الفاتح جبرا

ولا كديس واحد !


ما أن عدت للمنزل من (مأمورية) صغيرة حتى خاطبتني (أم العيال) قائلة :
• بعد ما تستريح شوية أمشي شوف جارنا عباس ده؟
• مالو عيان؟
• قبل كم يوم وقع كسر (مخروقتو)، قالوا وقع من (راس البيت)
• هو البيوديهو يكابس رُسين البيوت شنووو
• (هنا اقتربت مني قليلاً وهمست في أذنى): قالوا كان ساكي كديسة !
ما أن دخلت على الصالون الذي يرقد فيه عباس حتى رأيته مستلقياً على ظهره على أحد الأسرة وقد رقعت إحدى رجليه وتم تثبيتها على حامل:

• كفارة يا عبس ياخ.. إيه الحكاية؟
نظر نحوي نظرة غير معتادة منه وخاطبني في تشنج واضح:
• معقولا بس يا أستاذ؟ ولا كديس واحد.. ولا كديس واحد؟
• قول بسم الله يا عبس ياااخ كديس شنووو؟
• لا يعني هسسه عاوزين يقنعوني إنو البلد دي عدمت الكديس؟
• قول بسم الله يا عبس ياااخ.. مالك الحاصل عليك شنو؟
• الحاصل عليا وللا الكدايس القالو اختفت دي؟
هنا أشارت لي (زوجة عباس) بالجلوس بعيداً في نهاية الصالون وكأنها تود أن تسر إلي بشيء
• والله يا أستاذ عباس ده كان كويس وفي أمانة الله.. بس قبل تلاتة شهور كده بقى يمشي كل يوم الصباح الكشك يجيب جريدتو ويجي وأول ما يقرأ عناوين الصفحة الأولى يقعد يهيج ويكورك ويقعد يفتش في البيت.. لا يخلي ليك (تحت السراير) لا (وراء الدواليب) ولما يتعب يشيل ليهو عصاية ويقيف في نص الحوش ويكورك:

• معقولا.. ولا كديس واحد.. معقولا ولا كديس واحد !
• وبعدين؟
• المسألة بعد داك اتطورت بقيت الصباح أصحى على (كواريكو) مع سيد اللبن..
• مالو ومال سيد اللبن كمان؟
• شُفتَ يا أستاذ.. يمسك ليك حمار (سيد اللبن) ده من رقبتوويحلف ما يفكو إلا سيد اللبن يوريهو الكدايس البتشرب اللبن (بتاع الناس) دي وين؟ لمن ناس الحلة يصحو يفكوهو منو! والعجب لمن يجي بوكس (ناس السمك)
• ومالو كمان ومال السمك؟
• أها يطلع ليهم في نص البوكسي ويجدع ليهم السمك ويكورك.. سمك ؟ سمك شنو؟ بلطي؟ بلطي شنوو؟ نحنا دايرين كدايس.. وديتو الكدايس وين؟ ولا كديس وااحد.. ولا كديس واحد؟ يا الله يا الله الناس تنزلو من البوكسي !
• وبعدين؟
• بعدين حالتو استفحلت بقى يمشي يشتري الجريدة ويلف ليك في شوارع (الظلط).. ما يلاقي ليهو (صف بنزين) إلا يطلع فوق راس أول عربية ويكورك: (صف زي ده وكدايس ما في)؟ عذاب زي ده وكدايس ما في.. معقولا ولاااااا كديس !
تواصل (محاسن) زوجة (عباس):

– أها عباس بقى ما كان زول نضيف ولبيس وبيعتني بي لبسو بقى مرات يطلع بالعراقي والسروال.. ومرات بالسروال بس… ولمن خُفنا يقوم يطلع (بالعراقي بس) بقينا نقفل منو باب الشارع ونجيب ليهو الجريدة الصباح.. يقوم يقراها.. ويتشنج ويشيل عكازو ويلف في البيت ما يخلي ليك أوضة ولا مطبخ ولا مخزن إلا يفتشهم وهو متشنج ويكورك (معقولا ولا كديس)!
– والكسر ليهو مخروقتو شنو؟
– أها اليوم داك بعد ما فتش فتيشو داك وراق.. قام رقد في السهلة.. قوم يا كديس الجيران تعال أطلع في الحيطة القدامنا وعينك ما تشوف إلا النور.. قام ليك تترب وشال عكازو وقعد يسك ليك في الكديس.. محل ما الكديس يطلع يطلع معاهو.. الحيطة.. راس المطبخ.. راس الصالون ويكورك (ما قلتو كدايس ما في.. ما قلتو كدايس ما في) لحدت ما انزلق وجاء واقع من فوق!
تألمت كثيراً لحالة جاري (عباس) فهو رجل طيب وقد كان معروفاً في الحي ولدى زملائه في المصلحة التي يعمل بها بشهامته وكفاحه في تربية أبنائه، وقد كان من الواضح أنه يعاني من مرض نفسي له علاقه بتصريحات المسؤولين وقد اقترحت على محاسن أن (نتكل) عباس، ونعرضه على أحد الأطباء النفسانيين والذي بعد أن كشف عليه التفت إلينا قائلاً:

– الحالة دي حالة بسيطة سببا نوع من (المغص) النفسي والقهر و(الغلب) والاستهبال الذي تمارسه الحكومة ضد عباس وبقية المواطنين
– وهسسه يا دكتور بيتعالج؟
– بيتعالج بعد كم جلسة مع شوية مهدئات.. بس على شرط
– شنو؟
– ما تخلوهو يقرأ جرائد ولا يسمع إذاعة ولا يشوف تلفزيون !
بعد عدة جلسات مع الطبيب النفسي أخبرنا بأن (عباس) قد شفي تماماً من المرض ويمكنه أن يزاول حياته الطبيعية.. فرحنا جميعاً فرحاً شديداً، وقرر شقيق (عباس الأصغر) أن (يعمل ليهو كرامة)، .. احتشد المدعوون من (ناس الحلة) وأقرباء (محاسن) وأصدقاء (عباس) وزملاؤه في المصلحة في ظهر ذات جمعة.. ضاق بهم المنزل.. جلس (عباس) والضيوف يتناولون الغداء وهم يتبادلون النكات والقفشات وفجأة نفض (عباس) يده من الطعام وأخذ يشير لهم نحو حائط الجيران الذي اعتلاه أحد القطط قائلاً:
– معقولا … ولا كديس واحد !!

كسرة:
يرقد عباس الآن في عنبر العظام.. ومرة مرة في (التجاني الماحي) !

• كسرة تصريح النائب العام: (لا حماية لفاسد ولا كبير على القانون).. في انتظار ملف هيثرو 4 واوات (ليها أربعة شهور)!

كسرة جديدة لنج: أخبار كتب فيتنام شنو (و) يا وزير المالية ووزيرة التربية والتعليم شنو (و)… 8 واوات (ليها ثمانية شهور).

• كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 97 واو – (ليها ثماني سنين وشهر)؟

• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 56 واو (ليها أربع سنوات وثمانية شهور).

 

 

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة


تعليق واحد

  1. انتو الفاتح جبرة ده بقي يشرب بنقو ولا شنو؟ شابكنا كدابس وكلام خارم بارم وخط هثرو والكتب الطبعوها في فيتنام و …… خمسين واو. الناس ديل وصلوا مرحلة الكتابة ما بتأثر فيهم ديل فضل حل واحدربيع سوداني