مقالات متنوعة

اعتذارك ما بفيدك


بعد أن تجاوزت الزيادات المخيفة في أسعار السلع المعلنة وخاصة رغيف الخبز السقف المحدد لزيادة المرتبات المعلنة، وبينما لا زال الدولار يمارس هواية القفز على انقاض جنيهنا (المطروح أرضا) متجاوزا لكافة الاعراف والمعادلات الاقتصادية، وبينما وصلت الروح الحلقوم ولم يعد الصمت فضيلة، تقاطرت الحشود الى الشارع يومي الاربعاء والخميس والجمعة الماضيين بالعاصمة وعدد من ولايات السودان، تعبيرا عن الرفض والتمرد على كافة اشكال القمع والقهر التي مارسها النظام ممثلا في حكومة فاقدة للبوصلة، غير راشدة ولا يُرى فيها حكيم.

الفقراء من أصحاب المهن الصغيرة والهامشية، وممن هم خارج نطاق القطاعين العام والخاص، باتوا مهددين بالتشرد والجوع والمرض بعد تجاوز كافة الأسعار حدود إمكاناتهم المادية والعصبية والعقلية.

الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بهم، وهي (بيت مال المسلمين) فقدوا ثقتهم فيها وهي تهب أموالهم باعتبارهم مستحقيها لجهة يفترض فيها (التعفف) من مال المسلمين، وفاحت روائح فسادها وازكمت انوف الغاشي والماشي. لذا لم يعد ممكنا الصمت والاباء يرون ابناؤهم يتسربون من المدارس والجامعات، ولم يعد الصمت فضيلة والاباء والامهات ينظرون لفلذات اكبادهم وليس بينهم والموت سوي خطوات بسبب عدم تمكنهم من شراء جرعة دواء يمكن ان تنقذ حياتهم بعد أن اصبح المرور بجوار الصيدليات من الكبائر.

حالة السخط التي تضج بها الاسافير هذه الأيام تشير إلى الانفجار الوشيك الذي سبقته حالات من الإحتقان الحاد سيطرت علي المشهد السياسي والشعبي بالداخل والخارج، تصاحبها حملات من البوستات وال(هاشتاقات) رافضة للقرارات الاقتصادية الأخيرة ومطالبة بضرورة التغيير ورحيل النظام اليوم قبل الغد.

فوضي عارمة تشهدها البلاد عقب الارتفاع الجنوني للدولار وهي التي تسببت فيها الحكومة بسوء تقديرها، ولا زالت تبحث عن مخرج لها، مرة بتعويم الجنيه ومرة برفع الكرباج، ومرات بقذف البمنبان في اوجه المواطنين دون وضع اعتبار للشيخ ولا الطفل، المرأة او الرجل، فالكل عند الانقاذ (طابور).
حالة من الإحباط تسود جميع القطاعات وجميع فئات الشعب، ولكن الواضح جدا والماثل أمام الأعين، أن الإنفجار قادم لا محالة، فقط ينتظر لحظة الحقيقة التي لن تخطئ هدفها.

والذين يسخرون من ثوار (الكي بورد) كما يسمونهم عليهم بالرجوع للوراء وفتح صفحات التاريخ الذي لم يزور ليروا ان عدد من الثورات التي إنتظمت دول الجوار خاصة مصر مطالبة بالتغيير وتحسين الأوضاع، بدأت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وتحديدا عبر الفيس بوك، ورغم تعداد سكان مصر الذى فاق التسعين مليونا وقتها إلا أن وحدة الشعب وإلتفافه حول قضيته عجل بالخيار الحالي وقاد للتغير الذي إنتظره الشعب طويلا بغض النظر عن ما حدث بعد ذلك.

وما يجب الإنتباه له هذه الأيام مع كثرة الدعوات للحراك السلمي والسلمي فقط، وتوعية المواطنين بأهمية ان تكون القضية عبر وسائل تغيير سلمي، وابتداع اساليب جديدة ومبتكرة، ومراعاة تجنب الاشاعات المسمومة التي باتت تظهر بين سطور البعض، والتي تكون في مجملها دعوة غير مباشرة لإشاعة الفوضي في البلاد والتخريب، وتخويف البعض بالمستقبل المظلم الذي ينتظر بلادنا وتشبيهه بسوريا والعراق وليبيا واليمن.

مروجوا هذه الاشاعات والتهديدات يجب ان يتم قهرهم بالحجج فقط وليس سواها، هو أن السودان يختلف كلية عن مصر وسوريا واليمن، جغرافيا وإجتماعيا وثقافيا، والمواطن السودان يختلف عن غيره بتقديراته الإيجابية للمواقف حتي ولو جاءت متأخرة.

وفي النهاية كافة الحلول التي قدمتها الحكومة للخروج من هذه الأزمة لم تعد مقنعة، فقط ينتظر من الحكومة وقبل أن تبدأ بحزم حقائب الرحيل، أن تقدم إعتذارها للشعب السوداني (الأموات منهم والأحياء) بتجاوزهم في كافة حقوقهم الدستورية، وهضم حقوقهم الإنسانية من صحة وتعليم وغذاء وكساء وتشريد وحرية وكرامة، وبعده للشعب كل الحق في قبول او رفض هذا الاعتذار وبطريقته الخاصة.

عن نفسي وكمواطنة لي من الحقوق ما فقدته بسبب سياسات الحكومة الخرقاء، لي الحق في رفض هذا الاعتذار لانه لن يفيد في شئ.

بلا حدود – هنادي الصديق
صحيفة الجريدة