الطيب مصطفى

بين الكاردينال والجوهرة الزرقاء


بقدر ما شننتُ عليه هجوماً في وقت سابق جراء خلاف عاصف حول أمر عام أجدني مضطراً اليوم للكتابة عنه مشيداً ومقرظاً ومقدّراً ما بذله في إنشاء صرح عملاق يليق باكبر وأعرق الأندية السودانية ألا وهو هلال الملايين الذي لا أبالغ إن قلت إنه من أكبر ممسكات وحدتنا وهويتنا الوطنية، فمن غير الناديين العريقين (الهلال والمريخ) يجمع أبناء السودان متجاوزًا بهم انتماءاتهم الصغيرة التي مزقتهم إرباً ويصهر القبيلة والعِرق والجهة في كيان كبير يعبر عن السودان المتعدّد المتنوع؟

استحق الكاردينال التكريم من رئيس الجمهورية تقديراً وعرفاناً لعطائه الكبير، فقد أنشأ (الجوهرة الزرقاء) وبذل في ذلك مبالغ طائلة من حُر ماله لم يسبقه – حسب علمي – عليها أحد فقد زاد مساحة الإستاد متعدد الطوابق ليسع (60) ألف متفرج مع مستشفى متخصص ومسجد ومسبح وفندق ونادٍ أسري وسبق ذلك إنشاء قناة الهلال الفضائية كأول نادٍ يرتاد هذا المجال الحيوي، علاوة على الصحيفة والإذاعة ومشروع المطبعة التي يعتزم إقامتها واستحق بذلك (وسام الرياضة الذهبي).

لا ينتطح عنزان في أن كرة القدم قد فرضت نفسها كإحدى أهم حقائق العصر، بعد أن ملأت الدنيا وشغلت الناس وأصبح نجومها أعظم عظماء الدنيا شهرة ومجداً، فما من طفل أو شاب أو شيخ في عالمنا الفسيح لا يعرف نجومها العالميين الذين يتغنّى الصغار والكبار يومياً بمواهبهم وتنشغل الفضائيات والوسائط بأخبارهم، بينما لا يحظى بذلك التقدير الملوك والرؤساء والعباقرة ونجوم المعارف الأخرى، وأقولها بكل ثقة إن ما بذله الكاردينال مهما عظُم قليل وهزيل مقارنة بما حصده من تقدير احتله في نفوس الأهلة -الحزب الأكبر في السودان – فما أعظمه من استثمار؟

لن أبخس الأرباب صلاح إدريس ومحبوب المريخ جمال الوالي عطاءهما فكلاهما بذل ولا نزال نطمع في أن يواصل الأرباب عطاءه في أهلي شندي الذي بات ينافس الكبار كتفاً بكتف.

ما فعله الكاردينال للهلال يقدم بياناً بالعمل لما يمكن أن يقدمه رجال المال في أعمال الخير، وليت وزارة الرياضة تبتدر حملة لاستكمال المدينة الرياضية التي طال انتظارها من خلال إغراء وتشجيع الأثرياء بإطلاق أسمائهم على بعض منشآت تلك المدينة.

التهنئة للكاردينال ولجماهير الهلال وللسودان وشعبه الكريم، فما أحوجنا لصروح تُمكننا من استضافة البطولات الرياضية الإقليمية والدولية في عالم باتت الرياضة من أهم معايير الرقي والتقدم والاحترام.

وجدي ميرغني

وأنا أوزّع أوسمة الإنجاز أجدني منذ فترة مفتوناً برجل ضخم يعمل في صمت عجيب من أجل بلاده في مجال تشتد حاجة الوطن إلى من يطرقه من أصحاب المال وهل يدندن الناس جميعاً هذه الأيام بشيء غير (الإنتاج والإنتاجية) والذي لا أرى مخرجاً غيره لإنقاذ البلاد من كبوتها وأزماتها الاقتصادية الخانقة؟

نعم، فقد ظللتُ أتابع ما يقوم به رجل المال والأعمال وجدي ميرغني واستوقفني ما رشح من أخبار بعد الزيارة (الحقلية) التي قام بها بعض قادة العمل الصحفي مؤخرًا إلى مشروعات الرجل في ولاية القضارف.

قبل أن أحكي عن شخص وجدي ومن أين (تلّب) بتلك الصورة الفجائية إلى المشهد الاقتصادي، أرجو أن ألفت النظر إلى أن الرجل زرع العام الماضي قطناً في مساحة بلغ مجموعها (150) ألف فدان في مناطق مختلفة من السودان سترتفع هذا العام إلى (250) ألف فدان، وتتزايد إلى مليون فدان خلال خمس سنوات، ويزرع غير القطن محاصيل مختلفة أخرى مثل الذرة والسمسم والقمح. وأهم من ذلك، فإن الرجل يهتم بزيادة الإنتاجية من خلال استخدام التقنيات الحديثة من ميكنة زراعية وغيرها من الوسائل.

تخرج وجدي في كلية العلوم بجامعة عين شمس بالقاهرة لكن انفعاله بالزراعة لم يأت من فراغ فقد ورث ذلك من أبيه الذي تخرج في كلية غردون متخصصاً في الزراعة ثم صال وجال في أرجاء السودان ليصل إلى قمة الهرم التنفيذي ويعين وكيلاً لوزارة الزراعة وهو أول من أدخل الميكنة في ذلك المجال.

ليس من الأب فقط إنما ورث وجدي أساليب الإدارة الحديثة أباً عن جد، فقد تخرج جده محجوب من كلية فكتوريا بالإسكندرية والتي أنشأها الإنجليز لتعليم (النبلاء) وحكام المستقبل في عالمنا العربي، وكان محجوب (الجد) من أوائل الذين أنشأوا الشركات في السودان منذ عام 1928، ولم ينس وجدي إرثه القديم، ولذلك انشأ المجموعة التي منحها الاسم (محجوب إخوان) تيمناً بالجد.

مجموعة محمود إخوان تضم عدداً من الشركات الكبرى وينشط وجدي في عدة مجالات في المجال المصرفي والإعلامي وله استثمارات عديدة خارج السودان.

ما كتبتُ هذه الأسطر إلا للإشادة برجل يستثمر أموالاً طائلة في وطنه مقدماً إياه على بلاد أخرى تُفتح فيها الأبواب على مصاريعها لرجال المال والأعمال وإلا لأطلب منه ومن غيره من رجال الأعمال أن يصبروا مهما عظًمت التضحيات فللأوطان في دم كل حر يد سلفت وديْن مستحق.

إنني لحزين أن تتزايد الرسوم والضرائب على المستثمرين السودانيين بينما تغدق الإعفاءات على الأجانب الذين أعلم أن بعضهم منحوا عشرات بل مئات الآلاف من الأفدنة التي تستثمر في محاصيل تصدر كلها إلى الخارج بدون أن تحصل الخزانة السودانية المنهكة والمفلسة على دولار واحد!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. السوال يبقي دوما
    ماذا يقدم لعامله وعماله بينما يجمع هو ملايين الدولارات. ….
    لا عيب ان تربح ولا حرام ان تكون ثري ولا عيب ان تجمع المال وتكنزه….
    ولكن …..

  2. (أن بعضهم منحوا عشرات بل مئات الآلاف من الأفدنة التي تستثمر في محاصيل تصدر كلها إلى الخارج بدون أن تحصل الخزانة السودانية المنهكة والمفلسة على دولار واحد!) هذا هو الوجع الحقيقي، حتى العمال يأتون يهم من خارج السودان، والأدهى والأمر أنهم (يشفطوا) كل دولار من السوق الموازي وباي سعر مما سبب دماراً للاقتصاد السوداني وافقر الشعب.