الصادق الرزيقي

ما وراء يوم الزيارة..؟


لا بد من البحث عن الطارئ الذي عجَّل بزيارة الرئيس البشير إلى القاهرة، فهي زيارة لم تكن متوقعة ولا محسوبة وتم الترتيب لها بسرعة وتعجل لافت، ولعلها كانت مربوطة بزيارة مدير المخابرات المصرية للخرطوم

أخيراً وتحركات قام بها الفريق صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات جال فيها ما بين جوار السودان والمنطقة العربية، ولعل أبرز ما تسرب قبيل الزيارة بساعات، أن هناك أموراً غاية في الأهمية والحساسية لا بد أن يبحثها الرئيسان مباشرةً وفي لقاء خاص وجهاً لوجه لا تنفع مناقشتها عبر الاتصالات الهاتفية!!

> ويمكن قياس حجم التوافق بين الرئيسين والاتفاق بينهما، بما جرى بعد الاجتماع المغلق الذي لم يزد عن ساعة أو ساعة ونصف الساعة، بعدها توجها إلى استاد القاهرة لمخاطبة لقاء جماهيري في احتفال عيد الأسرة المصرية، ولا ندري هل كان مخططاً أن يحضر الرئيس البشير الاحتفال أم أنه من ثمرات اجتماع الرئيسين وما تمخض عنه، وانعكس إيجاباً وتم تتويج ذلك بحضور الاحتفال الكبير الذي ظهرت فيه علامات الرضاء.

> لكن تظل الأسئلة المشروعة في مكانها، فما صدر من تصريحات للرئيسين وإفادات رسمية في الجانبين، يشير بوضوح إلى حدوث تحول كبير ومفاجئ في علاقة البلدين بعد توترات قاسية وحادة، لكن العبارات التي تم التعبير بها عن لقاء الأمس والزيارة، ثم التحول الدراماتيكي للإعلام المصري، هي ذاتها التي تحدث كل مرة عندما تكون هناك انفراجات في العلاقات، ومن الملاحظات أن الطرفين التزما عدم الإفصاح عن أية تفاصيل دقيقة عما جرى بحثه في هذه الزيارة القصيرة المهمة، وهذا ما يؤكد أن هناك بالفعل قضايا وشؤوناً طارئة وملحة، ولا يمكن مناقشتها عبر مبعوث أو في أثير الهواتف وذبذباتها ومجالها الكهرومغنطيسي المفتوح، وما قيل هو الرغبة الحقيقية بين الشعبين في تسوية كل خلاف وإشاعة روح التعاون وتعميق الترابط والروابط التي تجمع وادي النيل وإزالة كل العقبات التي تعترض مسار العلاقات الخاصة بين البلدين، وهناك إشارات إلى الآليات التي يجب تفعيلها لتعمل على إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعيداً عن التوتر والاتهامات.

> ويبدو أن العلاقات الأمنية وما يتهدد المنطقة، هو المحفز الأول للتقارب السريع بين البلدين، فاستشعار الخطر وما يدهم الإقليم عربياً وإفريقياً، وما يجري الترتيب له من قوى خارجية تتآمر على المنطقة كلها، جعل هذه الزيارة مفتاحاً لمرحلة جديدة قد تنهي حالة الشد والجذب، فهناك بلا شك قرون استشعار عالية الحساسية ترصد ما يدب في الخفاء، وهو ما جعل العلاقات الأمنية أولوية في زيارة البشير للقاهرة، وسيكون هناك ما بعد لقاء القيادتين أمس، ولا تخطئ عين أن وجود البشير في القاهرة في هذا التوقيت أعطى بعداً للانتخابات الرئاسية التي حتماً سيفوز فيها الرئيس السيسي.

> وما يتوجب النظر إليه في علاقة السودان ومصر، أنها وصلت إلى مرحلة ينبغي فيها حل كل المشكلات العالقة جملة واحدة، وألا تطغى اللغة التصالحية على ما هو قائم ومعقد، فمن الممكن أن تكون اللغة التصالحية وتبادل الزيارات مدخلاً للحل وتمهيداً لتجاوز الخلافات بشكل نهائي وسريع، فإذا كان الرئيسان قد أفلحا في جذب العلاقة من الوقوع في الهاوية، فالتعويل عليهما بقوة الإرادة السياسية التي عبرا عنها أمس، لعبور كل نقاط الخلاف إلى ما هو أكبر وأعمق، ونأمل في هذا التحول الكبير في علاقة البلدين أن تغلق كل الملفات المفتوحة وإيجاد حلول لها فـ (كعب أخيل) هو قضية حلايب، ثم القضايا المختلف عليها أمنياً كوجود المعارضة السودانية ودعمها ونشاطها، ثم التوافق والتفاهم حول الأوضاع الإقليمية التي تتطور وتتبدل إيقاعاتها بسرعة، وتتطلب موقفاً موحداً منها يحقق المصالح العليا والمنافع الكبرى بين الجانبين.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة