جعفر عباس

القطوس والقنفذ


عثرت على مقال طريف للكاتب السوداني فتحي حسن عجب عشي، يورد فيه ما حدث لسوداني في ليبيا، وسأورد وقائعها باللهجة الليبية نقلا عن كاتبها: وجد ليبي سودانياً يعمل في مزرعة، يرمي قطوساً )قطّاً( ليبياً )ابن بلد( بالحجارة، فاستفزه المشهد فتصدى له بقوله: كنك يا سوداني عالقطوس. إيش تبي منه؟ السوداني: القطوس كل يوم ياكل الأكل مالي.. نبي نموته اليوم.. الليبي: خيرك إت براني )أجنبي( تبي تموِّت القطوس ابن البلاد يدهور )يتجول( في بلاده يبي يَشْتَّمْ هوا. والله توه نخرجوك!
في قسم الشرطة سأل الشرطي مواطنه: خيرك يا حميده )خير يا رجل(؟ الليبي: خيري وين. والله ريت يا حميده سالفة ما سارت بلكي )شهدت قصة يا رجل لم تحدث قَط من قبل(. ها السوداني يبي يموت القطوس ابن البلاد، في بلاده. بالله عليك قولوه ايش تبي منه؟ السوداني: ها القطوس كل يوم ياكل أكل مالي.. الشرطي: نبي نخرِّجوك توه عابلادك يا سوداني!! فخرجووووووووه وأعادوه إلى السودان!
قبل نحو ثلاث سنوات ضجت وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة »فيسبوك« و»واتساب« بموضوع مفاده أن هذا القنفذ المسالم بالنسبة للإنسان، مطلوب بمبالغ كبيرة تصل إلى ملايين الجنيهات السودانية، لأنه مطلوب بشدة خارج السودان، حيث يسهم في علاج بعض الأمراض المستعصية، من بينها السرطان، وهناك من قال إن استخدام بعض أعضاء جسم القنفذ بطريقة معينة يجلب الزواج للفتيات اللاتي فاتهن القطار.
القنفذ حيوان صغير من الثدييات ينشط صيفاً وينام شتاءً، ويعتاش على أكل الحشرات والديدان والزواحف والفئران الصغيرة وبيض الطيور التي تعشش في البراري، كما يأكل النباتات والثمار. وبهذا الوصف فهو يشكل أهمية بالغة في التنوع البيئي، الأمر الذي حدا ببعض الناشطين في مجال البيئة الى إصدار احتجاجات تطالب السلطات بمحاربة اصطياده وبيعه.
ومن القط الليبي ينتقل فتحي عشي الى القنفذ السوداني، »وقد تكالب عليه )مواطنوه( في مشهد تراجيدي أليم! تنكروا له، وفرَّقوا بين الوالد وولده، وبين الزوج وزوجه، وأحالوا حياته جحيماً دون أن يرف لهم جَفْنٌ أو يندي لهم جبين، وهم يطلقون الشائعات )المليارية( الجوفاء!! ويفترون عليه، غير عابئين بأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند!!
هو ذلك الوديع المسالم، الذي يقوم بواجبه )أكل الحشرات الضارة(، للمحافظة على التوازن البيئي، ويمارس مهامه من وراء جُحر، ومن خلف الكواليس، في هدوء وصمتٍ ونُبلٍ، وفجأةً وبين عشيةٍ وضحاها، وجد هذا المخلوق الوديع نفسه مطلوباً »حياً أو حياً«، دونما سبب واضح يبرر انتهاك حقوقه التي كفلتها دساتير وأضابير الحياة البرية، فجيء به من الأقاصي ليلاً وقد رُوِّعَ أمنه، وأُرقَ مضجعه، وهو مشدوه مذهول لا يصدق ما يحدث له وتعرض للإبادة الجماعية«.
»ولا يجب أن يمر هذا الحدث مرور الكرام، ويجب أن ينال كل مَن أسهم في هذا الحدث الجلل كائناً من كان، وزيراً كان أم خفيراً، رجل أعمالٍ كان أم سمساراً عاطلا.. يجب أن ينال كلٌّ جزاءه العادل، وحسابه العسير على ما أقدم عليه، ومعرفة الدوافع إليه والمتدافعين فيه، ويجب ألا نترك الحبل على )الغارب( وهو كتف البعير، وليس )القارب( كما يحلو لأنصاف المتعلمين الذين هم على سُدَّة إعلامنا بأشكاله المتعددة«.
أقول يجب ألا نسمح )وبأثر رجعي( أن يأتي ويزعم كلُّ من هبَّ ودبَّ ما يشاء، ويتسبب في وقوف البلد كلها على رجل واحدة! )في الفاضي والفارغ(، وألا تُسجَّل الجريمةُ ضد مجهول!! ويجب أن يعرف كل الشعب السوداني حقيقة ودوافع من تسبب فيما جرى وما يجري«.
ثم يعدد فتحي عشي الهبل الوبائي الذي روجت له وسائل التواصل في السودان، عبر الانترنت حول علاج مرضى السكر بالسكر، وعجائب شجر الدمس الذي صار كارثة لأن جذوره تتلف أنابيب المياه والصرف الصحي، وتلكم الشجرة الأعجوبة )المورينقا(، التي قيل إنها تعالج أكثر من 300 نوع من الأمراض، ومكواة الفحم التي شعارها »ديك«، وقيل إنها تساوي الملايين لأنها مصنوعة من معادن ثمينة.
ويختتم عشي مقاله حول تلك الخزعبلات بالقول إنه حتماً هنالك مكاسب من الترويج لها، وبالتالي هناك متضررون تعطلت مصالحهم، وسُخِّروا لما لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ويجب أن نقتص لهم، ولو على أقل تقدير المحاسبة تحت مادة الإزعاج العام للمواطن والسلطات.

زاوية غائمة
جعفـر عباس