عثمان ميرغني

البشير في القاهرة ..!!


في أبريل من العام 1971 زار العاصمة الصينية “بكين” 9 من لاعبي تنس الطاولة الأمريكيين.. ليلعبوا مبارياتٍ ودية مع رصفائهم الصينيين، وكانت العلاقات بين البلدين أمريكا والصين في قمة وضعها العدائي السافر.. لكن زيارة فريق تنس الطاولة الأمريكي أدت لتذويب الجليد ثم بدأ التطبيع إلى أن وصل الأمر مراحل متقدمة من التعاون والتفاهم.. فأطلقوا على تلك الواقعة )دبلوماسية تنس الطاولة( أو كرة )البنق بونق(..
أمس؛ زار الرئيس عمر البشير القاهرة، في أجواء ظلت ملبدة بالغيوم والرعد المنذر بالصواعق.. سألتني عدة فضائيات استضافتني أمس.. هل تنجحُ هذه الزيارة في إزالة الاحتقان والتوتر بين البلدين؟
والإجابة من عندي كانت.. لا..!!
العائق الذي يمنع تدفق مياه العلاقات بين البلدين ليس في القصر الجمهوري السوداني، ولا قصر الاتحادية المصري.. رغم أنه في يوم من الأيام كان كذلك.. فعندما صرح الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري بمقولته الشهيرة )إنني لن أطأ أرض مصر(، رد عليه مباشرة الرئيس محمد أنور السادات، )إنَّ أرض مصر طاهرة(.. وهي عبارة حارقة تصوب ما يقرب من )الشتيمة( إلى الطرف الآخر.. في تلك اللحظات التاريخية كان الخلاف بين القمتين، لم ينحدر إلى المؤسسات الأسفل بل ولم يكترث له الشعبان.. كنا طلاباً في القاهرة نمارسُ حياتنا اليومية ولا نحس إطلاقاً بكدر العلاقات بين البلدين..
لكن جاء زمان أصبح فيه مجرد )تكشيرة( دبلوماسية مع أحد الطرفين قادرة على إحراق حقل زهور العلاقات الثنائية.. حتى وصلت مرحلة تبادل طرد المواطنين.. كانت الطائرة السودانية تحط في مطار القاهرة بحمولة ركاب يحملون كلهم تأشيرة دخول سارية المفعول، ومع ذلك تعيدهم سلطات مطار القاهرة عن بكرة أبيهم بلا كلمة تفسير أو اعتذار.. وبالمثل كان الوضع في مطار الخرطوم مع الفارق العددي في أرقام السودانيين المرتدين من مطار القاهرة..
ثم تطور السوء أكثر.. فدخل البلدان مرحلة الضرب المتبادل للدبلوماسيين.. نعم الضرب وليس الطرد.. ركلة بركلة وصفعة بصفعة والبادئ أظلم.. كل هذا على أرضية مبتلة باتهامات سافرة بتورط في محاولة اغتيال الرئيس المصري..
صحيح تبادل البلدان )الطبطبة( الدبلوماسية في أواخر عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك.. لكن مواسم الفرح كانت تمر عابرة ويبقى الخصام..
الآن زيارة الرئيس عمر البشير للقاهرة قد تطفيء بعض نيران الغضب المتبادل.. وتقرب الأنفاس شيئاً ما.. لكن بكل تأكيد يظلُّ تحت الرماد وميض نار يوشك أن يكون لها ضرام..
المطلوب ممارسة دبلوماسية )السفور المتبادل( أو )الكلام في الممنوع(.. وضع كل الهواجس على الطاولة.. بلا رتوش أو تنميق.. يكشفُ كل طرف ما عنده.. ويشهرُ مصالحه التي يرجوها من الطرف الآخر..
ماذا تريد مصر من السودان؟ وماذا يريد السودان من مصر؟
في الهواء الطلق.. على رؤوس الإعلام..!!

حديث المدينة
عثمان ميرغني


تعليق واحد

  1. ماذا تريد مصر من السودان؟ وماذا يريد السودان من مصر؟
    ( مقالات ومؤتمرات وتحليلات وزيارات وتوقعات واجتماعات وحلقات ونقاشات وصحفيين وصحفيات ) الموضوع ببساطة (مصر عايزة مياه حتى لو كان من نصيب السودان . والسودان عايز مصر تتركة وشانه ) يعنى مامحتاجة كل الحبر والصحف والخسارات دى كلها