تحقيقات وتقارير

مسرحها مركز الحماية بالدامر .. قصة تعذيب “طفل” للإعتراف بجريمة لم يرتكبها


جرائم غريبة أطلت برأسها في أوساط المجتمع السوداني، فلم يعد مستغرباً لدى البعض أن يحدث ما هو أسوأ من ممارسة العنف ضد الأطفال. أصبح الرأي العام لا يتفاجأ بالأخبار التي يتناولها الإعلام بمختلف وسائله عن قضايا الطفولة ومعاناة الأطفال والجرائم المتعددة التي تقترف في حق الطفولة.
(آخر لحظة) تطرح هذه القضية التي دارت أحداثها خارج الخرطوم، في الأقاليم التي يظن البعض أنها ملاذ آمن للأطفال، الرواي فتح العليم عبد الماجد من ولاية نهر النيل – الدامر، هو الأخ الأكبر للطفل الذي تدور حوله هذه الأحداث. بدأ عبد الماجد حديثه لـ(آخر لحظة) قائلاً: أخي الأصغر الطاهر عبد الماجد يبلغ من العمر 16 عاماً، كان شاهداً على إحدى جرائم السرقات التي ينفذها بعض أبناء الرُحل الذين يسكنون بالقرب من منطقتنا.

بلاغ سرقة

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يسرقون فيها، لكن لسوء الحظ كان أخي شاهداً ورأى الفتية يسرقون أغنام أحد المواطنين بالحلة، وظل يراقبهم حتى قاموا ببيعها، قام أخي بإخبار صاحب الأغنام عن أغنامه التي سرقت وتم القبض على الجناة الذين اعترفوا بارتكابهم الجريمة وتمت معاقبتهم من قبل ذويهم بالضرب المُبرح.

أعيدت الأغنام لصاحبها وكنا نظن أنها نهاية القصة، إلى أن تكررت الجريمة مرة أخرى من الفتية وتم القبض عليهم دون مساعدة من أخي، إذ قبض عليهم صاحب المسروقات داخل مخزنه بالمنزل، فاقتادهم للقسم ومعهم المعروضات – أكياس من الحناء – وهنا سلكت القضية مجرى آخر.

ويواصل فتح العليم في سرده للتفاصيل فيقول: بعد أن تم القبض عليهم بالجُرم المشهود، تم حبسهم بقسم الدامر، وعند بداية التحقيق معهم أنكروا ارتكابهم للسرقة لكنهم أقروا بها بعد ذلك تحت ضغط أخي الطاهر بسبب شهادته ضدهم في سرقتهم السابقة، فأرادوا توريطه معهم.

انتحال شخصية

يضيف فتح العليم: حضر بعض رجال الأمن إلى منزلنا برفقة تاجر الحنة الذي قام بفتح البلاغ ضد الفتية السارقين، وقد جاءوا معه في عربته الخاصة ولم يكن معهم أمر قبض لأخي، كما أنهم لم يأتوا عن طريق اللجان الشعبية للحلة كما هو معتاد، فاللجان هم من يدلون جهات الاختصاص على منزل الشخص المطلوب.

كانوا يسألون فرداً فرداً حتى وجدوا المنزل ولم يكن أخي بالمنزل، فهو يعمل بعربته الكارو في السوق.
أخذ صاحب البلاغ رقم هاتف أخي وقام بمهاتفته منتحلاً شخصية شقيق والدتنا، خالنا فيصل عبد الله، وأخبره أن لديه بصلاً يريد ترحيله لمنطقة (السعديناب).

وفور وصول أخي للمكان الذي وصفه له منتحل شخصية خالي، ترجل منتحل الشخصية ومن معه من العربة وقبضوا على أخي واقتادوه لمركز الحماية بالدامر، وهو المكان الذي تم فيه فتح بلاغ السرقة.
هناك قاموا بعرض المتهمين عليه وأخبرهم بأنه يعرفهم، فهم سارقون معروفون لدى سكان الحلة، فاتهموه بأنه قام بتحريضهم عبر التهديد لارتكاب هذه السرقة، إلا أن أخي أكد بأن لا علاقة له بهذا الأمر، لم يكترث المسؤولون لحديثه وانهالوا عليه ضرباً بالخراطيش ليقر بجريمة لم يرتكبها.
ويضيف فتح العليم: ظل أخي ثابتاً حول موقفه رافضاً الاعتراف بجريمة لم يرتكبها بالرغم من تعدد أشكال التعذيب التي تلقاها بقسم الحماية، فقد قاموا بإجباره على ممارسة تمارين ضغط قاسية تحت التهديد بالضرب.

اعترافات ملفقة

ويواصل فتح العليم: ظل أولئك النفر يمارسون أشد أنواع العذاب على أخي الصغير منذ أن تم القبض عليه، منذ صلاة العصر وإلى الساعة العاشرة مساءً، وأمر أحدهم ممن هم تحت إمرته أن يكتب اعترافات ملفقة لأخي بعد أن أصابه اليأس من ضربه، أمر المأمور بكتابة أول اعتراف بأنه قام بتحريض الفتية على السرقة، والتهمة الثانية تهمة اغتصاب هؤلاء الفتية.

وتم تدوين كل التهم في حق أخي الذي وضع في الحبس، وكان ذلك في نهاية فبراير من العام الجاري.
في صبيحة اليوم الذي حُبس فيه أخي – يقول فتح العليم – توجه أفراد أسرتي لقسم حماية الأسرة والطفل ومنعوا من رؤية أخي، وأخبرونا باعترافه بجميع التهم الموجهة إليه.

طلب شقيق والدتنا بإجراء فحص طبي للأولاد حتى يتأكدوا من صحة تهمة الاغتصاب التي وجهت لأخي.
ما حدث أنهم قاموا بتغيير البلاغ من بلاغ اغتصاب إلى بلاغ تحرش، لتفادي إجراء الفحص الطبي.

ثم قام أحدهم بطلب مبلغ (1500) جنيه لتغيير التهم من اغتصاب لتحرش، قائلاً بأن ذلك سيخفف العقوبة عن أخي.
رفضنا إعطاءه المبلغ وطلبنا إخراج أخي بضمانة إلا أنهم رفضوا، وجاءوا بأولياء أمر المتهمين بالسرقة ووجهوهم بفتح بلاغ تحرش ضد أخي، حتى يتم حرمانه من إطلاق سراحه عبر دفع الضمانة.

أذى جسيم

لم نكن نعلم في بداية الأمر سبب تمسكهم بإبقائه في الحبس، لكننا وبعد أن رأيناه عرفنا الأسباب، فقد كان أخي مشوهاً من شدة الضرب الذي تلقاه.
كان أخي غير قادر على جر قدمه اليمنى التي تورمت من شدة الضرب حتى تكونت بها عقد من الدم، وكانت أنحاء جسده تتورم بها العُقد الدموية ذات اللون الأسود الداكن المائل للأخضر.

طالبنا المركز بالسماح لنا بأخذه وعرضه على الطبيب بالمستشفى، رفضوا في البداية فهددناهم بفتح بلاغ ضدهم.

سمح لنا بأخذ أخي للمستشفى بعد أن قام بمرافقتنا اثنان منهم.. وفور وصولنا لمستشفى الدامر قابلنا الطبيبة التي أكدت تعرض أخي للضرب المبرح الذي سبب له الأذى الجسدي.

قامت الطبيبة بكتابة تقرير طبي كامل عن حالته الصحية التي تدهورت نتيجة الضرب والتعذيب.. وخاطبت الطبيبة الشخص إياه، أنها في حالة تزوير أو إخفاء ذلك التقرير فإنها على استعداد تام لكتابته مرة أخرى.

حملنا التقرير الطبي الذي يؤكد تعرض أخي للأذى الجسدي جراء الضرب المبرح والتعذيب، توجهنا إلى رئيس قسم الحماية وأبلغناه بما حدث مع أخينا الصغير، فتقبل حديثنا وأخبرنا بأن القانون سيأخذ مجراه وسيحاسب كل من أخطأ وتمادى في خطأه.
قمنا بفتح بلاغ ضد مقترفي الجرم، وطالبنا بأخذ صورة من التقرير الطبي إلا أنهم رفضوا.

مساومات

تحدث المتهم بضرب أخي، مع أخي الأكبر نور الدين، وقال له بصوت تظهر عليه نبرة الخوف (أنا لوعارفو أخوكم ما كان ضربتو).
توسل إلينا بسحب البلاغ حتى لا نقطع عيشه، ولكننا رفضنا مساوماته التي استمرت طويلاً بداية بإسقاط التُهم الموجهة ضد أخي.

يختم فتح العليم تفاصيل الحادثة المؤلمة بقوله: ذهبنا لوكيل النيابة العام بالدامر وأخبرناه بما جرى.

فتح وكيل النيابة بلاغات لقسم حماية الأسرة والطفل وبلاغات أخرى سُلمت لجهة اختصاص عليا، وأخبرونا بأنه سوف يتم إجراء تحقيق عبر خطاب يرفع للرئاسة بالدامر.

تم التحقيق مع جميع المتهمين بتعذيب أخي، وتم رفع النتيجة للجهات المختصة وتناسى ما حدث من أمر المتورطين ومن أمر الأولاد المتهمين بالسرقة.
رأي قانوني

(آخر لحظة) التقت بالمحامي عمر قديلابي الذي كلفته أسرة الطفل الطاهر عبد الماجد بالدفاع عنه والمطالبة بحقه.

حيث قال إن هنالك فتح بلاغ يحمل رقم 27/2018/ تحت المادة 45ج، المتهم الأساسي فيها الطفل الطاهر، وتفاصيل فتح البلاغ ابتداءً تحت المادة 174 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، وقد تم كتابة عريضة لنيابة الدامر ومن ثم عريضة إلى الشرطة الأمنية بالدامر، حول التعدي الذي وقع في حق الطفل من قبل أفراد حماية الأسرة والطفل، وقد أكد التقرير الطبي الذي عُمل بأورنيك 8 صحة ما قاله الطفل الطاهر، وما زالت الإجراءات قيد التحري.

اخر لحظة.