منوعات

في حب الله .. سيف الله المسلول


خالد بن الوليد شهرته سيف الله المسلول (و. 592 – ت. 642)، هو أحد صحابة النبي محمد. اشتهر بتكتيكاته ودهائه العسكري، كان قائداً للجيش الإسلامي في عهد الرسول وفي عهده خلفاءه الراشدين؛ أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب. تحت قيادته العسكرية، أصبحت الجزيرة العربية، لأول مرة في تاريخها، في كيان سياسي منفرد، الخلافة. انتصر خالد بن الوليد في مئات المعارك، ضد قوات الامبراطورية البيزنطية-الرومانية، الامبراطورية الساسانية الفارسية، وحلفائهم، بالإضافة إلى القبائل العربية الأخرى. تضمنت انتصاراته العسكرية فتح شبه الجزيرة العربية، فارس وسوريا وبلاد الشام، من عام 632 حتى 636. واشتهر بن الوليد أيضاً لانتصاراته في معركة اليمامة، أليس، والفراض، والولجة ومعركة اليرموك.

الحياة المبكرة

ولد خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي في مكة، وأبو سليمان، أحد أشراف قريش في الجاهلية وكان إليه القبّة وأعنّة الخيل، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحرب… كان إسلامه في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك إلا إلى الخير) ولد لأب شديد الثراء ورفيع النسب والمكانة هو الوليد بن المغيرة الذي قال فيه القرآن: “ذرني ومن خلقت وحيداً”، وأمه هي لبابة بنت الحارث الهلالية.

كان خالد بن الوليد ميمونَ النقيبـة، وأمّه عصماء، وهي لبابة بنت الحارث أخـت أم الفضـل بنت الحارث، أم بني العباس بن عبد المطلب، وخالته ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم كما يمتد نسب خالد بن الوليد إلى الجد السابع للنبي محمد.

كان له ستة إخوة وأختان، نشأ معهم نشأة مترفة، وتعلم الفروسية منذ صغره مبدياً فيها براعة مميزة، جعلته يصبح أحد قادة فرسان قريش.

كان خالد بن الوليد مترددا في النظر للاسلام، وحارب المسلمين في غزوتي أحد والاحزاب ولم يحارب في بدر لانه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الاولى بين المسلمين و مشركي قريش ، غير أنه بدأ يميل إلى الإسلام وأسلم بعد صلح الحديبية، رغم أنه كان صاحب دور رئيسي في هزيمة المسلمين في غزوة أحد في نهاية الغزوة بعد ان قتل من بقي من الرماة المسلمين على جبل احد و التف حول جيش المسلمين و طوقهم من الخلف و قام بهجوم ادى إلى ارتباك صفوف جيش المسلمين.

دخوله الإسلام

أسلم خالد في صفر للسنة الثامنة الهجرية، قبل فتح مكة بستة أشهر، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين، وذهب ليعلن إسلامه بين يدي الرسول صل الله عليه و سلم برفقة صاحبه عمرو بن العاص، وبدأ منذ ذلك الحين جهده و عمله الحثيث الكبير في نصرة الإسلام و المسلمين و نشر دين الله في الارض. وتعود قصة اسلام خالد الى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: (أين خالد؟)… فقال الوليد: (يأتي به الله).

فقال النبي: -صلى الله عليه وسلم-: (ما مثله يجهل الاسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له، ولقدمناه على غيره)… فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد… فأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلام وعقلك عقلك، ومثل الاسلام يجهله أحد؟!… وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد – وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه – ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه، فقد فاتتك مواطن صالحة) .

وقد كان خالد -رضي اللـه عنه- يفكر في الاسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سرورا كبيرا، وأعجبه مقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه، فتشجع و أسلـم ورأى خالد في منامه كأنه في بلادٍ ضيّقة جديبة، فخرج إلى بلد أخضر واسع، فقال في نفسه: (إن هذه لرؤيا)… فلمّا قدم المدينة ذكرها لأبي بكر الصديق فقال له: (هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك).

الحملات العسكرية في عهد محمد

شارك خالد في أول غزواته في غزوة مؤته ضد الغساسنة والروم وظهر نبوغه العسكري في هذه الغزوة وانقذ جيش المسلمين وقام بخداع جيش الروم وانسحب بجيش المسلمين في أروع خطة انسحاب في التاريخ و عاد بهم إلى المدينة المنورة وفي هذه الغزوة سماه الرسول صلى الله عليه وسلم سيف الله. ولقد امره الرسول صلى الله عليه وسلم على أحد الكتائب الاسلامية التي تحركت لفتح مكة واستعمله الرسول أيضا في سرية للقبض على اكيدر ملك دومة الجندل أثناء غزوة تبوك.
غزوة مؤتة

كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد، وقد قتل قادتها الثلاثة: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم-، فسارع الى الراية (ثابت بن أقرم) فحملها عاليا وتوجه مسرعا الى خالد قائلا له: (خذ اللواء يا أبا سليمان) فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا: (لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به، لك سن وقد شهدت بدرا)… فأجابه ثابت: (خذه فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته إلا لك). ثم نادى بالمسلمين: (أترضون إمرة خالد؟)… قالوا: (نعم)… فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، يقول خالد: (قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب ،… وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان…، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم)… فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.

وأثرى مشاعره وعقله ولقد طفق خالد ينهل من مدرسة النبوة العظيمة حتى اصبح القائد الذي يعلم إلى اليوم قادة العالم، ولا ننسى ان خالد بن الوليد طالب نجيب في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم. والجدير بالذكر أن خالد بن الوليد كان يتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من نواحي الحياة وتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التكتيكات العسكرية والنصائح التي نفعته في ما بعد في معاركه ولقد هذبه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه وأدبه وصقل موهبته.

ثم قام بمواجهة مسيلمة الكذاب مدعي النبوة الذي امتلك اكبر جيوش المرتدين و هزمه في معركة اليمامة و هي من اكبر المعارك التى خاضها المسلمين مع المرتدين. وشارك في فتح مكة وفي حروب الردة، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبُطاح، وقتل مالك بن نويرة، ثم أوقع بأهل بُزاخَة – وهي المعركة التي كانت بين خالد و طليحة بن خويلد-، وحرقهم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وثبتوا على ردّتهم، ثم مضى الى اليمامة ووضع حداً لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بني حنيفة. وفي فتح بلاد الفرس استهل خالد عمله بارسال كتب إلى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد الى مرازبة فارس، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فالحمدلله الذي فض خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم، من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا، إذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرّهُن واعتقدوا مني الذمة، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة !!).

وعندما جاءته أخبار الفرس بأنهم يعدون جيوشهم لمواجهته لم ينتظر، وإنما سارع ليقابلهم في كل مكان محققا للإسلام النصر تلو الآخر0ولم ينس أن يوصي جنوده قبل الزحف: (لا تتعرضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، إلا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين).

بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى العُزّى يهدِمُها، فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (هُدِمَتْ؟)… قال: (نعم يا رسول الله)… فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هل رأيت شيئاً؟)… فقال: (لا)… فقال: (فإنك لم تهدِمْها، فأرجِعْ إليها فاهدمها)… فرجع خالد وهو متغيّظ، فلما انتهى إليها جرّد سيفه، فخرجت إليه إمرأة سوداء عُريانة، ناشرة الرأس، فجعل السادِنُ يصيح بها، قال خالد: (وأخذني اقشِعْرارٌ في ظهري)… فجعل يصيح:
أعُزَّيَّ شـدِّي شدّةً لا تكذّبـي أعُزّيَّ فالْقي للقناع وشَمِّـري
أعُزَّي إن لم تقتلي اليومَ خالداً فبوئي بذنبٍ عاجلٍ فتنصّري

وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول:
يا عُزَّ كُفرانَكِ لا سُبحانَكِ إنّي وجدتُ اللهَ قد أهانَكِ

فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع الى رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: (نعم ! تلك العُزّى قد أيِسَتْ أن تُعبدَ ببلادكم أبداً).

ثم قال خالد:
«أيْ رسول الله، الحمدُ لله الذي أكرمنا بك، وأنقذنا من الهَلَكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العُزّى نحيرُهُ، مئة من الإبل والغنم، فيذبحها للعُزّى، ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينا مسروراً، فنظرتُ إلى ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يُعاش في فضله، كيف خُدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟!)… فقال رسول الله: (إنّ هذا الأمرَ إلى الله، فمَنْ يسَّرَهُ للهّدى تيسر، ومَنْ يُسِّرَ للضلالة كان فيها.»

وفاته رضي الله عنه

توفي خالد بن الوليد عام 21 للهجرة، الموافق 642 ميلادي، حيث قضى خالد بن الوليد آخر أيام حياته في حمص ما يقارب الأربع سنوات، ثم مات على فراشه، وفاة طبيعية، وقد قال قبل وفاته: “لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفي ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء”. وقد حزن المسلمون على موته حزنا شديدا، وقال عمر بن الخطاب لما سمع النساء يبكنيه: “على مثله تبكي البواكي”.

موقع النيلين