سعد الدين إبراهيم

حزب «ساكت» العريض


[JUSTIFY]
حزب «ساكت» العريض

عندنا في السودان حزب كبير وعريض وغامض اسمه «حزب ساكت» وهو يضم عناصر متباينة.. ولا يشترط هذا الحزب لعضويته التفرغ لها، بل يضم أعضاء ينتمون إلى أحزاب أخرى عديدة .. لكنه أيضاً يضم في عضويته كميه من الناس «الساكت» أي «البدون».. والبدون لفظه ابتكرناها نحن المثقفاتية الذين ترفعوا عن الأحزاب إبان الديمقراطيه لإحصاء عدد الذين لا ينتمون حزبياً في الناس من حولنا.. فكنا نسجل الرجل والمرأة «بدون» أي بدون حزب .. وهالتنا النتيجة حتى أننا حصرنا عضوية الأحزاب الحقيقية في عشرة في المائة فقط من حضور ندواتهم السياسية الكبرى..

«حزب ساكت» حزب يفسر الأمور دائماً باللا شيء بعبارة «ساكت» وساكت هذه لديها عدة معان.. فساكت تعني صامت وتعني بدون سبب وتعني لا أدري.. وتعني لا تحصى وذلك ماجاء في غرار حب الإخوه «ديلك» للشاي الحليب.. في المقولة الشهيرة التي تذهب إلى أن الشاي «لو أحمر كب تسعي ولو بي لبن أسكت كب»..

وبمناسبة الحليب هذه أذكر أنني في أحد مقاهي القاهره طلبت من النادل أن يحضر لي كوباً من الحليب.. ويبدو أنه استنكر توقيتي لشرب الحليب فقال لي شاي بالحليب فقلت له عفو الخاطر: لا حليب ساكت.. فقال لي : ساكت ما بيتكلمش..

وكان أستاذ اللغه الإنجليزيه في الصبا يذم الفرد منا ويؤنبه قائلاً «يو آر سيتنق ساكت» أي «لا بتطقع ولا بتجيب الحجارة»..

وكثيراً ما التقي بمعارف أو أصدقاء فحين أسأل الواحد منهم: مالك بي جاي يقول لي «ساكت».. وذات مرة وجدت امرأة يهمني أمرها في خلوة مع نفسها وكانت تبكي بحرقه وحين سألتها لماذا تبكي؟ فقالت: ساكت، ولما ألححت لأعرف سبب البكاء عرفت باجتهاد مني أنها ربما أفضت بها الخلوة إلى الذكريات فانفتحت ماسورة ذكرياتها بالحزين من المشاهد .. فبكت.. إذاً هي لا تبكي ساكت بل لأسباب معقولة ومنطقية..

إذاً فمشكلتنا أن هذه العضوية الكبيرة التي تنتمي إلى حزب ساكت هي تفعل الأشياء وتظن أنها ساكت بينما أسبابها معقولة وفيها تبريرات كثيرة .. بيد أني أتراجع وأقول إذا كان هنالك «كُتاب» يقبضون من السفارات فإن ذلك يكون «ساكت».. ولا يكون بسبب خيانة الوطن والعياذ بالله ..لأني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائن ! أيخون إنسان بلاده؟

إضافة: في بيت بكا زمان حكى أحد المناضلين القدامى.. ويقال إنه أصابه مس بسبب الذكاء الخارق والعبقرية الفذة.. وأصبح أخيراً «قاعد ساكت» حكى أنه أيام زهو الشباب كان هو ورئيس الحزب متخفيين وركبا لورياً «بتاع موز» من كسلا ولما باتوا على مشارف الخرطوم اعتديا على السائق والمساعد وأخذا أموالهما وتوجها صوب المدينة.. ولما اختليت به سألته: هل حقاً حدثت هذه القصة فرد بالإيجاب ولما سألته: إذاً لماذا تحكيها فقال: ساكت!
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]