الطيب مصطفى

القاتِل الصامت يا وزير المعادن!


كفى بالتحقيق (المخدوم) الذي نشرته صحيفة (مصادر) تميّزاً وإدهاشاً اختياره لعبارة (القاتل الصامت) عنواناً مدوياً ومزمجراً للآثار الخطيرة المترتّبة على تعدين (الكرتة) الذي تقوم به الشركات في مناطق التعدين بشتى ولايات السودان.

عبارة القاتل الصامت (The silent killer) استخدمتها منظمة الصحة العالمية (WHO) دشين حملتها ضد مرض (ضغط الدم)، ولكن الصحيفة انتزعتها عنواناً مثيراً تدق به ناقوس الخطر وتنبّه به الغافلين عن أمر جلل لم نولِه ما يستحق من اهتمام ولولا ذلك العنوان لما شحذتُ قلمي بهذه السرعة لأنبّه وأحذّر و(أكورك) وأصرخ مطالباً وزير المعادن – عالمنا النحرير هاشم علي سالم – ليترك مكتبه ويمتشق حسامه للقضاء على مادة السيانيد التي أجهضت آلاف الأجنة في أرحام أمهاتهم وشوّهت الأطفال وقتلت آلاف الأبقار والحيوانات الأليفة.

زارت الصحيفة بعض مناطق ولاية جنوب كردفان فخرجت بالكثير المثير الخطير، ومن ذلك مثلاً أن أستاذ الفيزياء الحيوية الطبية بجامعة النيلين د. صديق تاور كشف أن (صور الأجنة التي انتشرت مؤخراً بمحلية التضامن تمثًل واقعاً مأساوياً يعيشه مواطنو هذه المحلية يومياً، وكان ينبغي أن تُعرض تلك القضية كمسألة مستعجلة من خلال لجنة الصحة بالمجلس الوطني أو نواب المنطقة)، مبيناً أن حالات الإجهاض في السنوات الثلاث الأخيرة بلغت حوالي (600) حالة تقريباً، أما تشوّه الأجنة فقد بلغ (25) حالة في العام الماضي بجانب نفوق آلاف الحيوانات بمحلية أبوجبيهة، وإذا كان ذلك هو الحال في بعض مناطق ولاية واحدة هي جنوب كردفان فكيف بولايات السودان الأخرى؟!

في هذا الصدد أوضحت وزارة المعادن أن مادة كيميائية واحدة فقط تُستخدم لاستخلاص الذهب وهي سيانيد الصوديوم، ولا توجد مادة أخرى صديقة للبيئة، في حين بيّن وزير الصحة السابق بولاية جنوب كردفان رمضان شاويش أن الخطر يأتي من تلقاء استخلاص الذهب من الكرتة، ويستخدم لذلك كلٌّ من مادتي السيانيد والزئبق اللتين تعمل بهما الشركات وهما تشكلان خطراً على البيئة والإنسان والحيوان.

أستاذ الفيزياء الحيوية د. صديق تاور أكد على أهمية التحقّق من استيفاء شهادة دراسة الأثر البيئي قبل الشروع في أي نشاط ذي طبيعة صناعية، وهذه الشهادة معني بها المجلس الأعلى لحماية البيئة والموارد الغابية بوزارة البيئة، وأن أكثر من (90%) من الشركات العاملة لا تحرص على هذه الخطوة!

هذه شذرات من التحقيق المثير قصدتُ بها أن تتحرّك الجهات المعنية، فإذا كانت تلك الإحصائيات المخيفة في هذا التحقيق عن حجم الأضرار تتعلق بمناطق محدودة من ولاية جنوب كردفان، فكيف ببقية ولايات السودان الذي يجوب مدنه وأريافه أكثر من مليون معدّن عشوائي بالإضافة إلى الشركات المحلية والأجنبية؟!

استمعتُ قبل أشهر قليلة إلى وزير المعادن بروف هاشم في بيان قدّمه من داخل المجلس الوطني وكانت إجاباته مقنعة، ولكني ألفت النظر مجدَّداً الآن لهذه القضية، آملاً أن يُعجّل الوزير باتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة التحديات الماثلة، سيما وأن هذه الظاهرة – ظاهرة التعدين العشوائي عن الذهب – يتفرّد بها السودان الذي كثيراً ما يأتي بالعجائب والغرائب مما لم تستطعه الأوائل، فقد تسلل معدنوه زحفاً إلى الجزائر وموريتانيا البعيدة عابرين حدود الدول وربما القارات!

يا جبريل .. تذكر الجنة والنار !

وعادت مجموعة أخرى من حركة جبريل إبراهيم والتحقت بركب السلام مستنقذة نفسها من الوعيد الشديد: ( (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

وبالرغم من ذلك يُصر جبريل على المكابرة بعد أن استحوذت عليه الخصلة الشيطانية القاتِلة (العزة بالإثم) و(شح النفس الأمّارة) وبعد أن أصر على أن يتمرد على الهدي القرآني: (…….. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ويأبى الرجل الإذعان لنداء الرحمن رافضاً مساءلة نفسه: ماذا جنيت من تمردك وماذا حقّقت لأهلك ووطنك وماذا فعلت لهما مما يصعب إحصاؤه؟!

يا جبريل.. أما آن لك أن تكف عن مخادعة نفسك والآخرين؟ أما آن لك أن تقهر ذلك الشيطان المريد الذي ينزغ بينك وبين الانصياع لنداء السلام وقيم الصبر والعفو والصفح والتسامي على المرارات قبل فوات الأوان؟!

لماذا آب سليمان حامد وجاموس وألاف غيرهما ممن أوقفوا مسيرة الولوغ في الدماء متمثلين الحديث الشريف : (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً)؟

لماذا أنهى ثوار التاميل في سريلانكا تمرّدهم بعد مواجهة صادقة مع النفس؟

أسألك بالله يا جبريل أن تتخذ قرار العودة وأن تقتحم العقبة الكؤود.

الطيب مصطفي – صحيفة الصيحة