جعفر عباس

تمجيد في غير موضعه


عندما كنت مدرسا للغة الإنجليزية بالمرحلة الثانوية، في السودان، كان أحد طلابي يتمتع بمناعة وحصانة ضد تلك اللغة، وعلى مدى سنتين متتاليتين لم اسمع له حسا خلال وجودي في حجرة الدراسة فأطلقت عليه اسم أبو الهول، لأنه كان يجلس واضعا يديه على الدرج، ومحملقا في الهواء دون ان تبدر منه أي حركة، وكلما وجهت اليه سؤالا اكتفى بهز رأسه بما معناه »حِل عني«، وعرضت عليه أكثر من مرة ان اقدم له مساعدة خاصة كي يقوم بتطبيع العلاقات مع اللغة الإنجليزية ولكنه كان مقتنعا بأنه غير مبرمج لنطق كلمة إنجليزية واحدة، ثم عرفت أنه يمارس دور أبو الهول ايضا في دروس الفيزياء والكيمياء، وأن غاية الطموح عنده هي ان ينال شهادة »إكمال« المرحلة الثانوية، كي »يحِل« أبوه عنه، وكان صمت أبو الهول السوداني من نحاس، لأنه لم يكسب من ورائه شيئا

منذ مطلع عام 2018 الحالي والمتوسبون العرب )مدمنو واتساب( يتبادلون لقطة قالوا إنها لعضو في مجلس اللوردات البريطاني وصل متأخرا إلى جلسة كانت بصدد مناقشة موضوع اقترحه هو، ولما وجد الموضوع قيد التداول، تقدم باستقالته من المجلس، وتقصيت الأمر عبر جميع القنوات وثبت لي أن الحكاية من أولها إلى آخرها خرطي وكذب، مما يؤكد سوء ظني بمعظم ما يرد من »أخبار« عبر واتساب، والتعامل معها من منظور »إذا جاءكم فاسق بنبأ«، لا أعني أن يرسل مثل تلك الأمور كاذب فاسق، ولكنني أدعو من يتلقونها أن »يتبينوا«.

وبالتأكيد فإن الغربيين عموما يحترمون المواعيد والتزاماتهم والبريطاني إذا قال في أمر ما »آي بروميس«، فهي تعهد أقوى من القسم المغلظ المتبوع بـ»علي بالطلاق وأعدم أولادي….« الذي يصدر من كثير من الحناجر العربية، ولكنك تجد بين البريطانيين شخصا مثل جيمس كران، عضو البرلمان عن دائرة بيفرلي آند هولدرنيس، ويخيل إلي ان الرجل من أصل عربي أو يحمل جينات عربية، وربما كان اسمه الاصلي جمعة قرعان، فمنذ ان أن دخل البرلمان، وهو يقول لنفسه في كل جلسة: لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن لم تصنه فضحَك!! فالنائب المحترم كران لم يفتح فمه بكلمة واحدة في البرلمان طوال ثلاث سنوات، لم يشارك في نقاش أو يطرح سؤالا، لا منطوقا ولا مكتوبا، وحتى عندما يتطلب الأمر رفع الأيدي للتصويت فإن كران وفي غالب الأحوال يضع يديه في جيبيه أو يتفادى الجلسات البرلمانية التي تتطلب التصويت، ومع هذا فإنه يتقاضى سنويا راتبا قدره 184 ألف استرليني، وفوقه بدلات للمكاتب والمساعدين تبلغ اكثر من 170 ألف استرليني، ولأن دائرته تقع خارج لندن حيث مقر البرلمان فإنه يتقاضى 56 ألف استرليني نظير الإقامة في لندن خمسة أيام في الأسبوع، فضلا عن »نثريات« تبلغ 19 ألف استرليني!!

هل فهمتم لماذا أعتقد أن هذا الرجل برلماني عربي أو من اصل عربي؟ بالضبط: لأنه لا يحل ولا يربط ولا يهش ولا ينش، ويدخل جيبه نحو 700 ألف دولار سنويا!! وفي مجلس اللوردات البريطاني وهو أكبر تجمع للتنابلة على وجه الأرض، احتفل أحد اللوردات مؤخرا بمرور 32 سنة عليه في المجلس دون ان يقول كلمة واحدة، رغم أنه لا يفوِّت جلسة، فهو حريص على حضور الجلسات وعندما يشتد النقاش يضع رأسه على كتفه الأيمن، و… خ خ خ خ خ خ، ولم تصدر شكوى من أي من أعضاء المجلس من شخيره، لأن معظمهم يعانون من ضعف السمع أو الصمم التام!!
يعني الحال من بعضه في البرلمانات شرقا وغربا. مع نسبة عالية من الشطح شرقا.

 

 

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس