صلاح الدين عووضة

سواد !!


*لرمضان خواطر طفولية تعلق بالذاكرة..

*ولأديبنا عبد الله الطيب خاطرة من هذه الشاكلة… لم أقرأها إلا البارحة..

*سطرها بأسلوبه السهل… الممتع… السلس… المباشر..

*وفقرة فيها أعدت قراءتها مرتين… وهي عن كبرياء السودانيين إبان الاستعمار..

*قال إن المستعمر أيقن أنهم ذوو استعصاء على الذل والمهانة..

*ولهذا السبب – يقول – ربما عجلوا برحيلهم (الهادئ)..

*ولكن جاء من بعدهم من عمل على إذلال أهل السودان – وإهانتهم – بالقوة..

*أو بالأصح؛ من بعد الحكومة الوطنية الأولى… المنتخبة..

*والمقصود هنا – بالتأكيد – الأنظمة العسكرية… إذن لماذا لم يسمها؟!..

*لأنه كتب خاطرته هذه في (ظل) نظام عسكري… ولا شك..

*فهي أنظمة ذات (ظل أسود طويل)… بطول سنوات وكستنا منذ الاستقلال..

*وخاطرة ذات (سواد) هي بعض ذكريات طفولتي الرمضانية..

*أبطالها تيس أسود… وقط أسود… وقرد لونه الداكن جداً أقرب إلى السواد..

*أما التيس الذي يخرج علينا من (العدم) فكتبت عنه من قبل..

*وما كانت عقولنا الغضة تؤهلنا لفهم الذي يهمهم به الكبار لنا…تحذيراً..

*وأما القط الأسود فهو لم يكن يموء… وإنما يتكلم..

*وكان موعد ظهوره هو أوان ظهور التيس نفسه… عند ذهاب الكبار إلى التراويح..

*ولم يكن كلامه مفهوماً لنا بالطبع… ولكنه كلامٌ على أية حال..

*ويظل (يرطن) وهو يجوس خلال بيوت الحي… من أعلى حائط إلى آخر..

*والنساء يستعذن منه إلى أن يختفي… ونحن نضحك..

*وما كان اختفاؤه يحدث إلا حين يزداد الليل سواداً… ويصير في سواد لونه..

*وأما القرد فلم يكن يقل غموضاً عن أصحابه… ودارهم..

*كان منزلاً يقع شمال غرب الاستراحة… طوبه البني المحروق يميل للسواد..

*ولون القرد العجيب في لون هذا الطوب ذاته… تقريباً..

*بل كان عجيباً جداً؛ لا نراه إلا عقب الإفطار… مثل التيس والقط تماماً..

*ثم يفعل أشياء لا تقل عن أشيائهما عجباً… ومنها (التمايل)..

*وربما كان أصحابه الغامضون مدمنين للرقص… فما كنا نعرف عنهم الكثير..

*كانوا شديدي بياض البشرة؛ لا يداخلون الجيران… ولا يداخلوهم..

*ويظل يقوم بهذه الحركات المضحكة إلى أن يلحق به صبي من أهل البيت فيأخذه..

*أما الحياة السياسية فكانت مجللة بالسواد… هي الأخرى..

*كان الخوف يحاصر الكبار….. فلا يتكلمون فيها إلا همساً..

*مثلما تحاصرنا نحن الصغار تلكم المخلوقات السوداء…ويحاصرنا خوفنا منها..

*وتلتقط آذاننا – من بين ما تلقط – أحاديث تزيدنا خوفا..

*هذا اعتقلوه… وذاك عذبوه… وتلك رمَّلوها… وأولئك فصلوهم..

*وكلُّ جماعةٍ مؤتلفة تخشى جماعةً مضيَّفة… خشية أن يكون من بينهم (عسس)..

*وقالها عبد الله الطيب ؛ المستعمر لم يذل السودانيين..

*وإنما أذلَّهم من جاء بعدهم… من بني جنسهم..

*وجعل حياتهم (سواداً !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة