تحقيقات وتقارير

بعد اعتراف وزير الإرشاد… التطرُّف.. خطر يطل من المنابر


اعتراف مشوب بتحذير أطلقه وزير الإرشاد والأوقاف الاتحادي أبوبكر عثمان، وهو يقر بتنامي ظاهرة التطرف في المساجد محذراً في الوقت نفسه خلال مخاطبته انعقاد مجلس أمناء هيئة الدعوة من انفلات الأمور إن لم يتم التصدي لها وضبطها..

تحذيرات وزير الأوقاف من وجود التطرف بالمساجد تعيد إلى واجهة الأحداث اتهامات وجهت في فترة سابقة لخطباء وأئمة مساجد بالعاصمة بنشر التطرف والغلو وإثارة الفتن من منابر الجمعة، والندوات الدينية التي تقام في المساجد عبر ما تعتمده من مناهج في خطبهم التي تتسم بالتشدد وزرع الكراهية بما يتنافى مع دور منابر المساجد ورسالتها وما يمكن أن تقوم به في مواجهة التطرف والإرهاب. وكانت الدولة وقتها بدأت مساعي لإحكام سيطرتها على المساجد.

وفي السياق أصدر وزير الإرشاد والأوقاف السابق د. عمار مرغني لائحة لتنظيم المساجد والخطاب الديني لمكافحة التطرف والغلو الديني من خلال ضبط الخطاب الدعوي وتحسين العمل الدعوي وحض الدعاة على الحديث في المسلمات وما يجمع لا ما يفرق وتجنّب التكفير والرمي بالشرك.

تنامي الظاهرة

مراقبون يرون أن المساجد التابعة لتنظيمات أو جماعات معينة تقع عليها المسؤولية في توجيه الخطاب في المسجد، وعلى مرجعيته ونوعية النهج الذي ينتهجه وأنها السبب الرئيس في تنامي ظاهرة التطرف، لكن رئيس المجلس الأعلى للدعوة بولاية الخرطوم د. جابر عويشة ينفي ذلك بشدة، ويؤكد على تبعية كل المساجد لإدارة الدعوة بالولاية، وأنه لا توجد مساجد تابعة لجهات، مشيراً في حديثه لـ(الصيحة) إلى وجود لائحة تمت إجازتها من قبل المجلس التشريعي للولاية لتنظيم دور العبادة والخطاب الديني، وأن هناك برامج مشتركة بين الجماعات والطرق.

ونفى د. جابر عويشة وجود ظاهرة تطرف في ولاية الخرطوم بالمعنى أو القدر الذي عناه الوزير، قبل أن يقر بوجود مساجد في بعض مناطق ولاية الخرطوم لا تخلو من التطرف الذي قال إنه لم يصل حد الظاهرة المزعجة والمخيفة التي يمكن التحذير منها.

ورجح عويشة أن يكون حديث وزير الإرشاد والأوقاف حول التطرف قد جاء على خلفيات ومعلومات اتحادية متوفرة لديه تشير إلى وجود هذه الظاهرة في الولايات الأخرى، مضيفاً أنهم في ولاية الخرطوم يتبعون منهج الحوار والعمل بالحسنى في ضبط هذه الظاهرة، ويقومون برصد ومتابعة المشكلات التي تنشب في المساجد عبر لجان، وزاد بقوله: (إن كان هناك مسجد فيه تطرف أو غلو يتم التعامل عبر لجان المساجد، وفي حال فشل كل محاولات الحل، هناك لائحة ضبط الخطاب واللجوء إليها لضبط الشخص أو الجماعة، قاطعاً بعدم تدخل مجلسه في المنابر، وأن لكل خطيب الحرية في اختيار موضوع الخطبة.

منهج رافضي

ويتفق رئيس هيئة شؤون الأنصار د. عبد المحمود أبو مع ما قاله وزير الأوقاف والإرشاد بأن هناك بعض الدعاة دون أن يسميهم خطابهم يحمل عداء واضحاً للجماعات التي يختلفون معها، منوهاً إلى أن وزير الإرشاد هو الرجل القيم على النشاط الديني في السودان، ويعلم أن بعض الخطباء لا يلتزمون في المنابر بالخطاب الذي يوحد أهل القبلة.

وأكد د. أبو في حديثه للصيحة، وجود جماعات دينية في السودان تنتهج منهجاً يرفض منهج الجماعات الأخرى ولا تراعي مشاعر الآخرين، ولا تحترم عقائدهم ورموزهم، ويظهر ذلك من تناول خطبائها ويقومون في المساجد بسب أشخاص ورموز أو عقيدة الجماعات التي يختلفون معها، منوهاً أن هذا من شأنه أن يخلق نوعاً من الفتنة، داعياً إلى ضرورة الاستفادة من تجربة سلطنة عمان التي بها مدارس وطوائف إسلامية متنوعة ومتعايشة وبنص الدستور، فإن كل جماعة تعبد الله بالطريقة التي تراها دون أن تتعرض للآخرين لا بالمدح أو الذم، وهذا المنهج الأنسب الذي يجب الالتزام به دون التعريض أو التجريح لطرف. مشيراً إلى أن الأمور الدينية الإسلامية في السودان تقوم بإدارتها جماعات، والدولة دورها رمزي إشرافي ثانوي، وليس دوراً رسمياً، وهذا ما يسبب ما أسماه بـ(الإشكالية)، مشيراً إلى أن ذلك ينطبق أيضاً على الدعاة المحسوبين على الحكومة الذين يؤيدونها ويتبنون سياساتها والدفاع عنها من خلال منابر المساجد، وهذا من شأنه أن يثير جماعات ربما يكون لها موقف من الحكومة، ويتصدون لهم . منادياً بعقد ملتقى جامع لكل ممثلي الجماعات الإسلامية في السودان لإدارة نقاش وصولاً لاتفاق على الثوابت والالتزام بها، وتحديد العوامل المفرقة ليجنّبها ومن ثم وضع ميثاق ثقافي ديني فكري، يكون ملزماً للجميع حتى لا يتم التعرض من طرف لآخر، وأعتقد بهذا الاتفاق والاقتناع يمكن أن نقلل من التطرف.

مجتمع متسامح

من جانبه قال إمام مسجد الصحافة المهندس محمد محجوب إنه لا يرى أن التطرف أصبح ظاهرة في السودان لدرجة يتم التحذير منها، مرجعاً ذلك إلى طبيعة المجتمع المعروف بالتسامح وعدم ميله للتطرف، مقللاً من حالات التطرف التي تظهر من بعض الأئمة والتي دعا لعدم تصعيدها وأن تتم معالجتها في إطار لجنة المسجد، وفي حال رفض الشخص أن يقتنع يتدخل بعض المصلين، وأكد محجوب أن هناك بعضاً من الشباب ويعرفون اصطلاحاً (بالعصبجية) الذين تقوم دعوتهم على شتم الآخرين وأنهم اعتادوا على الهجوم على العلماء والأئمة دون وجه حق، خاتماً بقوله: (نؤيد إيقافهم عن الخطابة في المنابر والندوات لأنهم يثيرون الفتن والنعرات بين جماعات المسلمين).

واتفق محجوب مع د. أبو أن يتم حل مثل هذه القضايا الخلافية عبر لجان المساجد، لكن ليس عبر الدولة باللوائح والخطب الموجهة لأنها ستقابل بالرفض ليس من قبل الأئمة، بل حتى من الناس العاديين.

ونفى محجوب وجود كتب تدعو للطرف توزع في المساجد أو ضمن الكتب الموجودة في المكتبات الملحقة بالمساجد، وقال إن الموجود رسائل قصيرة في صفحات محدودة، بل الناس في المساجد تشكو من قلة كتب الفقه.

الصيحة.