رأي ومقالات

كاتب إماراتي: الزراعة.. عصب اقتصاد السودان


في مقال سابق، ذكرنا بأننا سنعود إلى الحديث عن أوضاع السودان بعد رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية عليه، وما الوسائل التي يمكن أن تساعده للعودة إلى طبيعته المعتادة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، يمكن القول إن السودان لديه الإمكانات الكافية لكي يصبح واحداً من أغنى الأقطار في العالم العربي، فهو الأرض الواعدة التي تنتظر السواعد والقيادات التي تنتشلها مما هي فيه.

وفي عقد سبعينيات القرن العشرين عندما شهدت البلاد فترة قصيرة من السلام وتوقفت الحرب الأهلية، سمي السودان «سلة غذاء العالم العربي»، ونحن نعتقد أن هذا المسمى لا يزال قائماً، ونرفع الصوت عالياً، ونقول إن موارد السودان المادية وإمكاناته البشرية حية وواعدة، وكل ما تحتاج إليه هو من يساعد على استغلالها وتنميتها لكي يحقق السودان من خلال ذلك الخير لنفسه ولجميع العرب، لكن ذلك يحتاج إلى الجهد والمال والنوايا الصادقة من قبل السودانيين أنفسهم أولاً وبالدرجة الأولى، ثم بعد ذلك من قبل العرب الآخرين وأصدقاء السودان المخلصين، خاصة أولئك الذين لديهم مصلحة اقتصادية – استراتيجية عظمى من خلال نمو السودان اقتصادياً واستقراره سياسياً، وأخص بالذكر هنا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت.

الدول المعنية التي أشير إليها مدركة وواعية لأهمية السودان الاقتصادية، لكن معظم المبادرات التي قامت بها حتى الآن اصطدمت بعراقيل داخلية سودانية ألخصها في ثلاثة أمور، هي: قوانين الاستثمار وما تتطلبه من إجراءات بيروقراطية هي معوقة في أحيان كثيرة، لذلك هي في حاجة إلى إصلاح جذري سريع، وعدم الجدية في التنفيذ، وأخيراً الفساد وكل ما يرتبط به من جوانب سيئة.

ولكي نسوق مثالاً حياً على هذا الصعيد، دعوني أعرِّج على ما آل إليه مصير «الشركة العربية للاستثمار الزراعي» في السودان، هذا المشروع العربي الجماعي كان طموحاً جداً بادرت به دول عربية عدة في منتصف سبعينيات القرن العشرين عندما نمت عائداتها النفطية في تلك الفترة، وصارت لديها وفرة في السيولة، لكن الأمور الثلاثة التي ذكرتها، بالإضافة إلى عراقيل أخرى استجدّت في ما بعد قتلت ذلك المشروع الطموح لجعل السودان سلة غذاء العالم العربي.

والآن وبعد رفع العقوبات، فإن السنوات تمضي، وها نحن الآن في عام 2018، ورغم من الإمكانات الكامنة لدى السودان أرضاً وشعباً ومياهاً وخيرات أخرى، ووفرة المال العربي، السودان يعد من أضعف الدول العربية اقتصادياً، فدخل الأسرة السودانية في المتوسط لا يتعدى مئتي دولار أميركي سنوياً، والعملة السودانية في تدهور رهيب، والعديد من الشباب السوداني عاطلون عن العمل، والتعليم الذي كان أفضل وأجود تعليم في العالم العربي في انحدار مستمر، وانعكس ذلك سلباً على المهارات في بلد بحاجة ماسة إليها، دع عنك جانباً ما تعانيه الخدمات الأخرى والبنية التحتية من تراجع ينذر بالخطر الجسيم.

ما نراه أن مستقبل السودان الاقتصادي يكمن في القطاع الزراعي أولاً، فهذا القطاع هو الذي يعتمد عليه الشعب السوداني في معيشته، ويوظف نحو 85 بالمائة من الكثافة السكانية، لكن هذا القطاع الأهم هو أكثر القطاعات معاناة، فهو في معظمه لا يزال بدائياً، ويعتمد على سقوط الأمطار التي هي عرضة للتقلب، خاصة في السنوات التي تشهد جفافاً وشحاً في سقوطها. الزراعة «المطرية» ذات تأثير على كل من زراعة الأرض ورعي الماشية التي تعتمد عليها قبائل السودان الرحَّل.

وعلى الشريط النيلي الممتد من الحدود الإثيوبية وحدود دولة جنوب السودان، سواء بالنسبة لنهر النيل أو الأنهار الفرعية والصغيرة تنتعش الزراعة بالري من الأنهار التي تشمل محاصيل تعتمد عليها البلاد في الحصول على العملات الأجنبية، كالقطن والسمسم والفول السوداني وقصب السكر والنخيل وبعض الحمضيات والمانجو والقهوة والتبغ والذرة والدخن والذرة السكرية والقمح والبقول والشعير.

ومن أهم المنتوجات أيضاً الصمغ العربي والكركديه، وهي محاصيل تدخل في الصناعات الطبية والمواد اللاصقة. هذا الكم الكبير من المنتجات، بالإضافة إلى الموارد المعدنية والأراضي البكر الخصبة، والمياه الوفيرة، والسواحل الممتدة على البحر الأحمر تجعل من السودان قبلة للمستثمرين الأجانب، فها هم الأتراك والروس والأوروبيون قادمون، ونتمنى بكل صدق أن تكون وعودهم صادقة ومشاريعهم ناجحة إن هي نفذت، فأين أنتم أيها العرب الخليجيون من كل ذلك؟ فالسودان يناديكم، ويفتح ذراعيه لكم، وأنتم أولى بمساعدته والوقوف إلى جانبه.

د. عبدالله جمعة الحاج*

*كاتب إماراتي

نقلاً عن صحيفة الاتحاد