رأي ومقالات

الدور الاستراتيجي لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الاقتصاد المعرفي بالسودان


اقتصاد المعرفة: Knowledge Economy هو الاقتصاد المُعتمِد على صناعة وتداول وتقييم المعرفة ؛ حيثُ تقلّ فيه الأهميّة المترتبة على تكاليف العمالة، كما لا يستخدم المفاهيم التقليديّة للاقتصاد، مثل النُدرة في الموارد، ويُعرَّف اقتصاد المعرفة بأنّه نوع من أنواع الاقتصاد الذي يعتمد نموّه على نوعيّة وكميّة المعلومات المتاحة، والقدرة على الوصول إليها. من التعريفات الأخرى لاقتصاد المعرفة هو نوع من أنواع الأنظمة الاقتصاديّة، ويعتمد الإنتاج والاستهلاك فيه على استخدام رأس مال فكريّ، وغالباً يحصل اقتصاد المعرفة على حصة كبيرة ضمن النشاطات الاقتصاديّة الخاصة بالدول ذات النموّ الاقتصاديّ المتقدم.

يساهم اقتصاد المعرفة بحسب احصائيات العام 2017م بنسبة 80% من الناتج الداخلي الخام للدول المتقدمة ويخلق 70% من فرص العمل بها، كما أنه شكل رافعة تنموية لعدة دول آسيوية كالهند التي ضاعفت معدل نموها ثلاث مرات في عقد واحد واليابان التي رفعت صادراتها من المنتجات والخدمات المعرفية بنسبة 60%، علاوة على احتلال هونغ كونغ المرتبة الثالثة عالميا في جلب الاستثمارات الأجنبية لوجود بيئة حاضنة لمؤسسات الاقتصاد المعرفي. وعالميا، ترتكز أنشطة اقتصاد المعرفة عند دول الشمال التي تتوفر على تفوق علمي وتكنولوجي ومحفزات لاستقطاب التمويلات المالية بعكس دول الجنوب، ونجد أن اقتصاد المعرفة يتوزع على ثلاثة تصنيفات، دول تنتج المعرفة كالولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، دول تدير المعرفة كماليزيا وسنغافورة، ودول تستهلك المعرفة وعلى رأسها الدول العربية والافريقية.

والسودان رغماً عن الوضع الاقتصادي المأزوم الذي يعيشه الا ان هناك عوامل متوفرة في المستويين الوسيط والبعيد في الخروج من هذه الوهدة. ولابد بدايةً من العمل لذلك عبر إرادة قوية وإدارة حازمة لها أجهزة رقابية ودور مجتمعي ووعي معرفي من الجميع.

توفر البنية التحتية لقطاع الاتصالات مرتكزاً مهماً في اساس الاقتصاد المعرفي المتوقع بالسودان هذا فضلاً عن الموارد الطبيعية والموارد البشرية اذا وظفت بالطريقة المثلى وفق تخطيط استراتيجي علمي وليس كما هو موجود في الكثير من المؤسسات التي لا تعرف الفرق بين الخطة الاستراتيجية أو الخطة التشغيلية .
ويقع على قطاع الاتصالات وتكنولوجية المعلومات بالسودان دور رئيس في هذه القضية حيث تجتمع عنده معظم خيوط نسيج هذا النول الاقتصادي المعرفي وبطريقة أدق نقول المواصلة في توفير بنية اتصالات وتكنولوجيا معلومات في أماكن الانتاج الزراعي والصناعي من إجل ادخال التقانة المتطورة تساهم في بناء مجتمع معلوماتيّ.

وكذلك المراجعة المستمرة وتطوير القوانين المستخدمة لتتناسب مع اقتصاد المعرفة. وعدم تعارض هذا القوانيين والسياسات العامة مع الجهات الاخرى داخل السودان ، وكذل تأسيس وتطوير رأس المال البشريّ؛ من خلال توفير المناخ المُساعد للمعرفة حتى تصبح أهمّ عنصر إنتاجيّ.من خلال المسئولية الاجتماعية لشركات الاتصالات والبرمجيات وتوفير المعرفة المستوردة وهذه في تقديري سوف تشهد نقلة نوعية لا سيما بعد رفع الحظر الامريكي الذي تأذى منه قطاع تكنولولجيا المعلومات كثيراً، والبحث كذلك عن المعرفة غير المتوفرة محلياً.

أيضاً التشديد على تغذية المحتوى الالكتروني للوزارات والمؤسسات التي تقدم خدمة خارجية وداخلية اذ لا يمكن ان يكون المحتوى فقيراً ويكون ناتج الترويج جيداً، ورغم الجهد العظيم الذي تبذله وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في توفير البناء الهيكلي المميز للحكومة الالكترونية تظل قضية تفاعل الوزارات الاخرى هي المرتكز الفاعل لشهود أثر هذه الحكومة الالكترونية.ونذكر الاثر الكبير الذي احدثه التحصيل الالكتروني لاورنيك 15 المالي ودخول ديوان الضرائب في التحصيل الالكتروني يعد اضافة ايجابيه اخرى.

واذا نظرنا للقطاع الخاص نجد هناك مبادرات جريئة حققت نجاحاً في الدخول لعصر المعرفة عبر تطبيقات الحاسوب الذكية والتي تفاعل معها المجتمع ومن ذلك على سبيل المثال تطبيقات ترحال ومشوار والفالح وغيرها في قطاع سيارات الأجرة ومن قبل ذلك البنوك ولكنه هذا نشاط محصور في عملاء البنوك وبدأت شركات التأمين الدخول في هذا الحقل من التطبيقات الذكية ولكن فقط شركتين من مجموع اربعة عشر شركة في هذا القطاع المهم. ويجدر بنا أن نشير الى ان دولة مثل دولة الامارات العربية المتحدة قد انتقلت بالتطبيقات الفاعلة من الحكومة الالكترونية الى الحكومة الذكية. فالمجتمع الآن جرب فعلياً الاقتصاد المعرفي وأحس بأثره ونتائجه في هذا المثال الذي اشرنا اليه ، ومن خلال هذا الاثر يمكن ان تتسع المظلة في الابتكارات والمبادرات في القطاع الخاص وريادة الاعمال وعكس ذلك إعلامياً .

ونحمد للدولة رعايتها لجائزة سنوية في تقنية المعلومات من خلال المركز القومي للمعلومات والمؤسسة الشبابية لتقانة المعلومات فتشجيع الابتكار والاختراع مهم جداً وبه نهضت العديد من الدول.

تبقى هناك قضية مؤرقة وهي قضية البحث العلمي واهتمام الدولة به ومدى وجود استراتيجية فاعلة للبحث العلمي يعود نفعها على الوطن من خلال الحاجة الحقيقية للدولة ، فدور قطاع الاتصالات وتكنولجيا المعلومات يتمثل في المساهمة الفاعلة في توفير المكتبات الرقمية لمؤسسات التعليم العالي، وإتاحة هذه المؤسسات للمكتبات الالكترونية الخاصة بها للراغبين من طلاب البحث العلمي والدراسات العليا من خلال الدخول لهذه المواقع عبر الكمبيوتر او اجهزة الموبايل الذكية.

وحريٌ بنا أن نقول اننا ما لم نغير طريقة التفكير التي ندير بها دولاب الحياة العامة سوف نظل كمن يمشي بالعرض وليس بالطول فلا نتوقع ان نحقق نتائجاً ملموسة على ارض الواقع طالما اننا لا نستشعر ان العالم قد تغير ودخول عصراً معرفياً كامل الدسم.
إن التحول الرقمي في القطاع الزراعي والصناعي والخدمي من خلال البرمجيات والتطبيقات الذكية سوف يقلل الكثير من التكاليف المادية والمالية بنحو كبير جداً ويختفي سماسرة السوق تماماً في سلسلة القيمة الرقمية اذ ان هناك اتصال مباشر بي قنوات الانتاج والمستهلك.

ويظل التحدى متجدداً من خلال مواكبة تطور وسائل ووسائط الاتصالات في الفضاء الرقمي المنفجر لذلك تبقى الاستراتيجية التقنية والتي تعتبر احد عناصر قوى الدولة الشاملة في التخطيط الاستراتيجي القومي تبقى إحدى الركائز التي يجب أن يعض عليها بالحراسة الجيدة للقوانيين والسياسات المتوافقة مع المنظومة العالمية لنجني إقتصاداً معرفياً يوفر وضعاً معيشياً مستقراً ومتطوراً يحسه المواطن البسيط ويكون مساهماً فيه من الدرجة الاولى .

ختاماً نحتاج ان نخرج من وحلنا في إدارة الازمات الى آفاق التخطيط الاستراتيجي الذي يجعلنا في مقعد مريح ضمن منظومة المستفيدين والمصدرين ثمار إقتصاديات المعرفة.

بقلم م.محمد يوسف العركي
باحث في استراتيجيات المعرفة