الفاتح جبرا

الله يرحمك يا حسين


كنا في دول الإغتراب البترولية قبل سنين طويلة وكان صديقنا (حسين) الذي يعمل موظفاً صغيراً في أحد البنوك تستحوذ عليه فكرة أن يكون ثرياً في أحد الأيام، مبتكراً طرقاً وخططاً لتنفيذ حلمه هذا لا يمكن أن تخطر على بال بشر فهو يرى (وهو محق في ذلك) أن الثراء لا بد له من وسيلة إذ أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وأنه لابد للإنسان أن (ينحت مخو) ليقوم بتغيير حياته من (الشقاء) إلى (الثراء)، عيبه الوحيد كان أن تلك المسألة كانت تستحوذ على جل تفكيره وتشغله على مدار اليوم وبالتالي (تشغلنا معه)!
خلاس بس لقيتا
أها شنو؟
السودان ده فيهو كم خياط؟ فيهو يعني كم ترزي؟
كتار ليه؟
خلاس لقيتا بس…
لقيت شنووو؟
إبر بس إبر!!

كدي يا حسين روق شوية وختنا في الصورة!
شوف يا حبيب.. الترزية الكتار ديل أكيد شغالين بي مكنات.. والمكنات دي عايزة إبر وكل شوية الإبرة تنكسر والترزي يقوم يغيرا.. وطالما الترزية ديل كتار معناتو عاوزين إبر كتيره
وعلى الرغم من الإستغراش الذي يبدو حينها عليك إلا أن حسين (يواصل) في شيء من التأكيد موضحاً مزايا مشروعه:
بعدين ما تنسي إنو القصة ما فيها جمارك؟
كيف يعني؟
الإبر دي ما صغيرة.. يعني ممكن أشحن معاي (مليون) إبره في شنطة واحدة… (دقيقة نشوف الربح بيطلع كم)، يخرج آلته الحاسبة من جيبه ثم يبدأ في (التضريب) وهو (يكلم) في روحو بصوت عال:

قول دستة الإبر بي نص ريال.. طيب مليون إبره بي… نقسم المليون على إطناشر.. تطلع… وهناك نقوم نبيع الدستة بي خمسة جنيه يبقى.. خمسة في مليون على إطناشر……
ويستمر (حسين) في تضريباتو بينما تكون أنت قد غادرت وتركته وحيداً مع عالمه ذاك…
مشكلة (حسين) الأساسية لم تكن حلمه في أن يصبح (غنياً) إذ أن هذا الحلم عادي جداً و(مشروع) بل أنه أحياناً يراود بعضنا، ولكن مشكلته هي أن جعل هذا الحلم محور حياته فما أن تقابله في اليوم التالي حتى يفاجئك قائلاً:

سجق أرانب بس، سجق أرانب
وبينما (تدخل) أنت إلى منطقة الإستغراش (يخرج) هو إليك وصف الفكرة وخصائص المشروع:

إنتا عارف (الأرنب) في الولدة الواحدة بيلد كم؟
ما عارف… كم؟
بين أربعة وستة.. وفي كمان سلالات بتلد عشرة..
عارف الأرنب فيهو كم كيلو؟
وبما إنو العبدلله عمرو ما شال ليهو أرنب ختاهو في ميزان يواصل حسين قائلاً:
الأرنب فيهو بين كيلو ونص وإتنين كيلو ,, والأرنب الروسي ممكن يجيب ليهو خمسة ستة كيلو!!
ومن الوزن والولادة ينتقل (حسين) إلى المشروعية الدينية لمشروع ثرائه:

إنتا عارف أكل الأرانب حلال؟
أيوه حلال؟ وكمان بعرف إنو في (ملوخية بالأرانب)
طيب وكت عارف خلاس.. يبقى المشروع أفتكر ناجح
ويستمر (حسين) في شرح المشروع الذي سوف يكسبه ذهباً ويخرج به من (خط الفقر) إلى خط (18) مواجهاً مرمي الثراء العريض، شارحاً بأنو المسألة كولها إنو ياخد مكافأتو من البنك ويختف كراعو على (روسيا) ويشتري ليهو (كم دستة) أرانب روسية ويشحنا للسودان وهنالك يقوم بعمل (أقفاص لها) في مزرعة يقوم بتأجيرها لذات الغرض ويقوم بعلفها من بقايا (سوق الخضار) – لتقليل تكلفة الإنتاج – ومن ثم ذبحها وتحويلها إلى (سجق) وتعبئتها وتسويقها بعد أن يقوم بعمل حملة إعلانية لتغيير الثقافة الغذائية لدى المواطنين وإقناعهم بأن لحم الأرنب أكثر إستصاغة من بقية اللحوم وأنه خال تماماً من الكلسترول، ولا تلبث الأسواق والسوبرماركتات أن تمتلئ ثلاجاتها بـ (سجق حسين) وما أن ينتهي صاحبنا من الشرح حتى يخرج (آلته الحاسبة):
مية دستة (أرانب روسية) بي ألف وتسعمية (روبل) والألف روبل تساوي خمسة وخمسين دولار.. نضربا في سعر الريال الموازي لسعر الجنيه السوداني المزازي تطلع…

كلما صرح أحد المسؤولين بمشروع (هلامي) يخرجنا من هذا الفقر المدقع إلى الثراء العريض أتذكر صديقنا (حسين) وقصصه ومشروعاته (الغريبة) تلك، حيث أصبحت الصحف تطالعنا بصورة مستمرة بمثل هذه الأحلام فهاهو وزير السياحة يصرح قبل فترة بزيارة خمسة مليون سائح صيني للبلاد خلال هذا العام بينما لا توجد في بلاده خمسة فنادق خمسة نجوم.
وكان قبلها قد صرح وزير المعادن السابق (الكاروري) في ذات يوم من شهر يوليو من العام 2015 وهو يوقع عقداً مع إحدى شركات التنقيب الروسية بأن احتياطي الذهب الذي قامت بمسحه يقدر بـ 46 ألف طن وتتجاوز قيمته تريليوناً وسبعمائة مليار دولار (دولار يحك الدولار)!
وتتواصل (أحلام حسين) حيث خرج علينا مؤخراً السيد وزير المعادن البروف هاشم على سالم بتصريح مفادة إن هذا الشعب لن يبلغ الثراء العريض إلا باليورانيوم (الواااحد ده) وأننا سوف نصبح في القريب دولة (يورانيومية) حيث ذكر سيادته أن البلاد تحتوي على نسبة مقدرة من اليورانيوم تضعه في المرتبة الثالثة بين دول العالم في حجم احتياطي اليورانيوم!
كسرة:
هي لكن بدون أي مسوحات أو دراسات (يعني يورانيوم بالنظر) الله يرحمك يا حسين!!

كسرة:

• كسرة تصريح النائب العام: (لا حماية لفاسد ولا كبير على القانون)… في إنتظار ملف هيثرو (ليها شهر)!

كسرة جديدة لنج: أخبار كتب فيتنام شنو (و) يا وزير المالية ووزيرة التربية والتعليم شنو (و)… (ليها ستة شهور).

• كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 94 واو – (ليها سبع سنوات وحداشر شهر)؟

• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 53 واو (ليها أربعة سنوات وستة شهور).

 

 

 

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة