رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: مُحدِّثي كان يتساءل: لماذا تفرحون برفع العقوبات الأمريكية عن السودان ؟!


هل خدعنا ؟!

-1- في أكتوبر الماضي، بعد ساعاتٍ من رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، تلقَّيتُ اتصالاً هاتفياً من رجل أعمال معروف، مُقيم خارج السودان.

مُحدِّثي كان يتساءل: لماذا تفرحون برفع العقوبات الأمريكية؟!

انتظروا أياماً قلائل، وسينطلق سعر الدولار على أجنحة الرياح، وسينتكس الوضع الصحي للجنيه إلى حدِّ تلاشي القيمة.

رفع العقوبات في مُختصره: السَّماح لنا بشراء المنتجات الأمريكية، والشِّراء يحتاج إلى دولار، وكلما زاد الطلب وقلَّ العرض ارتفع السعر.

أنهى مُحدِّثي المكالمة بتحذير: (إذا لم تنتبه الحكومة لمُترتِّبات رفع الحظر، ستكونون على موعد مع أيام عصيبة).

-2-

أمس، كان خالد الباشا، بمحلات بيع الموبايل، بشارع كترينا، يتحدَّث بأسى وغضب: (مِنْ مَا رُفِعَتْ العقوبات ما ضقنا عافية، الأمور كانت ماشية معانا، لكن من أكتوبر إلى الآن وقفت تماماً).

مقالٌ إسفيريٌّ منسوب لأكاديميٍّ سودانيٍّ بالولايات المُتحدة الأمريكية، كان يشرح ويُفسِّر تدهور الجنيه بعد رفع العقوبات:

(كانت هنالك حوالي 233 مؤسسة وشركة حكومية ممنوعة من المعاملات المصرفية بالنقد الأجنبي، بغرض الصادر والوارد، بسبب الحظر الأمريكي. وهذه الجهات تُمثِّل اقتصاد الدولة، منها قطاع النقل مثل هيئة السكك الحديدية، وقطاع التصنيع مثل شركات السكر وشركات النسيج وقطاع الطاقة، فضلاً عن حرمان قطاع النفط والتعدين من التقنية الأمريكية.

وما حدث بالضبط، هو أنه وبعد رفع الحظر عن هذه المؤسسات والشركات الحكومية، ارتفع الطلب على الدولار، لأنَّه في السابق كان الطلب على الدولار بواسطة القطاع الخاص فقط، ومعروف أن أكبر مُشترٍ في الدولة خاصَّة في الاقتصاديات النامية، مثل حالة السودان هي الحكومة. وهنا خضع الدولار لنظرية العرض والطلب).

-3-

شركة سودانية كبيرة، أرسل لي مُديرها خطاباً من بنك أمريكي، يرفض التعامل معهم بسبب استمرار الحظر لوجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وشركةٌ أُخرى، تمَّ إلغاء صفقة تصدير (سمسم) برفض التمويل، لأن البنك الآسيوي يرفض التعامل مع البنوك السودانية.

مسؤول كبير قال لي: (نعم تمَّ رفع العقوبات الأمريكية، ولكن وُضِعَ شرطٌ في قرار الرفع المُقدَّم للبنوك العالمية، صعب التعامل مع المصارف السودانية، وهو شرط التأكد من عدم ذهاب الأموال المُحوَّلة إلى جهات إرهابية، لأن السودان ما يزال في القائمة السوداء).

لوجود شرط التأكُّد من الجهة المُستلِمة للتحويلات، وعدم صلتها بالإرهاب، أصبحت عملية التحويل تستغرق أكثر من شهرٍ بغرض التحقُّق، وهذا مفارقٌ لإيقاع العمل الاقتصادي الناجح الذي يُحِبُّ (الخِفِّيَّة) على قول المصريين.

-4-

حسناً فعلت رئاسة الجمهورية، حينما منعت الاحتفال والاحتفاء برفع العقوبات، وأصدرت بياناًَ مُقتضباً حوى ترحيباً حذراً بالقرار.

الامتناع عن التعامل مع المصارف السودانية، ليس قاصراً على البنوك الغربية والآسيوية فقط، فحتى البنوك العربية ذات القربى، التي لنا معها علاقات مُتميِّزة، التعاملات المصرفية معها محدودة جداً.

قناعتي أن المُشكلة ليست كُلُّها في الآخرين، فلنا في ذلك نصيب. رفع العقوبات كان يستدعي تحرُّكات واختراقات سريعة ومُباشرة، مع البنوك والمصارف العالمية وحملات علاقات عامة مُكثَّفة.

مع مواصلة التفاوض، مع الأمريكان لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وشرح عدم جدوى قرارات أكتوبر الماضي، بل شرح أنها حقَّقَتْ نقيض ما يُراد من رفعها.

ما زال في الوقت مُتَّسعٌ لتكثيف الاتصالات وتنشيط المفاوضات لتدعيم الفائدة من قرار رفع العقوبات، حتى لا يكون ما منحه دونالد ترمب باليمين قد سحبه بالشمال، وترك لنا الحسرة والفرح المهزوم، وانتظار سحب لا تفيء بالهطول.

خارج النص:

الأستاذ الطيب مصطفى، أحترم ما كتبت، رغم دهشتي وتعجُّبي من أن تكون تلك قناعاتك!

ما قُلناه رأيٌ في أداء رجلٍ عام، وما فعله عقاباً على ذلك الرأي، بدافعٍ شخصيٍّ ووسيلةٍ سُلطوية!

أربأ بك أن تُناصر الجاني وتتحامل على المجنيِّ عليه، رغم أنك ذُقت من ذات الكأس المُرِّ المذاق، ولم تلتزم الصمت المُتسامح.

دمت بخير.

خارج خارج النص:

أما ذلك الرِّعديد الذي أرغى وأزبد نفاقاً وافتعالاً، وكتب ردَّاً علينا من دورات المياه، وألقى به في الأسافير، لن نعطيه شرف الخصومة، ولا نملك له سوى ما قاله أبو الطيب:

صَغُرْتَ عنِ المَديحِ فقلتَ أُهجَى.. كأنّكَ ما صَغُرْتَ عنِ الهِجاءِ

وَما فَكّرْتُ قَبلَكَ في مُحالٍ.. وَلا جَرّبْتُ سَيْفي في هَبَاءِ

ضياء الدين بلال