تحقيقات وتقارير

الأزمة المعيشية.. واقع جديد الجمعيات التعاونية… مطالب التفعيل تتمدد


لم يتفق الموظف الحكومي في السودان محمد صديق من رفع أسعار عدد من السلع الاستهلاكية الأساسية على وقع قرارات حكومية حتى فوجئ بزيادات جديدة طالت معظم المواد الضرورية، خلال الأسبوع الجاري، بسبب قفزة أخرى في أسعار الدولار بالسوق السوداء. وأكد صديق أن أزمات أخرى بدأت تواجهنا مثل زيادة المشروبات والإيجارات وتعرفة المواصلات ما أدى إلى تفاقم مشكلة المواصلات.

وفي نفس السياق، قال الموظف أحمد الشريف إن الدخل الشهري أصبح لا يغطي سوى جزء قليل من احتياجات الأسرة، ما دفع عدداً كبيراً من المواطنين إلى الإحجام عن ضروريات أساسية وتقليص حجم المشتريات خاصة من السكر والشاي والبن، لافتاً إلى أن رطل البن ارتفع من 40 إلى 80 جنيهاً والشاي من 60 جنيهاً إلى 85 جنيهاً مطلع الأسبوع الحالي. وأوضح الشريف أن أسرته مكونة من 6 أفراد وتحتاج إلى ما لا يقل عن 4350 جنيهاً شهرياً دون حساب إيجار المنزل.

وكان القرار الحكومي برفع سعر الدولار الجمركي من 6.8 جنيهات إلى 18 جنيهاً سبباً رئيسياً في موجة الغلاء. كما واصل سعر الدولار الارتفاع في السوق السوداء بصورة فاقت الـ30 جنيهاً، وتوقع متعاملون بسوق العملات مواصلة ارتفاعه خلال الفترة المقبلة وأرجعوا الأمر إلى زيادة الطلب وقلة المعروض منه. وكثّفت السطات المختصة حملاتها على التجار المتعاملين بالدولار في السوق السوداء فنتج عنها اختفاؤهم من وسط العاصمة الخرطوم وسط زيادة الطلب على العملة الأميركية من قبل المواطنين والمستوردين.

وطالب وزير الدولة بالمالية الأسبق عز الدين إبراهيم بمعالجات اقتصادية وليست إدارية لأزمة الدولار، داعياً إلى اتباع طرق جديدة منها إنشاء بورصة لتداول الورقة الخضراء تحدّد فيها الأسعار بدلاً من تركها للسوق السوداء. وقال إبراهيم إن كل المواطنين اتجهوا للمضاربة في الدولار نتيجة للإجراءات غير الاقتصادية التي أدت لهروب التجار من السوق للعمل في تجارة الدولار واتخاذه مخزناً للقيمة.

وقال الخبير الاقتصادي عصام عبد الوهاب بوب إن سعر الدولار مرشح للزيادة في السوق السوداء نتيجة لزيادة الطلب عليه دون وجود احتياطي نقدي كافٍ ببنك السودان المركزي، متوقعاً تخطي العملة الأميركية حاجز 50 جنيهاً مبيناً أن جزءاً كبيراً من المستوردين توقفوا عن الاستيراد بسبب نقص الدولار.

ووصف خبراء اقتصاد الوضع في الأسواق بأنه يسير نحو الكساد ما سيؤدي إلى خسائر باهظة للتجار، موضحين أن أحد مؤشرات الكساد تمثلت في شكوى لأصحاب مخابز من قلة شراء الخبز رغم وفرته بعد قرار زيادة سعر الرغيف الواحد إلى جنيه، بالإضافة إلى تراجع مبيعات السلع الغذائية التي ارتفعت أسعارها في الفترة الأخيرة. واستقبل السودانيون عامهم الجديد بزيادات في أسعار الخبز والسلع الأساسية والأدوية رغم تعهد وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بعدم فرض ضرائب جديدة في الميزانية اضطر بعدها البرلمان إلى مساءلة الوزارة بعد أسبوع من إجازتها حيث اتهم النواب الحكومة بعدم الجدية في معالجة الأوضاع الاقتصادية.

وفي هذا الإطار توقع الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان موجة غلاء جديدة إذا واصل الجنيه انهياره أمام الدولار، وقال: بالطبع سيؤدي ذلك إلى تناقص تدريجي في المبيعات، ما سينعكس على تقليل فاتورة الاستيراد. وأضاف أنه سيعم الفقر وسط المواطنين خاصة منسوبي الحكومة أصحاب الدخل المحدود، وقد تكثر الاضطرابات في ظل سوء إدارة الحكومة الاقتصادية التي سينتج عنها توالي انخفاض سعر الجنيه وغلاء السلع والخدمات.

ويرى أنه على المدى البعيد ستزداد تحويلات العاملين وترتفع الصادرات وسيتوازن ميزان التجارة الخارجية ويستقر سعر الجنيه ولا سيما بعد رفع الحظر الاقتصادي الأميركي.

وأوضح أن ما يحدث من زيادات حالياً سببه الأساس هو سياسات وزارة المالية وبنك السودان غير الرشيدة ومنها ضخ مبالغ نقدية من العملة المحلية بصورة أكبر من حاجة الاقتصاد السوداني وبالتالي كانت النتيجة المتوقعة هي انهيار قيمة الجنيه بعد اندفاع الكثير من المواطنين إلى الدولار كمخزن قيمة. وباتت السلع تسعر بالدولار وليس بالجنيه ما يزيد من أزمه الجنيه ويقلل من الودائع الادخارية في المصارف السودانية، حسب عثمان. وأضاف أنه من المؤسف أن القطاع الاقتصادي الذي عمل على ضخ غير مسؤول للجنيه عاقب المواطنين بإيقاف التمويل التجاري، ما سيؤدي إلى صعوبات لتمويل عرض السلع التي تضخمت أسعارها وبالتالي ستتفاقم أزمه المعيشة.

ويرى أن الأفضل هو تقديم سلع مدعومة عبر جمعيات تعاونية للعاملين ومواصلات رخيصة وسريعة وخدمات صحية جيدة، لأن زيادة المرتبات ستبتلعها الارتفاعات المتواصلة الناجمة عن الانهيار المتواصل للجنيه السوداني في ظل توالي الضخ غير المسؤول للجنيه السوداني بحجم أكبر من حاجة الاقتصاد السوداني.

كما تحتاج البلاد لحزمة متكاملة من السياسات المالية والنقدية والاقتصادية تخفف وطأة الغلاء الحالية وتلجم ارتفاع الدولار المتواصل أمام الجنيه وتشجع على زيادة الإنتاج وتقلل من الواردات والبحث عن موارد بديلة لتمويل الموازنة بعيداً عن الجمارك ومنها تبني سياسة محفزة للصادرات بدلاً من السياسة الحالية التي تشجع الاستيراد لتزيد إيرادات الجمارك، حسب عثمان.

ونفّذت مصانع المشروبات الغازية ومياه الصحة الأسبوع الماضي زيادات في الأسعار على كل العبوات بنسبة زيادة 40%، وعزا عضو باتحاد الغرف الصناعية ـ فضل حجب اسمه ـ الزيادات لارتفاع تكاليف الإنتاج بعد زيادة أسعار الكهرباء علاوة على ارتفاع مدخلات الإنتاج بموجب زيادة سعر الدولار الجمركي إلى 18 جنيها وزيادة سكر الصناعات بعد فرض رسوم على السكر المستورد ما أدى إلى ارتفاع الجوال إلى 1100 جنيه.

وكان الرئيس عمر البشير أصدر قرارًا بتشكيل لجنة لدراسة زيادة الأجور للقطاعين العام والخاص. وقال إن اللجنة مهمتها دراسة زيادة الأجور في ضوء الإجراءات الأخيرة وما ترتب عليها. ويبلغ الحد الأدنى للأجور 425 جنيهاً بينما بلغت تكاليف المعيشة للأسرة المكونة من أربعة أفراد 4 آلاف و121 جنيهاً تغطي نسبة 16% فقط من تكاليف المعيشة، وفقاً لدراسة رسمية سابقة أجراها المجلس الأعلى للأجور.

تقرير: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. ويرى أن الأفضل هو تقديم سلع مدعومة عبر جمعيات تعاونية للعاملين ومواصلات رخيصة وسريعة وخدمات صحية جيدة، لأن زيادة المرتبات ستبتلعها الارتفاعات المتواصلة الناجمة عن الانهيار المتواصل للجنيه السوداني في ظل توالي الضخ غير المسؤول للجنيه السوداني بحجم أكبر من حاجة الاقتصاد السودان

    أعلاه فعلا هو المطلوب أستاذ عاصم .

    نأمل من الدول أن تأخذ هذا الأمر مأخذ الجد