفيذ الأحكام متى كان الحكم متعلقا بالوفاء بدين أو بسداد مال، فيجب القبض على المدين وحبسه إلا إذا كانت المحكمة قضت بغير ذلك عند النطق بالحكم، والفقرة 2- نصت على انه إذا كان المدين شخصية اعتبارية تحبس المحكمة الشخص المنوط به سداد الدين أو الأمر بالوفاء به، ونصت الفقرة 1- من المادة «244» من القانون نفسه على تطبيق نص المادة «160» في حالة حبس المدين وفاء للحكم، أو المادة« 243» من نص القانون لا يطلق سراحه إلا في الفقرات أ- دفع مبلغ المحكوم به ، ج- إذا تنازل المحكوم له، د- إذا ثبت إعسار المدين، أما الفقرة 2- من المادة« 243 »أشارت الى قبض المدين بعد اطلاق سراحه بعد سنوات إذا ثبتت قدرته على الوفاء بالحكم.
وفي ذلك تقول المحامي هنادي عثمان في حديثها «للصحافة» ان قانون الاجراءات المدنية للعام 1983م اجاز حبس المدين القادر علي الوفاء بالدين وفقا لما ورد في الفقرة 242 من القانون انه متى ماثبت إعسار المدين يطلق سراحه، على أن يتم القبض عليه متى ما أحس الدائن بقدرة المدين على الوفاء، ، لان اطلاق سراحه لا يعني سقوط الدين المحكوم به الا انها استدركت بالقول ان البعض يتخذ من هذه الفقرة ثغرة حيث يهرب المدين أمواله ليظهر أنه معدم، وهذا دافع ويعمل على استقرار المعاملات، واضافت ان المادة «179» من القانون الجنائي للعام 1991م شددت على القبض على المتهم، وعدم اطلاق سراحه إلا بعد إيداع مبلغ مالي يعادل فيه الدعوى الجنائية.

مع وقف التنفيذ :
وتمضي هنادي بالقول انه في القضايا المدنية نجد بان المحكوم عليه بسداد دين لا يتم القبض عليه بمجرد صدور الحكم بل يظل حرا طليقا بعد صدور الحكم لفترة من الزمن إلى حين أن يقوم المحكوم له برفع دعوى بتنفيذ الحكم وإعلان المدين بذلك وبعد فتح دعوى التنفيذ لا تلجأ المحكمة الى حبس المدين ابتداء بل تقوم بالحجز على أمواله الظاهرة مثل حساباته البنكية وسياراته وعقاراته إن وجدت وذلك في حدود المبلغ المحكوم به. ولا تلجأ المحكمة إلى القبض على المحكوم عليه وحبسه إلا إذا ماطل في السداد ولم تكن له أموال ظاهرة للحجز عليها، وفي هذه الحالة يحبس إلى حين السداد ولكن إذا أثبت في أي وقت أنه معسر بأدلة كافية فيجب على القاضي إطلاق سراحه.
كما يحق للمدين طلب مهلة مناسبة للسداد ، او التسديد بواسطة تقسيط المبلغ المحكوم به وفقا لما ورد في المادة «292» من قانون الاجراءات المدنية لسنة 1983م ، 1- « يجوز للمحكمة المنفذة بناء على طلب المحكوم عليه وبموافقة المحكوم له ان تأمر بدفع المبلغ المحكوم به على أقساط كما يجوز لها ان تشترط اية شروط تراها مناسبة ، اما اذا فشل في تسديد الاقساط فقد اقرت الفقرة 2- بمعالجة ذلك حين نصت علي انه «إذا فشل المحكوم عليه في تنفيذ الأمر فعلى المحكمة ان تلغي امر الدفع بالأقساط».

حقوق الدائن :
وفي ذلك يقول الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي ان تطبيق اعتماد الشيك كأداة ضمان وتسديد على مدى سنوات طويلة كيف السوق أوضاعه على هذا وفي مثل هذه الحالة السائدة التي يتعذر معها وجود مبالغ من المال تدفع فورا للتعامل التجاري، فإن الغاء النظام يؤدي الى تعطيل الكثير من المعاملات والنظر في اي بديل آخر في شكل ضامن يخلق المشاكل ولن يحل الخلاف وسيتم حبس الضامن بدلا عن المضمون في البقاء لحين السداد، وتصبح العملية من تغيير شخص لآخر دون فائدة، واستمرار الوضع كما هو عليه يضمن استقرارا واستمرار المعاملات، واي تدخل في هذا الخط دون إيجاد بديل قوي يضمن حقوق الدائنين يضر بالاقتصاد الى درجة كبيرة، ويؤثر على انسياب السلع وحركة التجارة ويعمل على اخراج الكثير من المتعاملين عن السوق، ويصيب الفساد الحركة التجارية وبالتالي يحدث انكماش للاقتصاد.

الصحافة.