الصادق الرزيقي

تقدم إلى الخلف!!


محزن حقاً أن تفشل ولا تتقدم خطوة للأمام أول اجتماعات اللجنة الثلاثية التي تكونت خلال مشاركة قادة السودان وإثيوبيا ومصر في القمة الإفريقية الأخيرة نهاية يناير الماضي بأديس أبابا،

فقد اتفق يومها الرئيسان البشير والسيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق، على أن يلتقي وزراء الخارجية والري ومديرو أجهزة المخابرات من الدول الثلاث، لوضع التصور وسبيل الخروج من أزمة سد النهضة وطي الخلاف حوله، وأُعطيت مهلة شهر من لحظة لقاء القادة الثلاثة، لكن الاجتماع لم يلتئم إلا بعد مضي أكثر من شهرين بالخرطوم بحضور أعضاء اللجنة الثلاثية، ولَم يحقق أطول وأعقد الاجتماعات شيئاً ويتجاوز العقبات من نهار الخميس حتى فجر أمس الجمعة، وتفرق السامر لتعود الأمور إلى مربعها الأول دون إحراز التقدم المطلوب.

> أول الملاحظات بعد انفضاض الاجتماع، أن الدول الثلاث التي كانت حريصة على المشاركة وفق المستوى المحدد والمطلوب الذي قرر فيه الرؤساء في اجتماع أديس أبابا، لم تتحرك من مواقفها السابقة قيد أنملة، فإثيوبيا التي تم فيها تحول كبير في قيادة الدولة والحكومة لم تقدم أية تنازلات تذكر، وكان الوفد المصري، ومن خلال قراءة خاطئة للمشهد الإثيوبي، كان يتوقع أن يأتي الوفد الإثيوبي ومعه أفكار جديدة أو لديه قابلية لقبول المطلوبات المصرية.
> ثاني الملاحظات أن المفاوضات نفسها وقد غلب عليها الجانب الفني، لم تكن فيها أية فرص لمقاربة الآراء والأفكار الوفاقية، خاصة ما يتعلق بكيفية إدارة السد أو سنوات ملء بحيرته، فتمسك كل طرف من الأطراف وبشكل قاطع بما هو معلن عنه في السابق، أعاق التحرك البطيء جداً نحو ضوء في آخر السرداب المظلم، ولم تكن السياسة أو تقديراتها لتنفع في مثل هذه المحاورات الدقيقة ذات الطابع الفني العلمي، فملء بحيرة الخزان لا يمكن تحريك مواعيده ومواقيته أو سنواته أكثر مما يجب بقرار وتقدير سياسي، ولن يتم ذلك دون موافقة الفرق الفنية وخبراء المياه والسدود، ولا يمكن أن يقبل الوفد المصري بسهولة الطرح الإثيوبي، كما يتعذر قبول الطرف الإثيوبي الاشتراطات المصرية، خاصة أن للسد سعة تخزينية محددة واستخدامات تربط بمواعيد وأزمنة.

> والأمر الثالث أن السودان أصبح دولة أقرب للوسيط منه إلى طرف ثالث، فهو غير متضرر من أي من المواقف المطروحة أمامه، لكن مصلحته الحقيقية تكمن في التفاهم والتوافق والتعاون المصري الإثيوبي، وقد بذلت الخرطوم ما تستطيع واستفرغت وسعها في الاجتهاد لجعل المقترحات والمواقف أكثر مقبولية من الطرفين الآخرين، وستحاول مرات ومرات إذا توفر الوقت كما قال وزير الخارجية بروفيسور إبراهيم غندور.

> أما الجدير بالبحث والتدقيق فيه، هو ثم ماذا بعد هذا الاجتماع ونتيجته الصفرية؟ وهل هناك أفق آخر يضمن عدم تحول المواقف الراهنة إلى تطرف ومواقف حادة غير منتجة وفعالة قد تقود إلى مواجهات محتملة؟
> وغير متوقع بالطبع طريق ثالث، كما أنه من غير المنتظر حدوث معجزة ما، لكن من الطبيعي أن تتواصل المفاوضات قريباً، وإن لم تتم فهناك وقت يضيع ويضيق على الجانب المصري لأن السد قارب على الانتهاء، ولا سبيل لإيقاف العمل فيه بأية وسيلة كانت، ومن الصعب الاتفاق بعد الانتهاء من بناء السد، فإن لم تكن الآن وفوراً لا يوجد أي طريق آخر ..

> والمعضلة الأهم أن الرؤساء عندما كلفوا اللجنة الثلاثية (٣+٣+٣)، لم يكن لديهم أي خيار آخر غير الاتفاق والتفاهم، فإذا رفع تقرير الاجتماع بخلافاته وعقباته، ربما ينسد الأفق أمام الدول الثلاث في إيجاد حل عاجل ومقبول، وفي كل الحالات تبدو القضية أعقد مما نتصور، وربما يكون السبب في تعقيدها غياب الرأي العلمي والخبراء من أهل الاختصاص خاصة في الجانب المصري، لأن ثلاثة من كبار العلماء المصريين ومنهم وزيرا ري سابقان بالإضافة إلى الدكتور فاروق الباز الخبير المعروف في وكالة (ناسا) الأمريكية للفضاء، قالوا من قبل إنه لا خطورة أبداً لسد النهضة على الأمن المائي المصري، وإن ما يُثار كلام سياسي فقط.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة


تعليق واحد

  1. الحرب القادمة حرب مياه ..على السودان الإستفادة من أخطاء مشاكوس وفصل الجنوب بدون مقابل ، وعليه إدارة هذا الملف بحنكة

    وأن يضمن كل حقوقه بدون تفريض ووفق مستندات وإتفاقيات فيما يتعلق بإدارة السد وإنسياب المياه والإستفادة من الطاقة ثم إن كان هناك مجال لمساعدة مصر فلا حرج في ذلك

    على السودان أن يدير مصالحه دون ضغوط أو إملاءات أو مقايضات من تحت الطاولة وتقديم مصلحة السودان فوق كل المصالح الأخرى