مقالات متنوعة

مولانا سيف الدولة.. جلد الذات! أبناءنا الذين في الخارج


في مقاله (ما كنش يتعز يا قوش)، كتب مولانا سيف الدولة حمدنا الله، متسائلاً (ما الذي يجعل شخص مثل قوش يمتلك الجرأة لأن يطرح نفسه للشعب بديلاً عن الإنقاذ لحكمنا).. ويقول (وفي تقديري إن السبب في ذلك، هو أننا جلبنا مهانتنا لأنفسنا بأيدينا، فقد صمتنا وقبلنا كل الذي فعلته بنا الإنقاذ، واكتفينا بالتغني بتاريخنا المجيد ونردد أننا شعب معلم).. ويقول: (وما جعل قوش يفكر في حكمنا، هو الخطأ الذي ظللنا نرتكبه في حق أنفسنا، فقد صفحنا عن كل جلادينا السابقين وقبلنا بهم في صفوفنا بجرة قلم لمجرد خروجهم من السلطة، فما الذي نعيبه من قوش ولا نجد مثله عند الترابي أو علي الحاج)، ومن قبلهم غفرنا لمبارك الفاضل مشاركته الحكم مع الإنقاذ بدرجة مساعد لرئيس الجمهورية، وحينما طرد من القصر قبلناه ليحكي بإسمنا في المنابر، ويقول (لابد أن تعمل هذه الحادثة على إفاقة الشعب من الغيبوبة التي يعيش فيها، ليقف على أسباب الضعف والهوان التي بلغت به الى هذه المرحلة وقد سبق لنا الحديث عن أهم الأسباب وهي عدم وجود تنظيم حزبي يجمع بين الملايين من أبناء الشعب المقهور والمظلوم، اللذين يتم تعريفهم عن طريق الاستبعاد من الانتماء للأحزاب القائمة، فليس هناك ثورة بلا تنظيم حزبي أو نقابي)، ولذلك طرحنا فكرة تأسيس حزب ليتثنى له القيام بهذا الدور، وسمينا شخصيات وطنية يمكنها أن تتولى قيادة هذا التنظيم، وهذا السبيل الوحيد لخروجنا من هذه المحنة التي طالت،.. انتهى حديث مولانا سيف الدولة.
ما يعنيني في مقال مولانا سيف الدولة في هذه المرحلة هو الحديث المرير والحزين في قوله (إننا جلبنا مهانتنا لأنفسنا بأيدينا، فقد صمتنا وقبلنا بكل الذي فعلته بنا الإنقاذ، واكتفينا بالتغني بتاريخنا المجيد ونردد أننا شعب معلم)، خطورة مثل هذا الحديث إن الاحباط حالة مرضية وبالذات اذا تمكن من قامات لها مساهمات كبيرة خاصة في معارضة النظام الحاكم، ولها تأثيرها في حركة التنوير بشكل عام.. مثل مولانا سيف الدولة وآخرين تظل مساهماتهم الرصينة من محفزات الحراك نحو التغيير.

لاحظت أستياء متزايد لدى الكثيرين وبالذات من هم في الخارج، بعد تراجع الاحتجاجات الأخيرة وعدم قدرتها على تحريك أعداد كبيرة من المواطنين للانتظام فيها، وتراجع إرادة للمعارضة نحواستمرارها..

بداية لا بد من إثارة نقطة في غاية الأهمية تتعلق بالوضع الحالي الذي تعيشه بلادنا، وهو لا يعود فقط الى فشل برنامج الحكومة في تنفيذ رؤى مستحيلة عملياً ولا يوجد لها أساس نظري محكم، ولا يعود فقط الى عدم فهم الحاكمين لطبيعة الصراع وتطوره في ظل سيادة العولمة وثورة الاتصالات ما بين الفئات السودانية المتصارعة مع أسس ثقافية وحضارية فحسب، بل لعله في الأساس يعود الى فشل النخبة السودانية في إيجاد مرتكزات مشروع الدولة الوطنية، وعدم قدرة المجتمع السوداني على تطوير نفسه نحو التماذج القومي في كيان دولة حديثة تحترم التنوع الديني والثقافي والإثني..
من نحن؟ ملايين السودانيين المتعلمين والمستنيرين، أدباء وأطباء ومهندسين، وأساتذة جامعات اختاروا البقاء في الخارج، مغتربين ومهاجرين ولاجئيين، ومنهم من اكتسب جنسية أخرى، وحمل جوازاً أجنبياً، وتحولت الخرطوم والمدن الأخرى الى قرى كبيرة، انتقلت أرياف بكاملها واستوطنت المدن، فلم تتكيف وتتمدن وعجزت عن الإبقاء على نقاء وبساطة الأرياف، ليس في شكل المباني والطرقات ولكن في أسلوب الحياة، والحقيقة إن حشود بشرية ضخمة، لا تعنيها (ساس..يسوس)، ولا يهمها من الحاكم، أو كيف يحكم، ويتراوح هامش الحرية عندها، في الاختيار بين البوش وطلب الفول! فشاخت أحزاب المعارضة وسط انحسار اهتمام الشباب بالعمل السياسي، وربما بعض أسبابه استعجالهم الالتحاق بالملايين ممن أنقذوا أنفسهم وتركونا للإنقاذ لتنقذنا من أنفسنا.. ومع ذلك، فلا يمكن لومهم على هذا، وبالطبع ووفقاً لهذا التحليل إن كان صحيحاً، لا تلام أحزاب المعارضة على راهنها فهذا واقع لا سبيل الى تفاديه إلا باسلوب جديد، أما دعوتكم لتأسيس حزب جديد على نفس المنوال فلن يضيف جديداً.

الصراع مستمر وإن أتخذ اشكالاً مختلفة، وأحزابنا على علاتها هي آخر ما تبقى لدينا، ولن ينصلح حالها، كما نتوقع مهما صبرت وتجلدت وجالدت، حتى تعود كوادرها التي هاجرت، ولن تتغير الأوضاع للأفضل لمجرد إسقاط النظام، فمن يصنعون التغيير مختلفون على أبسط أسباب الاتفاق وهو كيفية التخلص من النظام الحاكم، ناهيك عن الاتفاق على مشروع وطني، يوقف مسلسل تفسخ كيان الدولة، وتتوقف بموجبه الحرب نهائياً، ويفتح الباب لحل الأزمة الوطنية الجارية على أساس وحدة البلاد، ومشاركة بنيها في الحكم على أساس كفالة الحريات والتداول السلمي للسلطة.

ما وراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة