الطيب مصطفى

رِفقاً بالبرلمان يا هؤلاء؟


قليل من الصحفيين احتفى بما أقدم عليه المجلس الوطني حين رفض بياني وزارة المالية وبنك السودان حول الوضع الاقتصادي الراهن واللذين أُحيلا إلى اللجنة الاقتصادية بالمجلس لتشريحهما وتصحيحهما وإجراء المعالجات اللازمة حول الأداء الاقتصادي الذي فَعَل ولا يزال ببلادنا الأفاعيل، سيما وأن بيان بنك السودان تناول الأداء خلال العام المنصرم (2017)، بينما كان مطلوباً منه التعرّض للعام الحالي الذي حدث خلاله الانهيار (والخرمجة) التي لا نزال نُعاني من تداعياتها المؤسفة.

لا أرى سبباً مقنعاً البتة لهياج (المناضلين والمناضلات الأحياء منهم والأموات) ضد المجلس الوطني ولسعيهم الدائم للتقليل من دوره الرقابي والتشريعي المنوط به كبح تجاوزات السلطة التنفيذية والحد من استئثارها بالقرار السياسي والاقتصادي، فمن قصر النظر أن تظل تلك الأقلام المهتاجة في حالة معارضة دائمة لكل شيء ناظرة على الدوام بعين السخط منقّبة عن العثرات، مختلقة الزلات في تغافل بليد عن حقيقة لا ينتطح عليها عنزان أن ذلك يُضعف المصداقية التي تعتبر أهم الركائز التي تقوم عليها العلاقة ببن الكاتب وقرائه، ثم أهم من ذلك أن يجهل الكاتب أن تعمُّد إضعاف البرلمان يتعارض مع هدف بناء النظام الديمقراطي الذي صدع (المناضلون) به رؤوسنا باعتباره جنّتهم الموعودة ويوتوبيا أحلامهم المحلقة في الخيال.

لا أريد أن أُكرِّر الحديث عن الضجّة المفتعلة حول شقق نواب البرلمان في (المويلح) البعيدة، والتي لم ينالوها منحة، إنما كانت سلعة مدفوعة القيمة كتلك التي حصل عليها الصحفيون في (الوادي الأخضر) الذي لا يبعد كثيراً عن قلب الخرطوم، سيما وأن الطريق إليه قد عُبِّد بالأسفلت الأسود وبالخدمات العزيزة.

كثيراً ما أسائل نفسي، هل أصبح من ثوابت مناهج الإعلام أن يُبرمج المشتغل بالمهنة الصحفية ليكون ناقماً منتقداً (على طول الخط) وأين ذلك من المهنية، ومن الصدق الذي ينبغي أن يسود كقيمة عليا تفقد الحياة صفاءها بدونها؟

واهم من يظن أننا كبرلمانيين راضون تمام الرضا عن الدور الرقابي والتشريعي الذي يقوم به المجلس الوطني الذي نعلم أنه يتحرّك في الإطار الذي يتيحه الوضع السياسي الراهن في السودان بما فيه من حريات منقوصة، ولكني أشهد أني وجدتُ بعد التجربة أن المجلس أفضل بكثير مما كنتُ أظن قبل الالتحاق بركبه.

بعض قوى الحوار التي التحقت بالمجلس الوطني أحدثت حراكاً وإضافة نوعية، وتحدثت في كثير من المسكوت عنه خاصة مُخرجات الحوار الوطني، وقضايا الحريات والفساد، كما أن هناك من قيادات الأحزاب ومن المستقلين من طرح بعض الأسئلة والمسائل المستعجِلة التي أدت إلى مُعالجات عاجلة من قبل الجهاز التنفيذي لبعض القضايا، بل إن بعض برلمانيي الحزب الحاكم اتخذ مواقف قوية ومستقلة تجاه بعض المسائل ولستُ في معرض ضرب الأمثلة.

الإجراءات التقشفية التي طرحها رئيس المجلس الوطني قصد منها التعبير عن انفعال أعضائه بمعاناة الشعب، كما أنها تهدف إلى التأثير على الجهاز التنفيذي حتى يحذو حذو المجلس الوطني بالنظر إلى ضخامة موازنة الجهاز التنفيذي الذي يشمل الولايات التي بادر بعضها (نهر النيل مثلاً) باتخاذ إجراءات تقشّفية معتبرة، ولا أرى في التقليل من خطوة إصرار رئيس البرلمان على ركوب الدرجة السياحية في أسفاره الخارجية، بالرغم من معاناته من الغضروف، إلا سلوكًا نبيلاً اعتاد كُتّابنا أن يهللوا به ويمجدوه عندما يأتي من نظرائه وأشباهه خارج الوطن ولكن ماذا نفعل مع عين السخط المتربصة التي لا ترى في ضوء الشمس إلا ظلاماً دامساً؟!

بعضهم يصر على التخلي عن الأسفار مهما عظمت المهمة حتى ولو أدى ذلك إلى أن يقبع السودان في ركن قصي من الدنيا كالبعير الأجرب لا يهم ما يترتب على ذلك من فوات فرص التعاون الاقتصادي مع العالم الخارجي أو غير ذلك من المكاسب التي ينبغي في نظر هؤلاء أن تهدر في سبيل المحافظة على بضعة دولارات ولكن هل تبنى الدول بهذا المنطق الاعرج؟!

نعم، يجب التضييق على الأسفار غير الضرورية، والحد من أعداد الوفود التي أقسم أننا (قاعدين نبالغ فيها) فقد حدّثني أحد الثقات أن (حج) كل عام إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف كان، قبل الحد منه في العام الماضي، يحضره أكثر من (500) شخص ، فتخيلوا!

الحرب على الفساد ينبغي أن ترفع شعاراً دائماً ومفوضية مكافحة الفساد التي صدر قانونها قبل ما يقرب من سنتين ونصف ينبغي أن تنشأ فوراً وأن يتم تعيينها تحت سمع وبصر المجلس الوطني، وإلا فعلى الدنيا السلام!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. دائماً ما نوجه الهجوم لمقتنيات الاشخاص العا ملين في القطاع العام وهذه نظرة ضيقة ماذا يضير الشعب لوامتلك احد التنفيذين او التشريعين مجرد سكن او سيارة الاولى كان نوجه النقد والتصحيح للأداء