حوارات ولقاءات

السفير السعودي باليمن : عاصفة الحزم استندت إلى طلب رسمي من القيادة اليمنية .. و ماقدمته القوات السودانية سيبقى محفوظاً في الذاكرة اليمنية إلى الأبد


خلال الزيارة التي سجلها الوفد الإعلامي السوداني لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالعاصمة السعودية الرياض، التقينا سعادة السفير محمد سعيد آل جابر، سفير المملكة العربية السعودية باليمن، الذي يعمل في الوقت نفسه مديراً تنفيذياً لمركز (إسناد) التابع لمركز الملك سلمان، وتنحصر مهمته في توفير الدعم الإنساني والإسناد الكامل للعمل الإغاثي في اليمن، وخلال اللقاء تحدث سعادة السفير بصفته شاهداً رئيسياً على معظم الأحداث المتعلقة بالأزمة اليمنية، وحكى تفاصيل الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء، وما حدث في مقر الرئيس عبد ربه منصور هادي، عندما ضغط عليه الحوثيون لتعيين صالح الصماد نائباً له، كما تطرق السفير إلى مشاركة القوات السودانية في معركة (عاصفة الحزم)، ونوّه بالتضحيات الجسام التي قدمتها لحفظ التراب اليمني والدفاع عن الحرمين الشريفين، وقال إن الدم السوداني اختلط بالدم اليمني والسعودي في أرض اليمن، وإن الشعب السعودي لن ينسى للسودان وقفته بجواره، كما أوضح تفاصيل العمل الإنساني وموقف العمليات العسكرية في اليمن حالياً، فإلى مضابط الحوار.

* نريد منكم تقييماً للموقف الرسمي السوداني من قضية اليمن، ما رأيكم فيه؟

– السوداني بالنسبة إلى كل سعودي أخ عزيز وشقيق مقرب يتميز بصفتي الصدق والأمانة، وأواصر المحبة ممتدة بين الشعبين وضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، أما عن الموقف الرسمي السوداني من الأزمة اليمنية فقد أتى متناسباً مع مكانة السودان، وهو يحظى بتقدير عالٍ من القيادة وكل المسؤولين في المملكة، ولكم أن تنقلوا شكرنا وتقديرنا لكل أهلنا في السودان، هذا هو السودان الذي يعرفه السعوديون منذ قديم الزمان.

* ما تفاصيل الأوضاع الراهنة في اليمن على الصعيدين السياسي والإنساني؟

– اليمنيون أهلنا وأشقاؤنا، وتاريخياً ارتبطت المملكة العربية السعودية باليمن بروابط الدم، تتغير الحدود وتتبدل لكن الإنسان واحد، توجد قبائل موزعة بين الدولتين، وفِي بعض الأحيان يكون شيخ القبيلة سعودياً وبعض أفراد القبيلة يمنيين، والعكس صحيح، يوجد في المملكة يمنيون يمتلكون الجنسية السعودية منذ عشرات السنين، ولدينا أكثر من مليوني يمني يعيشون معنا في السعودية بطريقة نظامية، ويمتلكون تأشيرات عمل، من الناحية الاستراتيجية الرقم المذكور ليس عادياً، لأن عدد سكان اليمن يتراوح بين 25 إلى 28 مليون نسمة، نصفهم من النساء، والنساء نادراً ما يعملن في اليمن، والنصف الآخر يضم الشيوخ والأطفال والشباب، ذلك يعني أن القوة العاملة في اليمن محصورة في أربعة أو خمسة ملايين فرد، نصفهم تقريباً موجود في السعودية، هؤلاء يحولون أكثر من عشرة مليارات دولار لذويهم في اليمن كل عام، وتلك التحويلات تمثل عامل استقرار للاقتصاد ولسعر الريال اليمني، من ناحية أخرى نحن عرب، ومعلوم أن كل عربي يعول ما بين خمسة إلى عشرة من أفراد عائلته، وذلك يعني أن اليمنيين الموجودين في المملكة يعولون ما بين 10 إلى 16 مليون يمني.
وهناك عناصر أخرى عديدة تربط المملكة العربية السعودية باليمن، فالتاريخ والدين واللغة كلها موحدة.

* ماذا قدمت السعودية لليمن في السنوات التي سبقت الأزمة الحالية؟

– مساعينا لدعم اليمن وحرصنا على استقراره لم يتوقف يوماً، حكومة المملكة حرصت دوماً على دعم اليمن، وبذلت جهداً ضخماً لمساعدته، على سبيل المثال لا الحصر وفرت السعودية 50‎ %‎ من الاعتمادات التي رصدها المانحون لدعم اليمن، وتاريخياً بادرت السعودية ببناء مستشفيين كبيرين، أولهما مستشفى السلام في صعدة، والمستشفى السعودي في مدينة حجة، وكما تعلمون فإن صعدة تمثل مركز الحوثيين، وحجة بها حوثيون، المستشفيان المذكوران بنيا في العام 1982، أي قبل ميلاد عبد الملك الحوثي نفسه، بنينا مستشفيات لخدمة عامة الشعب اليمني بغض النظر عن المذهب الديني والانتماء السياسي، ولم نبنِ جامعة لتدريس المذهب الحنبلي أو المذهب الوهابي كما يسمونه، استهدفنا خدمة الإنسان اليمني أياً كان، والمستشفيان المذكوران يعملان حتى اليوم بأموال سعودية، برغم ما يفعله الحوثي وبرغم تهديده لأراضينا واستهدافه لشعبنا.. مائة مليون ريال تدفعها السعودية سنوياً لمستشفيين يعملان في معاقل الحوثيين، هل هناك دليل على صدق النوايا أكثر من ذلك؟

* كيف بدأ التسلسل الزماني للأزمة اليمنية في تقديركم؟

– كثيرون يتوهمون أن الحرب اليمنية بدأت في 2014، والصحيح أن الأزمة اندلعت في 2011، باندلاع ثورات الربيع العربي، حينما لقي عديدون مصارعهم في الساحات، فتدخلت المملكة بمسعىً حميد يستهدف إبرام صلح بما اصطلح على تسميته (المبادرة الخليجية)، ونصت آليتها التنفيذية على نقل السلطة بطريقة سلمية من الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، هذا الانتقال السلس للسلطة لم يحدث ولم يستجب له صالح إلا بعد أن دعمته المملكة في مجلس الأمن مثلما دعمت اليمن اقتصادياً بسبعة مليارات دولار، دفعتها في الفترة ما بين 2012 و2014، وتنوعت ما بين وديعة للبنك المركزي ومشتقات نفطية ودعم مباشر لصناديق الرعاية الاجتماعية ومشاريع للتنمية والبنيات التحتية، وكان الهدف الأساسي لكل تلك المساعي أن يستقر اليمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

* أنت كنت شاهداً على اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، حدثنا عن التفاصيل؟

– تم تعييني سفيراً للسعودية في اليمن قبل عشرة أيام فقط من تلك الأحداث، وقتها طلب اليمنيون من الحوثي أن يتوقف عن التصعيد ويحترم نصوص اتفاقية السلم والشراكة التي منحته ستة مقاعد في حكومة بحاح ومنصب مستشار للرئيس، رفض الحوثي الانسحاب وتسليم السلاح واشترط تنفيذ الشق السياسي أولاً، وبعدها هجم الحوثيون على صنعاء واجتاحوا مقر الرئيس وذهبت أنا لزيارة هادي وكنت أستهدف إنقاذه عبر إخراجه بسيارة، وعندما دخلت عليه وجدته منفرداً بلا حراسة بعد أن اعتدى الحوثيون على طاقم الحراسة الخاص بالرئيس وطلبوا من هادي تعيين صالح الصماد نائباً له فرفض، وكانت خطتهم تقضي بقتل الرئيس أو خلعه وإعلان الصماد رئيساً لليمن، لكن هادي رفض ذلك وأبطل الخطة بموقف تاريخي، وأمر رئيس الوزراء خالد بحاح بالاستقالة ففعل، وأوقف مخطط الهدم السياسي للشرعية اليمنية، وكان قراره استراتيجياً ومهماً في تاريخ اليمن.. بعد ذلك غادر كل السفراء صنعاء وأقدمت مليشيات الحوثي على توقيع اتفاقية لتشييد جسر جوي قضى بتسيير 28 رحلة في اليوم بين صنعاء وطهران، 14 منها بالطيران اليمني والنصف الآخر بطيران إيراني، ثم أقدمت على إجراء تدريبات عسكرية على بعد 30 كيلومتراً من الحدود السعودية، وتحدثت قيادات عسكرية وسياسية إيرانية عن سقوط العاصمة العربية الرابعة في يد إيران (بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء)، ووضحت تفاصيل المخطط التوسعي الإيراني في توجه الحوثيين من صنعاء إلى باب المندب وتعز، بدلاً من الاتجاه شرقاً للسيطرة على مأرب والمصفاة والغاز والبترول، تمت مطالبتهم باحتلال عدن وباب المندب للسيطرة على البحر الأحمر.

* كيف بدأت عاصفة الحزم وعلى أي شرعية استندت؟

– بدأت في 26 مارس واستندت إلى طلب رسمي من القيادة اليمنية، بعد أن فشلت في إقناع الحوثي وصالح باحترام التعهدات التي توصلوا إليها معه.

* حدثنا عن دور القوات السودانية في اليمن، ما رأيكم فيه، وما طبيعة المهام التي أوكلت إليها؟

– الدور السوداني في عاصفة الحزم ومن بعدها (عودة الأمل) يحظى بتقدير عميق من القيادة السعودية والشعبين السعودي واليمني، اختلطت الدماء السودانية بالدماء السعودية واليمنية وروت تراب اليمن، ما قدمه السودانيون في اليمن من تضحيات لن ينساه لهم السعوديون، وسيبقى محفوظاً في الذاكرة اليمنية إلى الأبد.

* ألم يكن هناك خيار آخر غير الحرب أمام السعودية؟ ألم يكن في مقدوركم أن تواصلوا السعي للحل عبر اتفاق سياسي بدلاً من اللجوء إلى القوة؟

– السعودية تبنت المبادرة الخليجية بحثاً عن الحل الهادئ بدءاً، ثم حاولت الوصول إلى حل سياسي ودخلت في تفاوض طويل تم بين الحكومة اليمنية والحوثيين في الكويت، بحضور ورعاية المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وقد استمرت فترة التفاوض أكثر من مائة يوم، وهدفت إلى تقديم تنازلات من كل الأطراف لحقن الدماء وإشاعة الأمن والاستقرار في اليمن، وفِي خاتمة تلك الفترة سافر محمد عبد السلام الحوثي إلى سلطنة عمان ورجع منها لينقض كل ما اتفقنا عليه ويعيدنا مائة يوم إلى الوراء، ورفض الحل السياسي تماماً، وكان واضحاً للجميع أن الجهة التي تدعمه أمرته بعرقلة الاتفاق.

* ماذا عن تفاصيل العمل الإنساني الذي تنفذه السعودية عبر مركز (إسناد) التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والعمل الإنساني؟

– استخدم الحوثي العمل الإنساني كوسيلة للحرب، فأعلنت المملكة خطة سُميت خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، وتحوي مبادرات كبيرة، بدأت بإيداع ملياري دولار في البنك المركزي اليمني وتقديم مليار ومائتين وخمسين مليون دولار لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، و70 مليون دولار لمركز إسناد التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وأنا أعمل مديراً تنفيذياً له، وحوى العمل الذي أشرفت عليه المملكة توسيعاً للموانئ وإصلاحاً للطرقات ومساعدة للمنظمات الإنسانية لتوريد الأغذية، بهدف تخفيض أسعارها ومنع الحوثيين من تسريب الغداء إلى السوق السوداء، وفتحنا ثلاثة منافذ على الحدود وشيدنا جسراً جوياً بأربع وعشرين رحلة يومياً بين الرياض ومأرب وسنستمر في دعم الشعب اليمني، بل سنعلن خلال الأيام المقبلة برنامج إعادة الإعمار في الأراضي المحررة.

* ما هي تفاصيل الوضع العسكري على الأرض حالياً؟

– لست عسكرياً، لكنني ومن خلال عملي كسفير للمملكة في اليمن أعلم أن المخا كانت في أيدي الحوثيين وانتقلت إلى الشرعية بعد تحريرها، وهناك ثلاث مديريات أخرى جرى عليها الشيء نفسه، وحالياً تمت استعادة ميدي بالكامل، و70‎ %‎ من حجة تتبع للشرعية، وقوات الحكومة الشرعية تقف على بعد أقل من 30 كيلومتراً من العاصمة صنعاء، وحوالى 85‎ %‎ من مساحة اليمن تحت سيطرة الحكومة الشرعية حالياً.

* ما طبيعة الدور الذي ينفذه مركز إسناد الذي تتولى إدارته؟

– المركز معني بدعم الإغاثة والأعمال الإنسانية، ويساعد على تنفيذ برامج إعادة التعافي خصوصاً في الموانئ والطرق ومساعدة المنظمات الإنسانية، ومهمتنا أن ندفع باتجاه زيادة الواردات لتغطية الفجوة الغذائية وتخفيض الأسعار.

* ماذا تتوقعون لمستقبل اليمن؟

– نرجو الوصول إلى حل سياسي ونعلم أن الحوثي لا أمان له، وأنه نقض أكثر من سبعين اتفاقية، أبرمها مع القبائل والسلفيين والإصلاح والحكومة، كما نقض اتفاقية السلم والشراكة وانقلب على علي عبد الله صالح وقتله، الحل سهل لو توفرت الرغبة في الوصول إلى اتفاق سياسي، ومقومات الحل معلومة للكافة، وتنحصر في تشكيل حكومة توافقية يشارك فيها الحوثيون بحجمهم الطبيعي بعد أن يسلموا السلاح ويخرجوا من المدن، والحل السياسي يستند إلى ثلاث مرجعيات أساسية، المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216.

* بمَ تصفون الدور الإيراني في اليمن؟

– لن نسمح للإيرانيين باختطاف اليمن، يد إيران ستقطع كلما امتدت إلى العالم العربي، وهي – أي إيران- تستخدم الشيعة لقتل السنة والسنة لقتل الشيعة وتسعى لتنفيذ برنامجها التوسعي في المنطقة، وهو برنامج خبيث يقوم على هدم الدول، من الأهمية بمكان إدراك حقيقة أننا لم نتدخل في اليمن إلا بطلب من الحكومة الشرعية، واليمن سيبقى بحاجة إلى الدعم والمساعدة حتى بعد انتهاء الحرب؛ لأنه سيدخل مرحلة إعادة الإعمار.

حاوره: د. مزمل أبو القاسم
اليوم التالي.