رأي ومقالات

“فيل” الروات (2+2)


تعتبر قضية أمن الطاقة من القضايا المحورية التي ترتبط بالأمن القومي لكل بلد، سواء من ناحية تأمين الامدادات لضمان استمرار الحياة في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو تنويع مصادر الامدادات بتقليل الاعتماد على النفط المستورد وتنويع الجهات التي يتم منها الاستيراد أو حتى التنويع في الطاقة المستخدمة من النفط الى الغاز الى مختلف أنواع الطاقات المتجددة.

وأكتسبت قضية أمن الطاقة ثقلا اضافيا أثر قيام الدول العربية بحظر تصدير النفط الى الولايات المتحدة عقب حرب أكتوبر 1973 التي تزامنت مع حالة من الشح في الامدادات وهو ما صحبه ارتفاع في الاسعار، الامر الذي دفع بالرئيس ريتشارد نيكسون الى رفع شعار تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وعدم الارتهان للنفط الاجنبي، بل وقام الرئيس الاسبق جيمي كارتر بتأسيس وزارة خاصة للطاقة. ويلاحظ أن كل أدارة تربعت في البيت الابيض منذ نيكسون عملت جهدها على الدفع باستراتيجية لتحقيق أمن الطاقة، وهو هدف بدا صعب المنال خاصة وان الولايات المتحدة كانت تستهلك برميلا واحدا من النفط من كل أربعة براميل يتم انتاجها في العالم. لكن تصاعد أسعار النفط وتخطيها عتبة 100 دولار للبرميل جعل من الممكن أقتصاديا تشغيل تقنية جديدة لأستخراج النفط من الصخور وبما أصبح يعرف بالنفط الصخري، الذي تصاعد أنتاجه وليعزز من حجم الانتاج المحلي الامريكي بشقيه الصخري والتقليدي ومتخطيا 10.3 مليون برميل يوميا في نهاية العام الماضي ويتجاوز بذلك السعودية وفي طريقه الى اللحاق بروسيا، أكبر منتج للنفط في العالم في الوقت الحالي، بل ان الانتاج الامريكي من النفط والغاز دخل سوق التصدير منافسا للمصدرين المعروفين.

وألقت هذه التطورات بتأثيراتها على السوق النفطية التي تمر في الوقت الحالي بمرحلة سيولة في جانبين: أولهما ان أوبك لم تعد القوة الوحيدة القادرة على التأثير في السوق من ناحيتي الانتاج والاسعار، وأنما أحتاجت الى دعم من المنتجين خارجها ولهذا برز حلف الرياض وموسكو كقائد للتحالف الجديد في جبهة النفط، وهو تحالف ليس واضحا أمكانية أستمراره كونه يضم دولة كبرى لها حساباتها المختلفة. أما التطور الثاني فيتمثل في انه ورغم الانتاج الامريكي المتصاعد، الا ان التخمة النفطية التي أضعفت الاسعار خلال السنوات الاربع الماضية تكاد تكون أختفت بدليل تراجع المخزونات الى معدل خمس سنوات المطلوب وبرزت حالة من التوازن بين العرض والطلب وبذلك تهيأت السوق الى الدخول في دورة جديدة من ضعف الامدادات. ومع التوترات الجيوسياسية التي تعيشها مناطق كثيرة من العالم خاصة في الدول المنتجة للنفط، فأن أتجاه الاسعار الى أعلى يبدو واردا وبقوة، بل ووصلت حاليا الى أعلى معدل لها منذ أربع سنوات وأرسلت السعودية اشارات انها لا تمانع أن ترى سعر البرميل يتجه الى 100 دولار لآسباب تتعلق بتصاعد أنفاقها وأن الاسعار العالية تساعد مشروعها في طرح جزء من أسهم أرامكو في البورصات العالمية.

بالنسبة للسودان فأن الازمة التي عبرت عن نفسها في صورة الصفوف المتطاولة أمام محطات الوقود كانت ترسل رسالة واضحة عن أزمة الطاقة التي تواجه البلاد بكل تبعاتها السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية خاصة وتزامنت الازمة مع موسم الحصاد لبعض المحاصيل والاستعداد للعروة الصيفية لمحاصيل أخرى مما يهدد عائدات البلاد من السلع التي يمكن أن تبيعها للحصول على العملات الاجنبية التي تمكنها من الانفاق وتسيير خططها التنموية وبرامجها السياسية.

التحليلات السائدة تشير الى أن السوق النفطية في طريقها للدخول في دورة جديدة من شح الامدادات وانفجار الاسعار ومن تباشيرهذه المرحلة بداية عمليات الاستحواز على شركات نفطية قائمة من قبل شركات أخرى لتأمين الوصول الى أحتياطيات موجودة. واذا صدقت هذه التحليلات فأن الدول المستهلكة والمستوردة لأحتياجاتها من دول أخرى مرشحة الى مزيد من الضغوط أما عبر الاسعار المتصاعدة وأحيانا في توفير الامدادات بأي سعر. وبعبارة أخرى فأن مبلغ 1.3 مليار دولار التي ينفقها السودان حاليا على تأمين أحتياجاته النفطية مرشح للتصاعد مالم يتمكن من زيادة أنتاجه النفطي المحلي بصورة واضحة تغطي احتياجاته الاستهلاكية على الاقل.

اللغط الذي دار حول حول حقل الروات النفطي قرب كوستي مؤخرا، وبغض النظر عن حجم الاحتياجات المتوفرة في الحقل، يشير الى وجود كميات من النفط يمكن أن تسهم في سد فجوة الاستهلاك المحلي. ونفس الشيء في مربع (ب-2) العائد الى السودان بعد الانفصال حيث تم الاتفاق مع شركة سويسرية لتوفير مبلغ 200 مليون دولار لتمويل العمل فيه. هذا الى جانب مربعي (6) و (17) وهما مربعان منتجان، بل ويعتبر مربع (6) من المربعات الواعدة، لكن أي جهود للأستكشاف والتطوير والانتاج يصطدم بعقبة التمويل خاصة وان الشركات الصينية والماليزية والهندية التي عملت في السودان تشكو من مديونيات لها مستحقة على الحكومة لم تدفع لها، وبالتالي أنعدمت عندها الرغبة في ضخ أستثمارات جديدة.

وهذا ما يتطلب وجود أرادة سياسية على أعلى مستوى ممكن لآحداث أختراق في ملف تأمين الطاقة خاصة وهناك أحتياطي نفطي يمكن أن يغطي احتياجات البلاد ويفيض، الى جانب بنية أساسية من مصاف وخطوط أنابيب ومختلف مجالات الاستشكاف والانتاج اضافة خبرة مهنية جيدة تلقت تدريبا عمليا ونظريا داخل وخارج السودان في مختلف التخصصات وتشكل قطعا أضافة قيمة في هذا الجانب.

لكن الى جانب أهمية توفر الارادة السياسية والتمويل لتحقيق نقلة نوعية فهناك حاجة الى أعادة نظر في قطاع النفط وأعادة هيكلته بما يسهم في تحقيق الاهداف المرجوة. فقد أنطلق هذا القطاع في ظروف حصار وشدة وكان التركيز فيما يبدو على القيام بما يتطلب الامر للأنتاج والتصدير دون أن تحكم العملية نظرة كلية وبالتالي نشأت الادارات والقطاعات المختلفة حسب الحاجة اليها وبدون الاستناد الى دراسات علمية أو تنظيمية.

أن أول خطوة في أرسال رسالة قوية بوجود الارادة السياسية للتعامل مع قضية أمن الطاقة تتمثل في أحياء مجلس شؤون النفط ليلعب دوره في الجانب التخطيطي ورسم السياسات ووضع التشريعات وتوسيع دوره باضافة البعد السياسي خاصة والمناطق المرشحة للأنتاج في دارفور وكردفان تعيش حالات أحتقان سياسي وأمني كما ان العمل على رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية للأرهاب سيوفر دفعة قوية لجذب المستثمرين الاجانب. ، ثم هناك الجانب المتعلق بالنشاط التجاري وتوفير الامدادات الذي تقوم به المؤسسة السودانية للنفط، على ان يفصل الجانب الاشرافي والرقابة منها ليتبع الى جهة مستقلة، ثم هناك شركة النفط الوطنية “سودابت” للعمل في مجالات الاستكشاف والتطوير والانتاج.

ومن حسن الصدف أنه أبان فترة الوزير الاسبق مكاوي محمد عوض قام بتكليف لجنة لأعداد تقرير لأعادة تنظيم قطاع النفط في البلاد طرحت فيه توصيات محددة، وهو يحتاج الى أعادة بعثه ودراسته وفق المستجدات وربما يفضل أن تتوسع الرؤية لتشمل أمن الطاقة ومحورها النفط الى جانب تلك الشمسية والكهربائية والغاز، وكلها تشكل عصب الحركة الاقتصادية في البلاد. ويمكن أن يساعد في هذا ان للوزارة أتفاقا للتعاون الفني مع النرويج التي تمثل تجربتها النفطية أفضل نموذج يمكن الاهتداء به في الوقت الحالي، كما أن للنرويج أهتماما بالشأن السياسي السوداني عبر مشاركتها في الترويكا مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، علما انها ليست مثقلة بماض أستعماري مثل بريطانيا أو حمولات دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، الى جانب أسهاماتها الاكاديمية خاصة عبر جامعة بيرقن التي تضم أكبر مجموعة من الوثائق السودانية الى جانب تلك الموجودة في دار الوثائق البريطانية وجامعة درم.

 

لقراءة الجزء الأول من المقال:

“فيل” الروات (1+2)

 

 

كتب : السر سيد أحمد
سودان تربيون.


‫3 تعليقات

  1. شبعنا كلام ومد لحبال الأمل.. لا بديل إلا بالتغيير. فقدنا الأمل

  2. اذا انتج السودان نصف انتاج العالم لن ينصلح الحال ما دام هناك فساد ولا بد من ذهاب المفسدين
    السودان عندما كان موحدا وكان انتاج البترول يكفي ويفيض بكثير فاين ذهب المليارات ؟؟؟ لا احد يدري والآن الذهب اين يذهب لا احد يدري حتى وزير المعادن يقول المربوط العام القادم ان شاء الله يصل 70 طن وعلما بان شركات نافع وغيره لوحدة في اقل من 17 يوم ينتج 500 طن
    فيا عالم الفساد اس المشكلة والحكومة ترقي المفسدين واحد كان ضابط لا يملك سوى راتبه ومعلوم الجيش فمن اين ياتي الفلل والقصور وحي كافور والنميري كان رتبه اعلى رتبة ومات وهو لا يملك شيء
    فبحساب بسيط اذا كان وارث وابوه وارث لا يمكن ان يمتلك بيت في كافوري وعسكري ناهيك عن من يمتلكون جزر وقصور في دبي وماليزيا وغيره وارصدة في سويسرا وغيره
    الفساد عم البلد ولن ينصح فقد انتشر السرطان في الجسم ولا بد من بتره الفساد اولا حتى ينصلح الحال والسودان يمكن ان يبنى اقتصاده فقط على الزراعة
    اما مسألة الطاقة يمكن ان تكون هناك قطارات بالكهرباء حتى اذا كان من اثيوبيا وحتى هناك الآن سيارات بالطاقة الكهربائية ويمكن انتاج الطاقة الشمسية او غيره ويمكن بترول السودان يتم تصديره لاستخدام العائد في الزراعة والمشارع الانتاجية الاخرى لكن استهلاك الكمية المنتجة غير سليم
    يجب التقليل من استهلاك الوقود مع زيادة الانتاج لحين التخطيط السليم وخاصة الطاقة البديلة والشمسية يمكن ان يكون السودان دولة رائدة في الطاقة البديلة وصديقة البيئة