تحقيقات وتقارير

مناوي والمهدي.. تداعيات (إنقلاب)


لم يكن انتخاب الصادق المهدي رئيساً لتحالف نداء السودان خلال اجتماعات باريس التي عقدت مارس الماضي محل ارتياح وسط كثير من المجموعات المنضوية للتحالف الذي تسيطر عليه حركات دارفور المتمردة بجانب الحركة الشعبية جناح عقار وعرمان. كما أن مقررات الإجتماع التي حملها ما عرف بالإعلان الدستوري كوثيقة حاكمة لعمل التحالف المعارض، تناوشتها سهام الإنتقاد بل والتنصل من القوى الرئيسية المشاركة في التحالف.

وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به الإعلان الدستوري، أصدر أركو مناوي بصفته رئيسا للجبهة الثورية “جناح حركتي مناوي وجبريل إبراهيم” بياناً أعلنت فيه تمسك الثورية بالعمل المسلح لأحداث التغيير، وذلك رغم إلتزام مناوي في إجتماع باريس الذي اختاره أميناً عاماً لنداء السودان بطبيعة التحالف المدنية، وأدواته القائمة على المقاومة الجماهيرية السلمية، والاستعداد للتخلي عن العمل العسكري كآلية لإسقاط النظام، والتزامها بأهداف الإعلان الدستوري السلمية المدنية.

إرهاصات “تحرك مضاد”

بعدها عقد المجلس القيادي للجبهة الثورية بقيادة مناوي، اجتماعاً للتداول حول تقييم مخرجات اجتماع “نداء السودان” الذي انعقد بباريس. وقال المتحدث باسم الجبهة الثورية – مناوي، محمد زكريا فرج الله، في بيان نشرته وسائل الإعلام إن الإنضواء تحت مظلة تحالف “نداء السودان” لا يمنعهم من العمل المسلح، ولا يعني أنهم ألقوا السلاح أو أنهم سيعتمدون على الوسائل المدنية فقط، كما لا يعني ذلك إجبار الحركات الثورية على ترك خياراتها الأخرى.

ما صرح به الناطق باسم الجبهة الثورية يبدو أنه كان “تغليفاً” لإخفاء القرارات الخطيرة التي توصل إليها التحالف الذي يضم حركات دارفور المتمردة، والتي كشفتها الوثائق المسربة من الإجتماعات والتي أشارت لقيادة الجبهة الثورية برئاسة مناوي لـ”إنقلاب أبيض” ضد رئيس نداء السودان ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي بسحب كافة صلاحياته لصالح الأمين العام لنداء السودان ورئيس الجبهة الثورية أركو مناوي باعتباره المسؤول التنفيذي الاول.

ودعا إجتماع الجبهة الثورية بحسب مركز (smc) لتقليص صلاحيات المهدي (أو سحب البساط من تحت أقدامه)، ومنح الامين العام حق القيام بالمخاطبات الرسمية وصياغة اللوائح وتنظيم المناشط. وشدد الإجتماع على إعطاء دورً أكبر للمجلس العشريني للجبهة في موازاة المجلس الرئاسي لنداء السودان، بجانب إشراك ممثلين للاجئين والنازحين وتعيين ناطق رسمي باسم الأمين العام ليكون مسؤولاً عن ملف الإعلام داخل نداء السودان.

تجريد من الصلاحيات

خطوة ما يمكن اعتباره تجريد المهدي من صلاحياته سبقتها حملة واسعة في الأسافير استخدمت فيها المواقع الإلكترونية التابعة للحركات المتمردة أو المقربة منها وعلى رأسها صوت الهامش وموقع حركة العدل والمساواة جناحة جبريل، فقد نشرت ما تسمى حركة تحرير السودان المجلس الإنتقالي في 21 مارس بياناً على موقع سودان تريبيون حول ما أطلقت عليه “إنسلاخ قوى نداء السودان من المقاومة السودانية” أكدت خلاله إستمرارها غير المشروط في المقاومة المسلحة، منتقدة بشدة تنصيب المهدي رئيسا لقوى نداء السودان متهمة “بعض قوى نداء السودان بتصفية حساباتها مع رفاق آخرين بمحاولة عزلهم وإحراجهم”، وكذلك محاولة التنصل من مسئولية تفكيك الجبهة الثورية.

ونشر موقع “دبنقا” ومواقع أخرى عدة مقالات منتقدة للمهدي، أبرزها مقال بعنوان “اعلان نداء السودان بباريس: خطيئة تاريخية لبعض حركات المقاومة السودانية في دارفور” اعتبر أن نتائج اجتماع باريس تعتبر انتكاسة للعمل المعارض بشكل عام وفي دارفور بشكل خاص. وقال كاتب المقال إن الغاء العمل المسلح بمثابة انقلاب على التاريخ الذاتي لحركتي جبريل وعبد الواحد والتي زعم أنها ستخسر الكثير برضائها بقيادة المهدي لنداء السودان.

دوافع التحول؟

وهناك العديد من المؤشرات التي تكشف ” سر التحول” في مواقف حركات دارفور تجاه رئاسة المهدي للتحالف بعد شهر واحد فقط من تأييد تعيينه بجانب تراجعها عن الإلتزام باستخدام وسائل العملي السلمي وترك الحكم المسلح في مواجهة الحكومة:

أولها: أن حركتي مناوي وجبريل أرادت إعادت ترتيب أوراقها استعداداً للمشاركة في إجتماع برلين مع الحكومة السودانية ، وذلك بهدف الوصول إلى اتفاق يمهد لإجراء مفاوضات تتعلق بوقف العدائيات. وهو ما يستدعي تعديل لغة الخطاب ومحاولة إظهار فك ارتباطها بالتحالفات مع الأحزاب السياسية.

ثانياً: إضعاف سيطرة المهدي على تحالف نداء السودان لعدم ثقة مكوناته المسلحة في توجهاته وذلك من واقع أتهامه بالسعي لخدمة مصالحه واستخدام التحالف في تكتيكاته ضد الحكومة.

ثالثاً: إغلاق الطريق أمام مكونات المعارضة بالداخل غير المرحب بوجودها ضمن تحالف نداء السودان، والتي قد يسعى المهدي للإستقواء بها في الداخل لدعم مختلف مواقفه. ويمكن هنا الإشارة لموقف الحزب الشيوعي الذي اعتبر أن قرار هيكلة التحالف محاولة لضرب وحدة المعارضة. إضافة لموقف المؤتمر السوداني المؤيد للهيكلة.

رابعاً: إبعاد المهدي أو إضعاف تأثيره من شأنه تفويت الفرصة على الشق الآخر للجبهة الثورية والذي يمثله عقار وعرمان واللذان دفعا باتجاه رئاسة المهدي لنداء السودان منذ الإجتماعات الماضية في مقابل تحفظ حركات دارفور، والتي يتضح تفضيلها للتقارب مع جناح الحلو الذي رفض المشاركة في إجتماعات باريس.

رغم ” الثمن الباهظ” الذي دفعه المهدي بقبوله التحالف مع الحركات المسلحة ورئاسة نداء السودان، إلا أنه وجد نفسه في مواجهة مبكرة مع الحلفاء الذين تحولوا إلى خصوم يسعون إلى تحجيم صلاحياته ونفوذه، في خطوة قد تشير إلى فشل تحالف الأحزاب المدنية والحركات المسلحة وهو ما ينذر بتداعي نداء السودان.

تقرير: عبد الله بشير
smc


تعليق واحد