الصادق الرزيقي

فرصة أخيرة


لا يبدو أن هناك أفقاً للحل في دولة جنوب السودان، رغم الجهود المبذولة هذه الأيام من هيئة الإيقاد التي يجتمع وزراء خارجيتها الآن في أديس أبابا بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة

وانفضاض سامر الأطراف الجنوبية دون أدنى اتفاق، وزيارة الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير ميارديت إلى العاصمة الإثيوبية في محاولة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والاستنجاد برئيس الوزراء الإثيوبي في مواجهة العقوبات التي فرضت على بلاده من الأمم المتحدة واتقاء سيف العقوبات الأمريكية المتثاقلة على عاتقه والمتساقطة عليه كل فترة.
> لا يبدو المشهد الجنوبي مشجعاً رغم اتفاق هيئة الإيقاد وشركائها الغربيين على رفع الحظر والإقامة الجبرية على زعيم المعارضة الجنوبية د. رياك مشار ونقله من جنوب إفريقيا إلى دولة قريبة في الإقليم وترتيب لقاء بينه وبين الرئيس سلفاكير الذي أطلق إشارات بعدم ممانعته في عودة مشار إلى العاصمة جوبا وانخراطه من جديد في السلطة.

> ومن المحتمل عقد لقاء سلفا ــ مشار، هذا الشهر قبيل موعد القمة الإفريقية المقبلة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط يوليو المقبل، وقد تكون عاصمة موزمبيق هي المكان المرشح لعقد هذا اللقاء بين الزعيمين الجنوبيين، وهناك أصوات دولية وفي الإقليم ظلت تطالب بخروج كل من سلفا ومسار من المشهد السياسي الجنوبي وإبعادهما من أية أدوار سياسية وإفساح المجال لقيادات بديلة لإدارة شؤون الدولة الوليدة التي عانت أمراض ما بعد الولادة والتسنين، وهي حالة لم تشهدها أية دولة منفصلة من قبل، وعلى ذلك فإن من الخطأ تصور مجرد خروج الرجلين المتنافسين سلفا كير ورياك مشار من اللعبة السياسية سيمكن دولة الجنوب من الاستقرار، فالانقسام الجنوبي ليس انقساماً رأسياً فقط بل هو تمزق أفقي عنيف ضرب التماسك الوطني والأهلي لمكونات الجنوب السكانية، وتتعذر لملمة هذا الشتيت بسهولة بعد انفراط عقده.

> قد يكون من الميسور على الإيقاد والدول الغربية فرض إرادة ورؤية للحل من الناحية النظرية، لكن في الواقع هناك عقبات وصعوبات بالغة تعترض أية حلول في هذه الدولة، ولا يكفي سحب زعماء أو تغييبهم في تحقيق التهدئة المنتظرة، فبدون تسوية سياسية شاملة وإعادة رسم جديدة لقسمة السلطة والثروة وإعادة تكوين جيش موحد لدولة الجنوب على نسق مختلف وعقيدة عسكرية جديدة تختلف عن الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة الجنوبية وتحقيق نوع معقول من مقومات الحياة والأمن والاستقرار، لا يمكن قيام هذه الدولة من كبواتها أو إخراجها من القاع السحيق.
> وتحاول بعض دول المنطقة أو دول في الإيقاد، صناعة مسار خاص بها للانفراد بالحل في جنوب السودان، وهذا هو رابع المستحيلات، فلدولة الجنوب خصائص وحقائق ومعطيات تتنافر وتتقاطع ولا يمكن فهمها بسهولة لطرف إقليمي واحد، والغريب أن هذه الدول التي تريد الانغماس منفردة في الوحل الجنوبي وتوليد حل لأزماته، تتوهم أنها بدون الدولة الأم وهي السودان تستطيع تحقيق ذلك!! وهو أمر يدعو للعجب فعلاً!! وقد يكون السبب الذي أغرى بذلك أن الخرطوم تعاملت بمثالية مفرطة عندما رضيت بأن تعمل فقط على تسوية الأزمة الجنوبية في إطار هيئة الإيقاد وتحت إشراف الاتحاد الافريقي.
> حرمت الخرطوم نفسها من دور مباشر، وكانت قادرة على أن تتعامل بشكل مختلف مع هذه القضية الشائكة المعقدة وهي تمتلك الكثير من أوراق الحل، ولها علاقات مع كل الأطراف الجنوبية الفاعلة، ورغم كل الاتهامات والظنون والشكوك هنا وهناك يمكن للخرطوم أن تكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف الجنوبية المتناحرة، وسيقبل بها وسيطاً نزيهاً جميع الفرقاء المتقاتلين.

> لذا يلوح في الأفق هذا التفكير الجاد، ولربما يكون هو الملاذ الوحيد في حال فشل لقاء سلفا كير ــ مشار في موزمبيق أو غيرها، ولن تجد الفصائل الجنوبية بلداً يفهم أبعاد أزماتهم وإغرائها، ويعرف كيف تتم التسوية دون كلفة عالية ومماطلتها وتطاول غير السودان.
> وشيء آخر … لقد أثبتت التجربة العملية أن نمط العقوبات الأمريكية أو التي يفرضها مجلس الأمن الدولي على شخصيات رسمية ومعارضة في دولة الجنوب، غير ذات جدوى ولا يمكن أن يكون لها تأثير قوي وفاعل على مسار الوضع الراهن، فالبحث عن تسويات عملية وسهلة دون أطماع دولية وإقليمية واشتراطات هو أسهل الطرق لإيقاف نزيف الدم ومعاناة الشعب الجنوبي المنهوك.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة