حوارات ولقاءات

البرلماني والمستورد الشهير علي أبرسي : لن نقاوم الدولة.. ولكن لا نستطيع تحمل الدولار الجمركي!!


الحوار مع النائب البرلماني عن حزب المؤتمر الوطني والمستورد المعروف (علي أبرسي)، يأخذ طابعا خاصا، لجهة أن الرجل شخصية شهيرة بجرأتها في طرح آرائها السياسية أو الاقتصادية، كما أنه مدرك بحكم نشاطه التجاري لأحوال السوق وخباياه في البلاد.
في المقابلة التالية، يتحدث أبرسي عن (أسطوانة الغاز) الذي يُعد هو أحد العاملين الكبار في استيرادها من الخارج، ويكشف عن تحديات تواجه هذا القطاع إذا لم تقم الحكومة باتخاذ إجراءات شجاعة وفورية على شاكلة السماح للقطاع الخاص بإدارة هذه السلعة الحيوية، متناقضا في ذلك مع رغبة المواطنين الذين يخشون من (جشع التجار)، أو إحداث الندرة في السلع الاستهلاكية، إذا أتيحت لهم بالكامل، وذلك وسط انقسام بين المعنيين بأمور الاقتصاد حول خروج الدولة بالكامل مع السوق أو الإبقاء على دورها، ولكن في حدود الخدمات الأساسية للمواطنين على أساس أن البلاد لا تزال نامية، وغالبية المواطنين تحت خط الفقر.
وفي شأن آخر، ينتقد أبرسي الدعوة السائدة بضرورة حل الطاقم الاقتصادي نتيجة فشله في معالجة الأزمات الحالية، ويسأل: من أين لنا بأسماء جديدة؟ فكل المشتغلين في هذا المجال مسؤولون عن السياسات الحالية، ويرى أن الحل في خفض المنصرفات على الدستوريين وتحويلها لمشاريع التنمية، وينادي بتشكيل حكومة عسكرية، ويعتقد أن لا حاجة للبلاد إلى مجالس تشريعية محلية. ويقول: “مائة نائب برلماني تكفي”.
وتاليا نص الحوار:
# بصفتك اقتصاديا وبرلمانيا.. ما الذي يدور في ذهنك الآن؟
حال البلد، والدولار الذي يمضي كل يوم مرتفع حتى كادت جميع المحال التجارية أن تكون خالية من المشترين، لا توجد قوة شرائية، العملة الوطنية تمضي في انخفاض، هذه المسألة أكبر بكثير من أن يتفرج عليها الناس دون إيجاد حلول لها، فهذه المسائل تتطلب حلولا كبيرة، معيشة الناس تزداد صعوبة كل يوم، رغم أن الحكومة تتحدث عن قفة الملاح، لكن كثيرا من المستوردين رفضوا تخليص بضائعهم بعد ارتفاع سعر الدولار الجمركي إلى (18) جنيها، ليس بهدف رغبة منهم في مقاومة الدولة، ولكن المبلغ كبير جدا بالنسبة لهم ولا يملكونه، في وقت أوقفت الحكومة التجارة الداخلية حتى صارت مواردنا مقفلة، وبعض المستوردين تورطوا باستيراد كمية كبيرة من البضاعة، لايملكون سيولة بينما صار سعر الدولار الجمركي (18) جنيها، أعتقد يجب على الحكومة عندما تتخذ قرارات صعبة وحلولا فورية، كذلك إيقاف التجارة الداخلية ومنع البنوك من تمويلها، هذا الأمر يؤثر في الضرائب، لجهة أن الصرائب تجيء من دخول الناس وقد توقفت دخول الناس، وتوقفت التجارة الداخلية، لجهة أن تمويلها يشترك فيه مجموعة من الناس، على سليل المثال “التاجر الذي يأخذ القرض من أجل التجارة الداخلية والعاملين معه والعمال”، هذه كلها وغيرها وقفت، والمتضرر الأكبر الدولة نفسها، في هذه الميزانية الايرادات تتضمن عجزا بـ (27) ملياراً، ونحتاج نفس الحجم كإيرادات إضافية، من أين ستأتي هذه الايرادات والحكومة أوقفت استيراد (19) سلعة؟ كما أوقفت التجارة الداخلية والعاملين في العملة، والسؤال: هل توقف العاملين في العملة؟ اليوم سعر الدولار (35) ألفا، ما يعني أنهم لا يزالون يعملون.
# لكن هناك ضوابط حكومية لحفظ الاستقرار؟
– رغم وضع ضوابط لشراء العملة من بينها المحاكمات التي تتراوح بين (3 إلى 10) سنوات، لكن هذه السياسات لم تقدم ولم تؤخر، بل أضرت ولم تنفع وفشلت ولم تنجح، والدليل على ذلك أن وصل الدولار إلى (35) جنيها رغم أن الحكومة عملت كل هذه (الكركبة) وعملت الإجراءات عندما بلغ (27) جنيها، هل توجد عملة تنهار بهذا الشكل؟ في تقديري كان يجب أن يترك الدولار يصعد دون تدخل حتى يتوقف، ويعجز المضاربون أو المشترون أو الراغبون في شراء الدولار.
# المضاربون في العملة لن يتوقفوا أبدا ما دام ذات جدوى وأرباح؟
– في النهاية لا يستطيعون أن يتغلبوا على الدولة التي تطبع العملة، ربما من الأفضل أن تترك هؤلاء، إذ لا بد لصعود الدولار أن يتوقف في مكان ما، أما إن يتوقف في (50)، أو في (40) أو يتجاوزها، بالتأكيد سوف تكون المعيشة عندئذ مستحيلة وهنا تدخل الدولة وتدعم العملة، فقد كان الجنيه قبل الإجراءات الأخيرة “بجيب البنزين والجازولين والغاز والقمح وكل الاعتمادات الباقية من استخدامات الدولار من السفر والعملة والحج واحتياجات الطلبة والعلاج”، وبالوقت جميعها توقفت والمتضرر المواطن والدولة، إذن هذه السياسة يجب تغييرها اقتداء بسيدنا عمر رض الله عنه، الذي قال: “إن قضى قضاء في الصباح واستبان منه خطأ وقت المغرب، تراجع عنه”، ما دام أن هذه السياسة ارتفعت بالدولار بشكل كبير ولم تخفض المعيشة، ولم تعد بالإيرادات، ولم تقنع المغتربين بالتوريد في خزانة الدولة، غير أن الأدهى وأمر من كل ذلك أن بنك السودان سمح للمغتربين بتوريد مبالغهم بالعملة التي يريدونها، أن تورد ثم تأخذ العملة التي وردتها بنفس العملة سواء أكانت بالريال أو الين أو الدرهم.. الخ، فكيف تسمح للمغتربين الذين يمثلون أساس القضية وترغب في أن يقوموا في التوريد إليك كبديل عن المضاربين أن تسمح لهم باسترداد المبالغ بنفس العملة، كيف تفسر هذه السياسة وهذه الطريقة وأنت تمنعها وتسمح بها في ذات الوقت، بينما تبقى القانون سيفا مسلطا قائم وموجود والإجراءات الصارمة قائمة بمنع التعامل في الدولار، لماذا لا تمنح المغتربين المبالغ بالجنيه بقيمة الـ (35)، لكي لا يأخذ هذه المبالغ ويقوم ببيعها خارج البنك ويعرض نفسه للمساءلة القانونية، لجهة أن القانون يمنع ذلك.
# هل تأثر قطاع الغاز بالإجراءات الجديدة؟
– الغاز مثله مثل أي سلعة أخرى يتم التعامل فيها بالجنيه السوداني، فقد كانت المؤسسة العامة للبترول تطرح عطاءات بالجنيه، بعد أن تصل الباخرة يتم ضرب سعر الدولار في الجنيه، ومن ثم (تمشي تدبر حالك)، أما الآن بموجب الإجراءات الجديدة، فقد منع التعامل والاستيراد بالجنيه السوداني، وقاموا بتغيير الفواتير بالدولار، والآن (50) يوما لم يدفع لنا بنك السودان المبالغ بالدولار، ولم يرد على مطالباتنا كما لم يسمحوا للمؤسسة العامة للبترول أن تدفع بالجنيه، وقد كتبنا خطابات لكل المسؤولين، (ولا حياة لمن تنادي).
# أنت تعني الإجراءات بخلاف رفع سعر الدولار للجمارك؟
– نعم.. نحن نستورد ونسلم الغاز للحكومة (المؤسسة العامة للبترول)، ومن بعد يقومون هم ببيعه للشركات ثانيا بالسعر المدعوم، فالغاز مدعوم دعما كبيرا جدا، نحن نسلمهم الغاز في بورتسودان، وهم يقومون بتوزيعه على طريقتهم، ويضعون السعر المطلوب ويعلنون عن السعر المطلوب، ثم نبيعه لهم بالسعر الذي يحددونه، فنحن نستورد نيابة عنهم بعطاءات.
# أين المشكلة إذن؟
– تتمثل في أننا – مستوردون للغاز- كنا في الماضي نقبل أن يمنحونا بالجنيه السوداني عندما نستورد الغاز، ونضعه لهم بمستودعاتهم، حيث يمنحونا بسعر اليوم بالجنيه السوداني، وتم منع هذا الأمر والتزموا بالدفع بالدولار، منحناهم فواتير بالدولار فلم يقوموا بالدفع حتى اليوم، هذه المبالغ التي يفترض أن تدفعها المالية والمؤسسة العامة للبترول وبنك السودان نيابة عن المالية، ولكنهم لم يدفعوا بالدولار ولا حتى بالسوداني.
# ما أسباب هذا العجز في تقديركم؟
– مشكلتهم أنهم لا يملكون دولارات ولايرغبون أن يدفعوا لنا بالجنيه السوداني، (هذا الجنيه نحن قبلانين بيهو)، لكنهم يرفضون سداده، فيصبح من باب أولى لا أن يسمحوا للشركات التعامل بالجنيه السوداني، الأمر الآخر.. على الرغم (من الزعم) بأن تتوقف شركات الحكومة عن الشراء، وأن يقتصر الشراء على شركات القطاع الخاص لكنهم عطلوا القطاع الخاص وتركوا شركات الحكومة تعمل، الآن شركة النيل الحكومية تعمل، بينما نحن جميعا شركات القطاع الخاص العاملة في محال الغاز (قاعدين مطبقين يدينا ونتفرج) بسبب مشكلة عدم الدفع.
# منذ متى يحدث ذلك؟
– منذ (50) يوما ما عدا ما تمنحه لنا المؤسسة العامة للبترول أحيانا عندما تأتي باخرة أو يكون لديهم إنتاج في المصفى يعطونا (شوية شوية)، وهذا الوضع من شأنه أن يؤثر في الأسعار طبعا لعدم وجود وفرة كاملة، وقد ذكر وزير الدولة بالنفط أن المخازن ممتلئة.. نحن نريد أن نرى متى ستوزع محتويات هذه المخازن الممتلئة!!
# إذن، أنت تتوقع زيادات مرتقبة في سلعة الغاز؟
– إذا استمر عدم تفاعل القطاع الخاص للاستيراد وعدم دفع النقود.. أتوقع أن يتم الإحجام عن الاستيراد وتقل الكمية المطلوبة بالتالي، في الأصل لماذا رفعت أسعار الغاز بهذا القدر؟ هل يمكن أن يتحمل السودانيون؟ وهل هناك مبرر كاف لهذه الزيادات التي تمت حتى الآن؟
# الناس يشكون من أسعار الغاز؟
تحرك السعر فعلا، لكن الارتفاع الآن ليس بالمستوى الكبير، ولم تصل إلى مرحلة الصعوبة، ولكن إذا لم تدركه الدولة، ولم تسمح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز.. لابد أن يرتفع السعر.. واحتكاره بواسطة الحكومة يرفع سعره بالتأكيد.
# مع تردد المطالبات بتغيير الطاقم الاقتصادي هل تعتقد أن هذا حل؟
– من أين سيأتون بطاقم جديد؟ الطاقم خارج السلطة وداخلها هم من قاموا بوضع هذه السياسات، وتناقشوا فيها عبر اجتماعاتهم، ولديهم قطاع اقتصادي ولجان اقتصادية تناقشوا وقرروا ذلك.. ويجدر ذكره هنا أنهم عندما أودعوا لنا في المجلس مرسوم الطوارئ بشمال كردفان وكسلا، كنت أعتقد أن تفرض الطوارئ في السودان كله وتعطيل الحكم المحلي وتقليص الحكم الولائي والمركزي، وحل المجالس التشريعية، حتى لو كان التخفيض ليس بالشكل الكبير، ولكنه سيرضي الناس (الناس شعورهم بكون طيب)، لأن هذا الجيش الكبير من المسؤولين سيخفض، ثم ماذا سيفعل هؤلاء؟ فقد حل الرئيس البشير مجلس تشريعي الجزيرة، هل نقص شعب الجزيرة في شيء؟ فلو حلوا الآن مجلس تشريعي الخرطوم، هل ستتلخبط الحياة وتتوقف الحركة؟ (والله ولا بحسوا بيه)، فهذه المجالس بدون (شغلة)، والإدارة الأهلية أفضل من هذا الحكم المحلي بمليون مرة، وإذا ما حلت هذه الجهات وعادت الإدارة الأهلية كبديل، وقلصنا هذا العدد الموجود، ووجهناه للتنمية.. والله العظيم نصف هذه الميزانيات المخصصة للولايات وتوجه للفصل الأول ولغيره.. إذا وجهت للتنمية تغير شكل السودان، هذه دولة فقيرة وتعاني من مشكلة، لماذا يتم عمل ثلاثة نظم حكم لها؟ وقد طالبت من قبل بمجلس عسكري لإدارة البلاد يقوم باختيار حكومة رشيقة يسير بها البلاد إلى حين أن تخرج من(الحفرة) التي نقبع فيها، هذا كله لم يفعلوه والحال لم يتغير، وكذلك الصرف والدولار والسلع ترتفع.
# هل مازالت تطالب بمجلس حكم عسكري؟
– نعم.. مجلس عسكري بإدارة الشرطة (الرئيس ونوابه فقط) ثم يختار مجلس وزراء رشيق، ولكن هذه المسميات حكومة وفاق والحكومة القومية وحكومة المؤتمر الوطني ليست ذات جدوى، فيما يكفي للمجلس الوطني (100) عضو يختموا على القوانين ويجيزوها.. ثم هل من الضروري أن يشارك كل الشعب في السلطة، سواء في المجلس التشريعي أو البرلمان أو مجلس الولايات؟
# هذا المقترح سيوقف القروض والدعم من الخارج؟
– لا البنك الدولي ولا صندوق النقد ولا أي جهة تتعامل معنا، حتى المنظمات العربية التي يفترض أن تراعي ظروفنا وتقف معنا، يمنحون أمريكا (40) ترليونا رغم أن لدينا بالمقابل ما يمكننا من تسديد أي قرض من المعادن والزراعة والصناعة والمواشي، لكننا لا نمنح حقوق السحب ولا البنك الدولي يمنحنا شيئا ولا الصناديق السيادية ولا الأشقاء العرب رغم علاقاتنا بهم.. (بخمو وبكبو) في مصر، منحوها حاليا قرابة (60) مليارا حتى ثبتوا عملتهم ويفتتحون يوميا حاليا في المشاريع هناك، رغم أننا وقفنا مع عاصفة الحزم وضد إيران، ونمضي مع الإخوة العرب في علاقتنا على أحسن ما يكون.. بينما يمنح بنك التنمية الإسلامي الذي أسسه السودان لسدود أعالي عطبرة وستيت الكفاف (من الإيد للخشم) رغم أنه يدعم دول كالمغرب والأردن والجزائر وتونس ومصر مبالغ خيالية، ولم يقدم للقطاع الخاص في السودان تمويلا ولا مرة واحدة.. على الرغم من أننا قدمنا عشرات الميزانيات والطلبات، لكنه لم يمنح القطاع الخاص ولا دولارا واحدا.
# حملت الحكومة المستوردين جزءا من أزمة الصرف، إذ يقومون بشراء العملات الأجنبية من السوق بينما لا يشاركون بالتصدير؟
– نقوم بشراء العملات من السوق من أجل أن نستورد بها (6) مليارات.. ليس للحكومة دولار واحد من هذا المبلغ.. وكل عائدات الجمارك وما يتم دفعه من مرتبات الموظفين وغيره والزكاة ورسوم العبور للحركة التجارية جميعها من هؤلاء المستوردين الذين يشترون الدولار، التصدير منعدم أصلا، فهل يراد أن يستورد الناس بـ (2) مليار، فتصبح البلاد فاضية؟ ياخ انت مالك ومالها، مادام أنها لا تكلفك شيئا.. (6) و(7) مليارات لا تكلف الحكومة شيئا، لماذا تتدخل هنا؟ وإن تدخلت في ذلك يجب أن يكون لديك بالمقابل أموال تضخها للمستوردين أو شيء تدعم به الصادر.

اليوم التالي.