الطيب مصطفى

الإعلام المصري بين السفهاء والمُنصفين


صحيح أن سفهاء الإعلام المصري الذين هاجوا وماجوا غضباً من زيارة أسد الأمة أردوغان رئيس دولة تركيا الحديثة التي تبوّأت خلال السنوات العشر الماضية مكاناً علياً بين أكبر اقتصادات العالم بل والتي تجاوزت اقتصادات الدول الثلاث الكبرى مجتمعة في الشرق الأوسط، وأعني بها السعودية وإيران والإمارات.. صحيح أنهم غضبوا هذه المرة كما ظلوا يفعلون كلما نزل خير بالسودان أو كلما اتخذ السودان قراراً لا يتسق مع السياسة المصرية مثل موقفه الإيجابي من سد النهضة الذي أغضب حكومة مصر أو علاقته الطيبة مع قطر، ثم زيارة الشيخة موزا والدة الشيخ تميم أمير قطر لبعض الآثار السودانية وتعهّدها بدعم السياحة سيما بعد اكتشافات حضارة كرمة التي أثبت بها عالم الآثار السويسري الشهير شارلس بانيه أنها أقدم وأعرق حضارة إنسانية.. كل ذلك صحيح، لكن الحق والحقيقة ينبغي أن تجعلنا أكثر موضوعية لنقول إن بعض الإعلاميين المصريين على قلّتهم يتمتّعون بكثير من المصداقية والإنصاف.

نعم، إن سفهاء الإعلام المصري يرفضون تقبُّل أن السودان دولة ذات سيادة يحق لها أن تفعل ما تشاء بعيدًا عن الوصاية التي كانت الأنظمة المصرية تفرضها على الحكومات السودانية، ولكن على النقيض من ذلك تجد بعض العقلاء يخرجون على ما تهرف به تلك القطعان الضالة من السطحيين الذين يجهلون مقدار الآثار المدمرة لحملاتهم المسعورة على الشعب السوداني.

من الكُتّاب المصريين المنصفين الأستاذ جمال سلطان الذي أتحفنا بالمقال التالي:

أردوغان في السودان

الاحتفالات الصاخبة، شعبياً ورسميا، التي صاحبت وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى هناك كانت لافتة ومثيرة، كما كان الاستقبال الذي حظي به الزعيم التركي في البرلمان السوداني، وصيحات التكبير والتهليل، تؤشر إلى أن أردوغان وصل إلى قلوب مفتوحة له قبل أن تُفتح له أراضيها ومؤسساتها .

أردوغان في كلمته، وتصريحاته، كان ذكياً عندما ربط التاريخ بالحاضر، ليس كسلطنة وخلافة، وإنما كرباط أخوي بين الشعبين المسلمين، التركي والسوداني، وعندما ذهب إلى جزيرة “سواكن” التاريخية على البحر الأحمر، لم يستحضر أنها كانت مرفأ عسكرياً للقوات العثمانية، وإنما تحدّث عنها كمعبر تاريخي للمعتمرين والحجاج إلى ميناء جدة المقابل على ساحل المملكة العربية السعودية، وأن المستثمرين الأتراك سيعيدون لها مجدها الديني كمعبر للعمرة بتقنيات حديثة، كما تحدث بشيء من العفوية عن أنه يشعر أنه في اسطنبول وليس في الخرطوم، من فرط الحفاوة وروح الأخوة التي ظلّلت لقاءاته .

أردوغان في رحلته إلى السودان اصطحب معه مائتين من رجال الأعمال الأتراك في مختلف المجالات، صناعية وزراعية وسياحية وتجارية، وكثيراً ما يفعل ذلك في سفراته الخارجية، لأنه يفتح لرجال الأعمال الأتراك ـ أبناء بلده ـ أسواقاً جديدة، ويساعدهم على الانتشار ويدعم استثماراتهم بعلاقاته السياسية، ويصنع لهم من حضوره جسراً إنسانياً واقتصادياً وسياسياً يساعدهم ويفتح لهم القلوب والأسواق معاً، لذلك يفوز أردوغان منذ خمسة عشر عاماً بأي انتخابات يخوضها، في مجالس بلدية أو برلمانية أو رئاسية، إنه يقول لشعبه بصفة دائمة: أنا جئت لكي أخدمكم، دوري هو أن أخدمكم، وكان أميناً في كلامه، وصدقه سلوكه وفعله .

زيارة أردوغان للسودان انتهت إلى شراكة استراتيجية بالغة الأهمية، ومتشعّبة، فهي شراكة في مجال الاستثمار الزراعي الضخم، حيث هناك مشروع يقضي بأن يتولى الأتراك زراعة مليون فدان محاصيل متنوعة، وشراكة صناعية في أكثر من مجال منها مجالات صيانة السفن الحربية إضافة إلى تأسيس مصانع تركية في مجالات متنوعة، وشراكة سياحية، حيث تعهّد بتطوير وتحديث جزيرة سواكن وجعلها قبلة سياحية عالمية، كما كانت هناك شراكة عسكرية حيث اتفق الطرفان على تأسيس ميناء عسكري تركي سوداني على البحر الأحمر .

هذا الذي فعله أردوغان كان من المفترض بداهة أن يفعله الرئيس المصري، فالسودان جزء من مصر، تاريخياً وجغرافياً وشعبياً ولغة وثقافة وميراثاً مشتركاً، شعب واحد في جوهره، كان المفترض أن تكون تلك الشراكة الاستراتيجية هي مشروع مصر، وليس مشروع تركيا، وكان يفترض أن تكون السودان هي بوابة مصر الاقتصادية على أفريقيا وليس بوابة تركيا، ولكن مصر ـ في زمن التقزم وغياب الرؤية وعقم الفكر الاستراتيجي ـ انشغلت بسباب البشير وسباب السودان والتحرّش بالجار الشقيق والاستفزاز والعنجهية التي يحسنها إعلام فاشل وجاهل وفاسد ومفسد، والتراشق بالاتهامات والتهديدات على خلفية قضية حلايب وشلاتين والاستعلاء البغيض في الموقف من المسألة الليبية رغم أنها تخص السودان بقدر ما تخص مصر، عسكرياً وأمنياً على الأقل، وإبداء الإدارة المصرية حفاوة واهتماماً بجنوب السودان على حساب العلاقة التاريخية بالخرطوم أو نكاية فيها، وتجاهل الرئيس المصري زيارة الخرطوم أو دعوة الرئيس السوداني على برنامج عمل وشراكة شاملة، فلم يحدث سوى زيارة قصيرة وخاطفة لها طابع بروتوكولي، وكل ذلك مما صنع مرارات في النفوس وجعل الأبواب شبه مسدودة بين البلدين الجارين والشقيقين .

لن يفيد أن توجّه الأجهزة “إياها” أدواتها الإعلامية لشتيمة أردوغان أو عمر البشير، بعدما جرى أمس، وهو ما ظهرت بداياته في أكثر من منبر صحفي وإعلامي موالٍ، فالأمر على نحو ما كانت العرب قديماً تقول في تندّرها: “أوسعتهم شتماً وراحوا بالإبل”، فهناك “حزام” سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي تركي يتشكّل في السودان الآن، ويعزل مصر عن أفريقيا، وستزداد تلك العزلة مع نجاح تركيا في الانطلاق من البوابة السودانية إلى وسط أفريقيا، وهنيئاً لنا بالهتافات والشعارات والأماني، وتحيا مصر .

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫4 تعليقات

  1. كلام الاستاذ جمال سلطان عين الحقيقة ولكن يقوله لانه في المعارضة ولو كان في السلطة لكان له كلام ورأي آخر

  2. الكاتب جمال قال ما فعله اردغان كان يجب أن يفعله الرئيس المصرى
    وهل قد فات عليه ان الرئيس المصرى لا يملك شئ يقدمه فى السودان
    فلا مقارنة بين تركيا ومصر الاحتلال اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وثقافيا
    تركيا فى مصاف الدول العظمى بعكس مصر الاحتلال التى لا يخفى حالها على احد
    مصر الاحتلال التى تروى زرعها من الصرف الصحى فهل هناك تخلف اكثر من هذا؟
    مصر ملهية بنفسها ولا تعرف غير مكان الهبات والمنح الجاهزة
    اما ان تستثمر بالسودان فهى دون ذلك بكثير

  3. الكاتب المصري وقع في خطأ بذكره ان السودان جزء من مصر!!!!!!كيف راحت عليكم دي

  4. اذا عدنا للتاريخ بين مصر والسودان والأراضي والآثار المختلفين عليها انها في حقيقة الأمر هي أراضي وآثار نوبية وتابعين للملكة النوبية . لا سودانية ولا مصرية انها نوبية نوبية نوبية .