تحقيقات وتقارير

تواصل شكاوى الصاغة الذهب.. البحث عن سياسات جاذبة


برزت خلال السنوات القليلة المنصرمة إشكالية التعامل مع الذهب من عدة أطراف، وينتقد الصاغة والمصدرون السياسات الحكومية التي ينتهجها بنك السودان المركزي، وقالوا إنها تسببت في خسائر طائلة للمتعاملين بالسوق، ولسنا هنا لتأكيد ما هي هذه السياسات، بقدر ما نحاول التعرف على الآثار السالبة التي خلفتها، وإن شئنا الخوض في شأن سياسات التعامل مع الذهب فهي تتمثل في سيطرة البنك المركزي على المعدن وتحديد أسعاره دون رضا المنتجين والصاغة، وتقييد التصدير وإعادة التصدير بناء علي منشور سابق، وتبدو النقطة الإيجابية هي تنازل البنك المركزي عن حصائل الصادر التي تعادل “17% من عائدات المصدرين ومنهم صاغة الذهب، وهو ما قد ينعكس عليهم إيجاباً حيث تسمح لهم تلك النسبة بالاستفادة من هذه الموارد التي كانت تذهب للبنك المركزي بالسعر الرسمي وهو يختلف كثيراً عن سعر السوق.

ومع تعدد إشكاليات تجارة الذهب بالبلاد، وتنامي الأصوات الناقدة للسياسات التي تحكم القطاع وهي ليست جديدة بأي حال، حيث جهر بها كثير من المتعاملين بسوق الذهب من الصاغة والمصدرين، ولعل آخر معضلة جأر منها التجار بالشكوى تمثلت في “منشور السياسات رقم 16” الصادر في العام الحالي، حيث رفضه الصاغة بقوة وانتقدوا تعديل الضمان للذهب المصدر بغرض التصنيع والإعادة من شيك ضمان إلى ذهب صاف يعادل الكمية المراد تصديرها، وقالوا إن التجار بطبيعة الحال غير قادرين على الوفاء بهذا الالتزام نسبة لمحدودية رؤوس أموالهم.

وبنظرة سريعة للقطاع، نرى ثلاثة أطراف رئيسية على صلة بالقضية، يقف على رأسها بنك السودان المركزي، ثم وزارة المعادن كجهة مختصة وأخيراً تجار الذهب وغرفة الصاغة، ولكل طرف دفوعاته حول أسباب المشكلة، ليبرز هنا سؤالان حول معرفة المشكلة الأساسية وما الحلول التي يدفع ويتمسك بها كل طرف.

من جانبه تعهد البنك المركزي بالاستمرار في شراء كل منتج من الذهب وكل جرام من المعدن النفيس بأسعار مجزية كبادرة منه لحل المشكلة لأن الذهب يمثل عملة قابلة للتداول واحتياطاً عالمياً في كافة البنوك المركزية، وبرر البنك المركزي ذلك بأنه حرص على موارد البلاد وثرواتها وتشجيعاً للمعدنين للشراء عبر بعض الوكلاء بمناطق الإنتاج وغرفه المنتشرة بفروع البنك بالولايات، فضلاً عن ذلك يرى البنك المركزي أن هنالك عدة أسباب تجعله يمضي في ممارسة شراء وبيع الذهب وفقا لقانونه أهمها أن سلعة الذهب سلعة غير عادية، حيث إنه يمثل عملة قابلة للتداول. وبحسب رأيه أن الذهب مثله مثل غيره من ثروات باطن الأرض من البترول والفحم وغير التي تعمل الدولة على السيطرة عليها.

وكشف نائب الأمين العام لغرفة الصاغة، محمد الصديق عن تضرر أكثر من 75% من صاغة وتجار الذهب من قرار تعديل الضمان واشتراط وضع نفس النسبة المراد تصديرها، ووصف في حديث لـ “الصيحة” القرار بـ “الغريب” وطالب بتعديله، مشيراً لتقديمهم خطاباً للبنك المركزي وهم في انتظار الرد عليه، وطلب اجتماعاً لمناقشة الموضوع وشرح أبعاده التي وصفها بـ “الكارثية” على الصاغة، وقال إن الكثير من تجار الذهب تضرروا من الإجراء وهو ما يحتم وضع الأمور في نصابها الصحيح بتعديل منشور السياسات المعني، مشيراً لتسببه في تقليل حجم النشاط بالسوق بشكل كارثي، وقال إن التصدير “شبه واقف” حيث يعمد بعض التجار مضطرين لتصدير نصف الكميات وترك النصف الآخر كضمان، وجدد مطالبتهم للبنك المركزي بإعادة النظر في القرار وقال: “ما ممكن نضع كمية ذهب قدر المصدر”

الثابت أن حل الإشكال مرهون بتعديل سياسات تصدير الذهب، وهي القضية التي كثر حولها الجدل وأغلبه جدل منتقد للبنك المركزي، الذي كشفت إدارة السياسات فيه قبل نحو شهرين عن اتجاه لتعديل سياسات تصدير الذهب بحلول العام الجديد، وحتى ذلك الحين ما على الصاغة والتجار سوى الانتظار، أما وزارة المعادن فقد تبرأت وعلى لسان وزيرها غير مرة من أي إختصاص لها في تحديد وفرض هذه السياسات، ورمت الكرة في ملعب البنك المركزي.

وهنا يمكن اجترار قول وزير المعادن البروفيسر هاشم علي سالم بنفي مسؤولية الوزارة عن سياسات تصدير الذهب، وقال إنها مسؤولية بنك السودان المركزي، مشيرًا إلى أن دور الوزارة يقتصر على التنسيق والمتابعة ولكنها لا تضع السياسات المتعلقة بتصدير الذهب، مقراً بأن تحديد البنك المركزي لأسعار شراء أقل من سعر السوق للذهب يمثل مشكلة تستوجب التدارك ووضع أسعار مجزية لجذب المنتجين لبيع إنتاجهم للدولة والحد من التهريب، ومن نافلة القول التذكير بأن التهريب ما تنامى إلا لغياب الأسعار التشجيعية وفرق السعر العالي بين السعر الرسمي وسعر السوق.

الجدير بالذكر أن الحكومة السودانية أعلنت في مارس الماضي، عن سياسات جديدة تتعلق بعملية شراء وتصدير الذهب والسماح للقطاع الخاص بتصدير50% من الكميات التي يشتريها مع حرية التصرف في عائداتها وبيع الـ50% للبنك المركزي، وجاء هذا الإجراء الحكومي لمكافحة تهريب الذهب للخارج بعد شكاوى من الحكومة السودانية من عدم قدرتها السيطرة على هذه الأزمة.

وبموازاة ذلك وتدليلاً على تواصل الشكوك حول جدوى السياسات الحالية بشأن الذهب تبرز أحاديث شيخ الصاغة محمد مصطفى تبيدي عن خروج الصياغ من صادر الذهب وفق الضوابط الأخيرة لشراء وتصديره، وعزا ذلك لجهة أن بنك السودان يحدد سعر شراء أقل بكثير من سعر السوق، ويرى تبيدي أن سياسة شراء وتصدير الذهب الأخيرة أخرجت الصياغ من الصادر لجهة تحديد بنك السودان لسعر أقل مشيراً أن المصدر ملزم ببيع 50% للبنك المركزي ما عده تبيدي سيشكل خسارة للتاجر الذي يشتري بسعر أعلى ويبيع بسعر أقل.

وخلال الفترة السابقة لم تهدأ شكاوى الصاغة من التأثير السالب للسياسات الحكومية التي يتخذها الذهب ووصفها أكثر من متعامل بغرفة الصاغة بـ “الفاشلة” وحذروا من انعكاس تبعاتها على الاقتصاد الكلي، مبينين أن من يعملون فيها الآن هم فقط تجار العملة، وأشاروا إلى حين إعلان السياسة أكدت السلطات أن من شأنها تخفيض سعر الصرف خلال 3 أشهر وهو ما لم يحدث لجهة ما نشهده من تصاعد سعر الدولار، وحذر من تسبب سياسات شراء وتصدير الذهب في ضرر الاقتصاد الكلي.

وسبق أن اعتمد بنك السودان المركزي مطلع فبراير الماضي سياسات جديدة لشراء وتصدير الذهب بالسماح رسمياً للقطاع الخاص بشراء وتصدير الذهب الأمر الذي عزاه البعض وقتها للفارق الكبير بين كميات الذهب التي يتم تسليمها لبنك السودان وكميات الإنتاج الفعلية التي كانت أحد أسباب مراجعة سياسات الذهب أملاً منها في الحد من تهريب الذهب، سيما أنه أهم الموارد التي من شأنها توفير النقد الأجنبي للبلاد، وتوقعت أن تجذب السياسات الجديدة جزءا مقدراً من الكميات المنتجة، وكشفت عن تكوين مجلس خاص للذهب يضم كافة الجهات ذات الصلة من الوزارة والبنك المركزي بجانب الجمارك والمواصفات لمراجعة ما يمكن مراجعته في المستقبل، ويبدو عقب مرور تسعة أشهر على قرار السماح لم تفلح تلك السياسات في تحقيق اختراق يذكر.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة