تحقيقات وتقارير

رغم الضجيج.. الملف الحقوقي يتذيل اهتمامات واشنطن بالسودان


إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تعتبر الملف الحقوقي والإنساني أساسا في التعاطي مع الخرطوم رغم أنها تبدي عكس ذلك في بياناتها المنددة بعملية التضييق على الناشطين.

توالت في الفترة الأخيرة الانتقادات الأميركية لطريقة التعاطي الأمني للسلطات السودانية مع الحراك الاحتجاجي الذي شهدته بعض المدن بداية العام الحالي على خلفية غلاء الأسعار، بيد أن خبراء ومنظمات أميركية يستبعدون أن يكون لذلك أي أثر على مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين الذي انطلق منذ سنوات ليصل في أكتوبر الماضي إلى الرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية عن الخرطوم.

ومن المتوقع أن يستأنف مسار التطبيع مرحلته الثانية في القريب، حيث سيركز على ملف سحب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإعلان تطبيع كامل بين البلدين، بحسب ما أكده وزير الدولة لشؤون الخارجية السودانية، مؤخرا.

ويقول خبراء إن الإدارة الأميركية الحالية، لا تعتبر الملف الحقوقي والإنساني أساسا في التعاطي مع الخرطوم، رغم أنها تحاول أن تبدي عكس ذلك من خلال البيانات الشاجبة والمنتقدة، للتضييق على الناشطين السياسيين والمدنيين.

وأعربت السفارة الأميركية بالسودان، الخميس الماضي، عن “قلقها البالغ” مما وصفته بـ”إساءة” استخدام السلطة من قبل موظفي الأمن السودانيين. وقالت السفارة، في بيان “تواصل السلطات السودانية استخدام قوانين النظام العام الغامضة والتمييزية، أداة سياسية لاستهداف الناشطين”.

وأشارت السفارة في بيانها إلى أنها تشجع حكومة السودان على الإفراج عن جميع المحتجزين السياسيين المتبقين، داعية “مؤسسات السودان ومسؤوليه إلى دعم سيادة القانون وحماية حقوق السودانيين في الاجتماع والتعبير بحرية”.

وكان السودان قد أعلن قبل ايام عن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والإعلاميين (92 شخصا)، على خلفية الحراك الشعبي الأخير، بيد أن قوى المعارضة ومنظمات حقوقية دولية أكدت أن ذلك لم يحصل وأن السلطة أطلقت سراح 50 ناشطا فقط، وأن العشرات منهم لا يزالون قيد الحجز وبعضهم لا يعرف حتى الآن أماكن احتجازهم.

ولطالما شكل الملف الحقوقي والإنساني أحد الأسباب الرئيسية التي عرقلت العودة الطبيعية للسودان إلى أحضان المجتمع الدولي، بيد أن التغيرات والتقلبات التي شهدتها وتشهدها المنطقة، جعل من هذا الملف يتراجع ليتذيل أسفل ترتيب الاهتمامات الدولية والأميركية على وجه الخصوص.

ويشير مراقبون إلى أن السبب في انحسار الاهتمام الدولي والأميركي بالوضع الحقوقي والإنساني في السودان لا ينحصر فقط في وجود وتحديات في المنطقة فرضت نفسها كالإرهاب وتنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بل أيضا يعود في جزء منه إلى تغير العقيدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب والتي باتت تقوم على مبدأ ” أميركا أولا”، وتعني أن المصالح ستكون المحدد الرئيسي للعلاقة مع الدول، ومنها السودان.

وكشفت مؤخرا منظمة “كفاية” الأميركية أن راسمي السياسات في البيت الأبيض يدرسون وضع محفزات محتملة لحكومة الخرطوم تشمل تطبيعا كاملا للعلاقات الثنائية، عبر حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع التمثيل الدبلوماسي إلى تبادل السفراء، ودعم تخفيض الدين السوداني وزيادة أنشطة التبادل التجاري.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في أكتوبر الماضي على قرار برفع كامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ نحو 20 سنة، على خلفية دعم نظام الرئيس عمر البشير للإرهاب، وأيضا الاتهامات التي تلاحقه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وجاء القرار بحسب واشنطن، بعد استجابة الخرطوم لخطة المسارات الخمسة التي طرحت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وتقوم على وقف الاعتداءات في مناطق النزاع بدارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وأيضا الدفع صوب استقرار دولة جنوب السودان ودعم الحرب ضد الإرهاب.

ولا يلقى مسار تطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم تأييدا في الأوساط الدبلوماسية والحقوقية الأميركية، ويخشى البعض منهم أن يكون بمثابة “ضوء أخضر” للسلطات السودانية للمزيد من الانتهاكات.

وطالب عضو منظمة “كفاية” الأميركية سليمان بلدو في تقرير بعنوان “مؤشرات صارمة للمرحلة المقبلة من العلاقات الأميركية السودانية” (ترجمه موقع السودان تربيون) بضرورة التزام إدارة الرئيس دونالد ترامب، بتأييد من الكونغرس، بفرض عقوبات على المتورطين من المسؤولين السودانيين، في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

وأوضح أن “الولايات المتحدة حال إصرارها على المضي قدما في مسار تطبيع العلاقات مع السودان، عليها أن تمارس بعض الضغوط المالية البارزة والمبتكرة لضمان تحقيق الأهداف المحددة لسياساتها”.

المصدر: صحيفة العرب / بريطانيا.