زهير السراج

الخروج بأمر السلطان !!


* اصدرت إدارة الجوازات والهجرة والجنسية بوزارة الداخلية أمس، ضوابط جديدة لمنح تأشيرة الخروج، أو ما تسميها (إستيفاء خروج) فى محاولة بائسة للخداع بأن السودانيين أحرار فى الخروج من وطنهم متى ما أرادوا بدون الحصول على تأشيرة خروج، بينما الواقع عكس ذلك تماما، كما يعرف الجميع، فلكى يخرج المواطن من السودان عليه أن يحصل على (تأشيرة خروج) أو (إستيفاء خروج) أو إذن من الحكومة، والفرق الوحيد بين (تأشيرة الخروج) و (إستيفاء الخروج) أن الاولى كانت توضع مباشرة على جواز السفر عند التقدم للسلطات بطلب الحصول على التأشيرة، ثم صارت التاشيرة تمنح فى ورقة خارجية معنونة بـ( أورنيك إستيفاء خروج)، على ان يوضع ختم الخروج فى جواز السفر بواسطة السلطات فى ميناء المغادرة، وفى كلتا الحالتين على المسافر دفع الرسوم المقررة!!

* كلنا نذكر التكبيرات والتهليلات وعبارات النفاق التى ارتفعت الى عنان السماء عند صدور قرار رئيس الجمهورية فى عام 2003 بإلغاء تأشيرة الخروج للسودانيين، ووصف البعض القرار بأنه فتح فى تاريخ السودان الحديث، لاحترامه لحق المواطن فى السفر بدون قيود او رقابة او إذن، وظل باشكتبة الحكومة يكتبون عنه طيلة ايام كاملة، الى ان اكتشف الجميع أنه ليس سوى خدعة كبيرة وأن كل شئ باق فى مكانه، فالقانون الذى يحدد ضوابط السفر لم يتغير، والآليات لم تتغير بل تعقدت، والرسوم لم تُلغَ بل زيدت، وأن كل الذى تغير هو إعطاء التأشيرة على مرتين، بدلا عن مرة واحدة كما كان فى السابق، أى أن الحصول على تأشيرة الخروج صار أكثر تعقيدا بعد القرار الرئاسى الذى ألغى تأشيرة الخروج!!

* ليس ذلك فقط، بل صار لجهاز الأمن والمخابرات السلطة المطلقة فى اتخاذ القرار بخروج المسافر ام لا، إذ يتعين عليه بعد الحصول على اورنيك إستيفاء الخروج من أحد مكاتب إدارة الجوازات بوزارة الداخلية، أن يمر على مكتب الامن فى ميناء الخروج ليقرر هل يسمح له بالخروج ام لا ، حسبما ما هو موجود على سجلاته، ولا تستطيع أية سلطة أن تأذن له بالخروج إذا جاء قرار مكتب الأمن بمنعه من السفر، ويظل القرار ساريا إلى أن يلغيه جهاز الأمن!!

* وبالأمس أصدرت إدارة الجوازت ضوابط جديدة لحصول المواطن على استيفاء الخروج من السودان، ليس لها تفسير سوى فرض المزيد من القيود على حرية المواطن فى السفر الى خارج البلاد، فضلا عن حرمانه من استخدام ماله الخاص فى السفر، وذلك بجعل الحصول على تأشيرة الخروج أمراً فى غاية الصعوبة بإضافة شروط غير موضوعية مثل حضور المسافر بنفسه الى مكتب الجوازات إلا فى بعض الاستثناءات مثل المرض مع احضار المستندات الدالة على ذلك، على أن يكون الوكيل من اقرباء الدرجة الاولى، بالاضافة الى إرفاق ــ حسب نوع المسافر أو جواز السفرــ خلو طرف وظيفى، أو خلو طرف من الخدمة الإلزامية، أو خلو طرف من الضرائب (او كل هذه المستندات)، وإبراز خطاب القمسيون الطبى والمقدرة المالية وتذاكر سفر ذهاب وإياب للحاصلين على تأشيرة دخول لأية دولة بغرض العلاج (ويشمل ذلك المسافرين للعلاج على النفقة الخاصة)، وعلى المسافر للسياحة إبراز مبلغ لا يقل عن ألفى دولار (فى حالة السفر الى مصر، تركيا، لبنان، ليبيا وسوريا)، وألف دولار (للمسافر الى الامارات)، ويُمنع منعا باتا منح إستيفاء الخروج لتركيا ولبنان وسوريا وليبيا لأصحاب الفئة العمرية (بين 20 – 40 ) إلا بقرار من مدراء إدارات الجوازات ومدراء صالات الإستيفاء بأحد المجمعات الثلاثة بأم درمان والخرطوم وبحرى .. أى أن السلطة الوحيدة لمنح إستيفاء الخروج لهذه الفئة للدول المذكورة هى الادارة العليا فى المجمعات المذكورة فقط … فضلا عن شروط أخرى كثيرة لا يتسع لها المجال !!

* لا يعنى ذلك سوى شئ واحد فقط .. هو أن الحكومة قررت أخيرا أن تحبس كل المواطنين السودانيين فى سجن كبير إسمه السودان، ومعاملتهم كعبيد ليس لهم حتى حق العلاج والتداوى على نفقتهم الخاصة خارج السودان إلا بإذن منها مدفوع القيمة، على ان يكون الطلب مشفوعا بالدموع والمذلة والمهانة والركوع تحت اقدام السلطة !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة