تحقيقات وتقارير

“جدل لا ينتهي”!! لا ينعقد مجلس إلا وكان موضوع إعادة انتخاب الرئيس لدورة جديدة حاضرا فيه..و ينتقد المراقبين عجز الساحة السياسية عن إنتاج البديل!!


يُثير احتمال ترشح الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية جديدة في انتخابات عام 2020 انقساماً في المشهد السياسي بين مؤيّد ومعارض، ففي خطوة مفاجئة، أسقط مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني توصية لمناقشة مقترح لمجالس الولايات بإعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة، بينما قال محمد عثمان كبر نائب رئيس الشورى، في تصريحات صحفية، إن مسألة إعادة ترشيح الرئيس سابق لأوانه، باعتبار أن هناك سنتين قبل انعقاد المؤتمر العام.
وتظل قضية إعادة انتخاب البشير، أمرا يتصدر العديد من التقارير الإعلامية مؤخرا، عقب تصاعد الحملات الداعية إلى إعادة ترشيحه، بينما ينتقد آخرون- بينهم قيادات في الحزب الحاكم- المهرجانات الخطابية والدعوات المستمرة المنادية بتنصيب البشير لخمس سنوات جديدة.
(1)
تصدر أحمد بلال وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة القادم من الحزب الاتحادي، مشهد الذين يؤيدون إعادة انتخاب الرئيس في 2020، بل ذهب الرجل إلى أكثر من ذلك، عندما صرح قائلا: “الدستور ليس قرآنا منزلا لأن لا يعدل”، محتملا بذلك التصريح انتقادات حادة وجهت إليه، واعتبر “ملكيا أكثر من الملك”، لكن بلال أكد أن أطرافاً عديدة في الحكومة راغبة في تعديل الدستور لترشيح البشير، ومن ثم تداعت مجموعة من الشباب حول إعادة ترشيح البشير منها مبادرة شباب حول الرئيس برئاسة الدكتور ياسر الجميعابي، إضافة إلى هيئة شباب الأحزاب السودانية، التي تضم أكثر من (25) حزبا سياسيا وحركة، ودفع هذا الزخم بأن أصبح موضوع إعادة ترشيح البشير لدورة انتخابية أخرى تحديا للساحة السياسية والمؤتمر الوطني، في ظل انتقادات بالعجز عن إنتاج بديل طيلة فترة (30) عاما، بينما يفكر أصحاب الحلول السهلة في تعديل الدستور، رغم أن الأمر قد يحتاج هذه المرة إلى موافقة (قوى الحوار الوطني) التي تشارك في حكومة الوفاق الوطني، لجهة أن مخرجات الحوار نصت على إعداد دستور دائم للسودان، تجيزه هيئة برلمانية منتخبة في عام (2020).
ويتحاشى قادة مؤسسات حزب المؤتمر الوطني الحديث عن الموضوع، فقد أكد كبر أن ترشيح البشير غير مطروح في مؤتمر الشورى، كما نوَّه رئيس مجلس الشورى القومي للحزب كبشور كوكو إلى أن موضوع تقديم مرشح لمنصب الرئيس لم يناقش، قائلا: “لكل شيء ميقات”.
(2)
بروفيسور الطيب زين العابدين الأكاديمي والمحلل السياسي، يعتقد أن البشير قد استمر في رئاسة الدولة ست دورات رئاسية وليس ثلاث دورات، كما يروج الإعلام أحيانا. وأشار في هذا الصدد إلى أن الدورة الأولى كانت كرئيس لمجلس الثورة من عام (1989-1993) وفي عام (1993) اعتمد الرئيس كرئيس للجمهورية، بعد أن حل مجلس الثورة بواسطة البرلمان المعين في العام الذي قبله (1992)، وأن الدورة الثانية استمرت منذ العام (1993-1996). وأبان زين العابدين أنه في عام (1996) نظمت انتخابات أعطت الرئيس فترة (2000-2005)، ومن ثم جاءت اتفاقية نيفاشا التي أعطت الرئيس فترة حتى عام (2010)، ومنها انتخب رئيسا حتى (2015-2020). وأوضح زين العابدين أنه إذا تمت إعادة ترشيح في انتخابات (2020) تصبح هي الدورة السابعة.
ونبّه زين العابدين إلى أن الفترات الرئاسية الستة كانت بدساتير مختلفة، منها مراسيم دستورية في بداية الإنقاذ بناء على دستور (1998-2005) ثم جاء دستور عام (2005) الانتقالي والمستمر به حتى الآن، موضحا أن هذا التسلسل لا يحدث إلا في أنظمة لا تمارس الديمقراطية.
ورأى زين العابدين أن هناك عدداً من المآخذ على هذه الفترات الرئاسية، منها انفصال دولة جنوب السودان دون تحديد حدوده، ومشاكل المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، فضلا على وصول ديون السودان على بعض الشركات الآسيوية إلى ما يقدر بـ (60 بليون دولار)، في حين لم تصرف هذه الأموال على الخدمات أو القطاع الإنتاجي (الزراعة – الصناعة).
ولاحظ زين العابدين مآخذ أخرى على هذه الفترة الرئاسية، مثل انتشار القبلية بشكل غير مسبوق، واتهامات الفساد، وتدهور الخدمة المدنية، وعجز في إنقاذ مشروع الجزيرة، وانهيار السكة حديد والخطوط الجوية السودانية.
(3)
عكس تحليلات زين العابدين، يرى كثيرون أهمية إعادة ترشيح البشير كصمام أمان لكينونة الدولة، ورغم أن الحزب الحاكم ما يزال ينأى عن هذا الأمر بصورة رسمية، لكن الحزب يعتقد بأن الحملات الداعية لترشيح البشير هي تداع عفوي، كما عبر أزهري التيجاني رئيس قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني، وهو الذي يرى في مقابلة مع (اليوم التالي) أن التداعي لترشيح الرئيس هو عفوي، ويجيء من قطاعات مختلفة وواسعة من المجتمع. وأضاف التيجاني أن ترشيح البشير أمر إيجابي للحزب، لأنه يمثل قمته القيادية.
وأوضح التجاني أن الرئيس يمثل الحزب وتجربته الطويلة. وقال إن البعض يرى أن الحزب تأخر في طرح المسألة، ولكن الحزب لديه مؤسسات لحسم هذا الأمر، وتخرج منها القرارات. وأضاف “إذا سُئلت لماذا لم يتحدث الحزب حتى الآن؟ أقول: هذا لا يعني أن الوطني ليس لديه رأي في المسألة، بل الرأي موجود، لكن مثل هذه القرارات يتبلور فيها الرأي داخل المكتب القيادي ومجلس الشورى، ويخرج أخيراً في المؤتمر العام لاتخاذ القرار النهائي بشأنه”.
(4)
على جبهة المعارضة، تعد إعادة ترشيح البشير من عدمه أمراً يخص الحزب الحاكم، فحسب محمد ضياء الدين الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي، فإن حزبه بالتضامن مع قوى الإجماع الوطني، فإن هدفهم معلن ومعني به تغيير النظام ككل، تحت شعار (إسقاط النظام)، وليس انتظار الانتخابات حتى يتم تعديل الدستور لإعادة ترشيح البشير أو خلافه.
وأضاف ضياء الدين لـ (اليوم التالي): “نحن لا نريد أن نتحدث عن بديل لأشخاص، بل نريد بديلاً لبرنامج يحقق طوحات الشعب السوداني وإيجاد بديل وطني ديمقراطي ينحاز إلى قضايا الجماهير”.
أما أبوبكر عبدالرزاق القيادي المعروف في حزب المؤتمر الشعبي، فتوقع أن يقوم حزب المؤتمر الوطني بإعادة ترشيح البشير لدورة رئاسية ثالثة. وأضاف: “لن يتجرأ أحد من حزب المؤتمر الوطني بأن يتقدم بطلب لعدم ترشيح البشير، إلا قلة قليلة”. وقال لـ (اليوم التالي) “إن تعديل الدستور ليس فيه احترام لمخرجات الحوار الوطني التي أقسموا على احترامها أمام العالم”.
(5)
قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي جمال عنقرة، لـ (اليوم التالي)، إنه مع الداعمين لإعادة ترشيح الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير لدورة رئاسية أخرى في الانتخابات المقبلة في 2020م، ولكن ليس معهم في الطريقة التي يدعون بها لذلك، ولا في الأهداف التي يزعمون أنهم ينادون بإعادة ترشيح البشير من أجلها، ويدعو عنقرة إلى ضرورة حوار جاد عميق بدلا عن الهتفات لتعديل الدستور، وأن يكون الجميع مستعدين للأخذ والعطاء إلى أن يتوصلوا إلى قناعات مقبولة تسند الدعوة أو ترفضها.
ويوضح عنقرة “أما الهدف الذي ندعو من أجله لإعادة انتخاب الرئيس البشير، هو أيضا ليس مزيد من الإنجاز كما يزعم البعض، رغم اتفاقي معهم في أن ما أنجزه عهد الإنقاذ بقيادة الرئيس عمر البشير، لم ينجز في كل عهود الحكم السابقة”.
وأضاف عنقرة أنه رغم وجود بعض الإخفاقات والمآخذ، إلا أن الدعوة لإعادة ترشيح البشير تشير إلى الفشل في إيجاد من يخلف الرئيس بعد ثلاثين عاما من الحكم. وقبلها فشل في بناء حزب سياسي جامع يغني السودانيين عن التحزب الضيق، بل تعددت وتمددت وتشظت الأحزاب في عهده كما لم يحدث لها من قبل، وظهرت كيانات جديدة هي الحركات المسلحة، وبدأت بحركتين، ثم ثلاث، وتقسمت، وتمددت إلى أن فاقت السبعين حركة. وقارب عدد الأحزاب السياسية المعترف بها المائة حزب، وظهرت في السودان نعرات قبلية، ونزعات جهوية لم تكن معهودة في العهود السابقة. وأضاف عنقرة “هذه هي أكبر وأعظم التحديات التي دعتني لأن أقف مع الذين يدعون لإعادة ترشيح اليشير لأجل مداواة هذه الجراح، التي تهدد تماسك وبقاء السودان، وأعتقد أن الرئيس البشير قادر على ذلك”.
(6)
رأى الكاتب الصحفي والقانوني حاتم الياس أنه على المستوى القانوني والدستوري فإن هذا الترشيح لا يستند على أي قيمة دستورية، بل على العكس فيه خرق واضح للدستور، وقد يكون موضوع طعن دستوري إذا نظر فيه خارج أي تأثيرات، فالراجح أن أي قرار دستوري سيدعم بوضوح عدم دستورية ترشيح البشير لولاية ثالثة.
وقال اليأس لـ (اليوم التالي) إن تعيدل الدستور يجانبه الصواب بسبب أن البرلمان جاء بمهام محدد ووفق ما خرجت به توصيات الحوار الوطني أي أنه برلمان تسوية سياسية انتقالي بمهام لا يملك معها تغيير أي بند من بنود الدستور، وهو يفتقد للصيغة التمثيلية الحقيقة التي تتوفر للبرلمانات المنتخبة.
أما المحامي القانوني الشهير نبيل أديب، فاعتقد أن الدستور له وضعه الخاص. وأضاف أن التعديلات المتكررة للدستور لا تعكس الاحترام له. وقال أديب لـ (اليوم التالي) إن الدستور نص على انتخاب الرئيس مرة واحدة، وقد كان أن ترشح الرئيس في عام (2010) وأعيد انتخابه في عام (2015). وأضاف أديب إذا لم تطرح الساحة السياسية بديلا للبشير، فهي مفلسة.
دكتور عمار السجاد رئيس تيار إسناد الحوار والناشط بالمؤتمر الشعبي، قال لـ (اليوم التالي) إن حزب المؤتمر الوطني حزب حاكم وعقيم. وأبان أن موضوع ترشيح رئاسة الجمهورية تحدٍّ يواجه الساحة السودانية عامة التي لم تستطع أن تنتج رئيس طيلة الثلاثين عاما الماضية يخلف الرئيس البشير في الرئاسة. وقال إن الواقع يشير إلى أن البشير سيأتي في انتخابات (2020). وأكد السجاد أن أي تعديل في الدستور هو انتقاص للحوار الوطني، وأبان السجاد أن التعديلات المطلوبة بالدستور حددت وتمت.
وكان الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، قال في حوار له مع (الصيحة)، إن المؤتمر الوطني مضطر لترشيح البشير لعدم وجود خيار غيره. وعزا فشل الوطني في توفير بديل للبشير، لأنهم لم يسمحوا لأي خيار آخر أن ينشأ، ولذلك هم مضطرون لإعلان إفلاسهم من أجل تعديل الدستور لانتخاب البشير.
(8)
القيادي في المؤتمر الوطني ربيع عبدالعاطي قال لـ (اليوم التالي) إن ترشيح البشير لدورة انتخابية أخرى وتعديل الدستور لانتخابه مجرد إرهاصات ليس إلا، وسيتم تحديد ذلك في المؤتمر العام للحزب. وأضاف أن مؤتمر مجلس الشوري الذي انعقد يومي أمس والأول منه لن يناقش في أجندته إعادة ترشيح البشير.
ياسر الجميعابي رئيس مبادرة شباب حول الرئيس، قال إن المبادرة شعبية وطنية ليس لها لون سياسي. وعدَّ شباب المبادرة بأنهم قوميون وطنيون لا علاقة لهم بأي حزب سياسي سواء أكان المؤتمر الوطني أو الشعبي أو خلافه. وقال الجميعابي إن البشير هو الضامن لإنفاذ مخرجات الحوار الوطني، وهو يتحمل مسؤوليته. وأضاف أن الدستور الذي سيجاز بعد الانتخابات من سيجيزه هو الرئيس البشير عراب الحوار الوطني. وأقسم الجميعابي أن مبادرتهم لا علاقة لها بالمؤتمر الوطني.
وأبان أنهم لا يرون تعارض بين ترشيح البشير لدورة رئاسية جديدة وبين الدستور. وقال إن غالبية أحزاب الحوار تقف معهم في المبادرة. وأكد أنهم سيذلون قصارى جهدهم حتى يفوز البشير بمنصب الرئاسة في انتخابات (2020).
وقد حاولنا الاتصال بـ محمد الحسن الأمين القيادي البارز في حزب المؤتمر الوطني والعضو البرلماني لكن محاولتنا فشلت في الوصول إليه. وقد قال في تصريح صحفي سابق، قبل أيام، إن التيار الداعم لإعادة ترشيح البشير هو الأقوى. وأضاف: “لا يوجد لدي مانع من ترشيح البشير في انتخابات عام (2020)”. وقال الأمين إن هناك حرجاً دستورياً ستتم إزالته بالتعديل. وأشار إلى أن هناك دعوات لترشيحه من داخل الحزب ومن شخصيات قومية.

اليوم التالي.