مقالات متنوعة

يوتوبيا.. الوطن


يوتوبيا رواية للدكتور أحمد خالد توفيق.. يحكي فيها بتفاصيل مرعبة مستقبل المجتمع المصري بعد سنوات قليلة.. يعطي تصوراً لمجمعات سكنية ضخمة يعيش فيها الأغنياء.. وذوي الثراء الفاحش.. بهذه المجمعات كل ما يتطلب العيش ولا يستدعي مغادرة المكان.. مدارس.. مستشفيات.. مسارح سينما.. حتى مطارات ومحطات قطار.. تحيط بها أسوار عالية تفصلها عن بقية المساكن التي يتكدس فيها الفقراء.. حيث لا كبير غير الفقر.. ولا قانون الا الحوجة…عندما قرأت تلك الرواية.. أصابني الرعب من هكذا مستقبل.. وطمأنت نفسي بأن هذا الكاتب ذو خيال متشائم.. يذهب الى أبعد من حد الأفق.. أو كما يقول البعض.. يفوق سوء الظن العريض.

لكن تصريحاً تصدر مانشيت إحدى الصحف السيارة بالأمس.. أعاد الى ذهني أحداث الرواية .. وجعلني أجد التفسير للكثير من الأشياء في الآونة الأخيرة.. فقد قال السيد المقرر السياسي للمؤتمر الوطني (الموازنة ظاهرها ضنك وعنت على المواطن.. وباطنها رحمة).. يعني الموازنة لها وجهين (طرة وكتابة).. وطبعاً القصة ما عايزة كثير تفكير لنعرف أن المواطن يعيش بالجانب الذي يشع منه العذاب (طرة).. بينما يتنعم البعض بباطن الرحمة من الداخل (الكتابة)..
الشيء الذي انتبهت له.. أن المجتمع السوداني كله أنقسم الى قسمين.. (مواطنين).. وهم الذين يكتوون بنار الضنك والعذاب من الموازنة.. والقسم الثاني هو (غير المواطنين).. أو سمهم ماشئت.. المهم أنهم ليسوا معنا في ذات جانب (الطرة).. وقد كنت حتى وقت قريب.. أعتقد أن صفة (غير المواطنة) هذه يتقمصها كل من تقلد منصب دستوري.. أو تنفيذي.. ما أن يتولى المنصب تجده يخلع عباءة (المواطنة).. ويرتدي ثوب (غير المواطن).. الآن فقط أتضح أن ظني ليس في محله أو أن تصوري ليس كاملاً.. لأن تصريح السيد المقرر السياسي للحزب (الذي لا يتقلد أي منصب دستوري أو تنفيذي في الحكومة).. السيد المقرر يتحدث ذات اللهجة ويكرر نفس النغمة.. هذا يعني بالضرورة.. أن صفة (غير المواطن) تمتد لتشمل حتى (الحاري) وليس (المتعشي) فقط.
السادة من فئة (غير المواطن) ما قصروا معانا يا جماعة.. أطلوا علينا من فوق الأسوار.. لقونا نعاني من غلاء الأسعار.. فافتتحوا لنا نقاط للبيع المخفض.. وتم التقاط صورة لأحد سكان (يوتوبيا غير المواطن) وهو يشتري شوال سكر صغير من حارة المواطن.. والمراد توصيل فكرة.. أهو يا جماعة نحن مثلكم نشتري من نقاط البيع المخفض.. وما فيش حد أحسن من حد.. .والمفترض نفرح.. ذلك أننا (كلنا في الهم شرق).. لكن الفرق.. أن المواطن لا يزال يصرف ذات الراتب الذي لم يتحرك تبعاً للدولار.. ولا يزال المواطن لا يملك جهة أخرى تؤمن له دخلاً إضافياً.. وليس له أي استثمارات في الداخل أو الخارج.

إعلان في إحدى إذاعات الأف أم السودانية.. ظل يستفزني كلما سمعته.. يقول (هل تريد استثمار أموالك؟ البنك .الفلاني.. يوفر لك عروضاً ممتازة).. كنت أردد مخاطبة الراديو (الناس ديل ما عايشين معانا ولا شنو؟ هي وينها القروش البتقعد عشان نستثمرها؟).. لكنني الآن فهمت.. الخطاب كان لسكان (يوتوبيا غير المواطن).. يعني الناس اللي زيي.. ما يلخبتوا الصف.. ويعملوا غمرانين.. .ويرددوا المقولة المنتشرة هذه الأيام (لينا الله وقعاد المظلة).. أكيد المقصودة ليست هي مظلة (محاربة غلاء المعيشة).

صباحكم خير – د ناهد قرناص
صحيفة الجريدة