الطيب مصطفى

الجمهوريون بين الوهم والحقيقة (7)


أوضح د. الباقر عمر السيد في سياق بحثه الذي أوردناه في الحلقة السابقة أن النتائج التي توصل إليها محمود محمد طه وهي نتائج مفارقة للدين في جملته وتفصيله لا يتوصل إليها إلا من يحمل تصورًا للدين غريباً عن أهل الإسلام بل وأقول حتى عن أهل الكتاب في بعض الجوانب؛ فالنتائج الخاطئة لا تستنتج إلا من مقدمات خاطئة، ومن بين هذه المقدمات الخاطئة تصور محمود محمد طه للدين!! فماذا يعني الدين بالنسبة لمحمود ؟! عن ذلك سنتحدث الآن.

تصور محمود محمد طه للدين

يقول محمود : “هنالك الإسلام الخاص الذي أرسل الله به الرسل وخاطب البشر وشرع فيه الشرائع وأقام التكليف، وإنما سمى هذا بالإسلام الخاص لأن الخطاب بالإسلام العام يتوجه إلى جميع عناصر الوجود. وفي هذا لا تقع المعصية.. ففي شريعته من عصى فقد أطاع في معنى ما قد عصى.. وأما الإسلام الخاص ففيه تقع المعصية وتقع الطاعة والحكمة في شرع الإسلام الخاص هي إخراج الناس مما أراد الله إلى ما يرضى”.

والدين الخاص – بمفهوم الفكرة الجمهورية – لم يبدأ ببعث الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وإنما بدأ بالوثنيات البدائية التي صاحبت النشأة البشرية الأولى في الأزمان السحيقة، يقول محمود: “بدأ ظهور هذه الفكرة الواحدة في الوثنيات البدائية المتفرقة ثم أخذت تتقلب في مراقي التطور حتى ظهور الوثنيات المتقدمة واضطرد بها التقدم حتى ظهرت صور ديانات التوحيد الكتابية بظهور اليهودية وظهور النصرانية ثم توج ذلك ببعث محمد وإنزال القرآن الكريم. وهذه الفكرة الواحدة ذات شكل هرمي قاعدته أحط الوثنيات التعددية وأكثرها تعديداً وقمته عند الله حيث الوحدة المطلقة، والاختلاف بين القاعدة والقمة اختلاف مقدار وليس اختلاف نوع. وهذه الفكرة الواحدة نبتت في الأرض كما نبتت الحياة بين الماء والطين”.

ويقول أيضاً: “مر وقت كانت عبادة الصنم مرضية عند الله وذلك بحكم الوقت”.

ويقول: “لم يكن لهذا الدين رسل غير بدائه العقول، وكان وثنياً تعددياً ولكنه كان بداية الدين، بداية الإسلام”!! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

فالدين في “الفكرة الجمهورية” مجرد (فكرة) بدأ ظهورها في الوثنيات القديمة.. وأن هذه “الفكرة” نبتت في الأرض!! وما تقول به “الفكرة الجمهورية” من أن الدين فكرة نبتت في الأرض ليس هو بالأمر الجديد وإنما هو قول من أنكر الألوهية ووحي السماء وحاول من ثم إيجاد تفسير مادي للدين، والجديد الذي تطالعنا به – الفكرة الجمهورية – هو محاولة صاحبها (محمود) إيجاد سند لهذا التفسير المادي من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، بل إن هذا التفسير لديها هو قمة العلم بدقائق حقائق الدين!!.

ويبدو أن الفكرة الجمهورية وهي تتناول قضية الدين – الإسلام – إنما تتناولها تحت تأثير مباشر لنظرية النشوء والارتقاء التي اقترنت باسم (دارون) ووضع أسسها العالم الفرنسي (لامارك).. هذه النظرية نجد بصماتها واضحة في مقولات “الفكرة الجمهورية”.. فالدين في الفكرة الجمهورية يتطور تبعاً لتطور الفرد البشري والذي ترجع الفكرة أصله إلى ذرة غاز الهيدروجين!!.

الدين يتطور – بمفهوم محمود محمد طه – من أحط الوثنيات وحتى يبلغ ديانات التوحيد والتي اختتمت ببعث المصطفى صلى الله عليه وسلم.. ودور الدين المتطور هذا ينحصر في الانتقال بالإنسان على مكث من النقص إلى الكمال حتى يبلغ في نهاية المطاف الكمال المطلق!! ولكن محمود لا يضع حداً لتطور الدين برسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم وإنما يزعم أن الإسلام رسالتان: رسالة أولى تم تبليغها وتفصيلها ورسالة ثانية تنتظر التفصيل وسيتم لها ذلك حين يجيء رجلها وتجيء أمتها وهذه الرسالة الثانية هي التي يبشر بها محمود وأتباعه!!.

والسالك من أمة الرسالة الثانية “أمة محمود محمد طه” يبلغ في نهاية المطاف المقام المحمود – وهو مقام الإنسان الكامل – والذي هو في الفكرة الجمهورية الله تعالى علواً كبيراً. غير أن محموداً كما ذكرنا ناقض أصل فكرته حينما زعم أن الذي يتحقق له “المقام المحمود” هو رجل واحد وذلك الرجل هو محمود محمد طه حسب زعمه!!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة