الفاتح جبرا

ع الحديدة


يقولون إن المستحيلات ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي، والغول حيوان خرافي من نسج الخيال ذكره العرب في أساطيرهم القديمة وكانوا يستخدمونه كأداة لفظية كوسيلة ردع وتأديب لإخافة العصاة من الأطفال، بينما جاء في الموروث العربي أن العنقاء طائر أسطوري ذو عنق طويل لا يظهر للأنام إلا مرة كل خمسمائة عام، أما المعتقد الثالث وهو الخل الوفي؛ والذي كان سائدًا في أساطير العرب فهو يستخدم للتعبير عن استحالة وجود صديق وفِي يخلص لك أكثر من نفسه، وفِي هذا يقول الشاعر الأندلسي- صفي الدين الحلي-:

لمّا رأيتُ بَني الزّمانِ وما بهم خلٌّ وفيٌّ، للشدائدِ أصطفي
أيقنتُ أنّ المستحيلَ ثلاثة الغُــولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوفي

وفِي زماننا هذا… أضافت الإنقاذ (محاربة الفساد) لتكون رقمًا يضاف إلى ميثولوجيا المستحيلات الثلاثة التي وجدت فقط في الخيال، لتصبح أربعة فعلى مدى العقود الثلاث الفائتة كان الفساد هو الكائن الأكثر شهرة، حتى وصل الأمر إلى أن كثيراً من مظاهر الفساد لم يعد ينظر إليها على أنها فساد، وأصبحت شيئاً طبيعي الحدوث. في نظر (ولاة الأمر) حتى أن ملفاً كملف (هيثرو) الذي نذكرهم به يومياً على مدار ثمان سنوات والذي هو سرقة بائنة لا يخجلون من غض النظر عنه دون خجل أو وجل!
وليس قضية هيثرو هي الفساد وحده فهنالك آلاف حالات النهب والفساد (الموثقة) التي إمتلأت بها تقرير المراجع العام والتي تناولتها (الصحف) بالمستندات على مدى كل هذه السنوات والتي لم يمثل متهماً واحداً فيها أمام القضاء ولعل المضحك المبكي في الأمر أن المرة الوحيدة التي تدخل فيها النائب العام في ملف فساد كان في القضية التي عرفت (بفضيحة مكتب الوالي) لكنه (لإستغراشنا) لم يتدخل من أجل التحقيق وتقديم قضية (مكربة) للقضاء بل تدخل لعمل تسوية وإعادة (المسروقات) من الجناة وإطلاق سراحهم معتمداً فيما عرف (كما قيل) بإسم فقه (التحلل)!

ولعل المحزن في الأمر و(المحير) حقاً انه وبعد هذه الإستباحة التامة وغير المسبوقة و(المثبتة) للمال العام هنالك من يقول (العندو مستندات على فساد يجيبا لينا) وأن هنالك أيضاً من يقول أن (الفساد) محض إشاعات يروج لها المرجفون، وسوف يستمر هذا الإنكار (وهم يسووا في البسوو فيهو) حتى تعدم الخزينة التعريفة (لو ما عدمت)، وسوف ينعكس هذا على حياة المواطنين (لو ما إنعكس) وسوف يتأزم الوضع بدرجة من الصعب علاجها.

الشعب السوداني من أطيب الشعوب وهو شعب ذو إحتياجات متواضعة تتمثل في (حرية التعبير) و(قفة الملاح) وكان من الممكن أن يغض النظر عن كل هذه التجاوزات والفساد و(الهبر واللهط ) وربما تعايش معها (من مسكنتو) لو توفرت له هذه الإحتياجات ولكن أن تكون هذه الإحتياجات منعدمة وفي غير إستطاعته بينما مطلوب منه أن يرى هذه الإستباحة التامة لأمواله ويلوذ بالصمت (أفتكر دي واسعة شوية) ولا يرضاها أكثر شعوب الدنيا ضعفاً وجبناً وهواناً.

لابد لكل ذو بصيرة من المسؤولين أن يعلم علم اليقين أن (القصة كده ما بتمشي) وأن التضييق على المواطنين في معاشهم مع إستمرار التغاضي عن الفساد والمفسدين لن يجلب إلا الغبن، وأن الناس (ملت) الحديث عن تكوين آليات لمحاربة الفساد ومفوضية الشنو ما عارف دون شيء على أرض الواقع وأن المواطن قد أصبح في ظل هذه الظروف المعلومة للجميع ليس لديه ما يخسره وهو يرى (رفاق الفجر) وهم يعبثون بمقدراته ويكتنزون ثرواته بينما هو (على الحديدة)!

كسرة:
عشان ما (نبشتن) المقولة يمكن تعديلها لتصبح المستحيلات ثلاثة (الغول والعنقاء واللص الخفي)!

• كسرة تصريح النائب العام: (لا حماية لفاسد ولا كبير على القانون)… في إنتظار ملف هيثرو (ليها شهر)!

كسرة جديدة لنج: أخبار كتب فيتنام شنو (و) يا وزير المالية ووزيرة التربية والتعليم شنو(و)… (ليها ستة شهور)

• كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 94 واو – (ليها سبع سنوات وحداشر شهر)؟

• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 53 واو (ليها أربعة سنوات وستة شهور)

 

 

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة


تعليق واحد