تحقيقات وتقارير

يشهد ارتفاعاً كبيراً الزي المدرسي .. حالة غلاء


موظف: الأسعار زادت بنسبة (70%) عن العام الماضي

طالبة: أغلب الأسر تحت خط الفقر وعاجزة عن الشراء

تاجر: نبيع “برخص التراب ” والفائدة 1% فقط

اقتصادي: يجب إنشاء مراكز تتصدى لجشع التجار وتبيع بأسعار منخفضة

بعد أن فرغت من عرض ملابس العيد.. سرعان ما اتجهت الأسواق والمحلات التجارية إلى إنزال منتج آخر وهو (الزي) المدرسي.. استعداداً لاستقبال العام الدراسي الجديد الذي ينطلق في يوليو القادم، ومن خلال تجوالنا في سبعة محلات بسوق أم درمان، كانت أكثر الشكاوى تردداً على الأسماع، هي حالة الغلاء الطاحنة لأسعار الزي المدرسي (أقمشة ـ وجاهز) خاصة.. ومستلزمات المدارس الأخرى بشكل عام، بل إن موظفاً يدعى محمد يعمل في مصلحة حكومية، جزم بأن الأسعار زادت بنسبة (70%) عن العام الماضي، وأنه أمام خيار واحد وهو إعادة ترميم الملابس القديمة لأبنائه حتى يتمكن من شراء الحقائب والكراسات وغيرها من المكملات، فيما أكد آخرون أنهم يبحثون عن الأقل سعراً بعيداً عن الجودة نسبة لأن ملابس العيد قضت على جيوبهم.

خط رجعة

النزول إلى الأسواق بعد عطلة العيد مباشرة، كان ضرورة بالنسبة للمواطنة (سعاد عبد الله )، فطوال تجوالها في الأسواق قبيل العيد بأسبوع كانت تتردد على المحلات التي فضلت عرض الأزياء المدرسية، وفي كل مرة تصاب بصدمة وحيرة، فحسب ما ذكرت لـ(الصيحة ) أن ملابس المرحلة الثانوية معروضه في أحد المحلات بسعر (750) جنيهاً للبسة الواحدة، مما جعلها تتخذ خط رجعة وتترك الأمر إلى ما بعد العيد، وأيضا تفاجأت بغلاء غير مسبوق فلم تقم بالشراء وفضلت الانتظار حتى نهاية الشهر، عسى ولعل أن يتم إرجاء موعد الدراسة نسبة لأزمة الوقود التي سوف تنعكس على أصحاب التراحيل والمواصلات عامة ويصبح المتضرر الأول هو الطالب.

جنون العصر

وحتى استوثق من حقيقة ارتفاع الأسعار ظللت أعمد إلى زيارة بعض المحلات بسوق أم درمان، فإن الأسعار تبدو باهظة الثمن، فعلى سبيل المثال أزياء مرحلة الأساس الجاهزة للحكومي (بنين ـ بنات) تتفاوت أسعارها من تاجر إلى آخر ما بين (300 ـ 650) جنيهاً، فيما تفاوتت أسعار الأقمشة حسب النوع والموديل وتراوح المتر منها ما بين (100 ـ 120) جنيهاً، ولا توجد مفاوضات للشراء بسعر يناسب الوضع الاقتصادي للأسر، ولم يبدِ المواطن عبد الكريم حسن ضابط شرطة استغرابه من حالة الغلاء، ويقول إن هذا لا يساوي شيئاً أمام أسعار الملابس الجاهزة التي تباع في المدارس الخاصة، والتي قد تصل إلى (ألف ) جنيه وأطلق على ما تمر به الأسواق اسم (جنون العصر ) ، وأضاف أنه مضطر للشراء مبكراً لتفادي الزحمة التي سوف تشهدها الأسواق، وطالب بمراجعة أسعار الملابس وعلى وزارة التربية والتعليم إصدار قائمة بالأسعار على أن يتم توزيع الملابس من الوزارة إلى المدارس في كافة المناطق، نظراً لأن هناك أسراً لا مقدرة لها على الشراء.

حالة خوف

ومن داخل محلات ود العركي للأقمشة، أفادت المواطنة سهى الريح وهي أم لطالب مقبل على المرحلة الثانوية أنها أمام خيار واحد فقط وهو شراء الملابس بسعر (600) جنيه، نسبة لأن هذا أول عام لابنها في المرحلة الثانوية وهي تسعى جاهدة لأن توفر كل ما يحتاجه، وتخوّفت من أن تشهد أسعار المستلزمات الأخرى (حقائب ، أدوات مدرسية، كتب خارجية) وغيرها ارتفاعاً أيضاً، الأمر الذي يتطلب ميزانية ضخمة حتى تتمكن من توفير متطلبات الدراسة، وقالت (بحكم عملي فراشة في مدرسة ثانوية أعلم جيداً الحالة النفسية التي يعاني منها الطالب عندما لا يرتقي لمستوى زملائه، لذلك أحاول جاهدة توفير ما يمكن توفيره حتى لا يشعر ابني بنقص)، وأشادت بالأسر التي اشترت ملابس وأدوات المدارس قبل حلول شهر رمضان، وأشارت إلى أن وقتها الأسعار كانت منخفضة جداً وفي متناول اليد.

إعلان الفلس

انتقلنا من سوق أم درمان إلى المحلات التجارية المحيطة بموقفي (الإستاد وجاكسون) بالسوق العربي، الذي تكتظ محلاته في ساعات النهار بالباعة والمشترين، ولاتختلف الأسعار كثيراً عما هي عليه بسوق أمدرمان، بل أكد المواطن ياسر أكرم أن كل شيء سعره مرتفع، وظل يجأر بالشكوى من حالة الغلاء الطاحنة التي أكد أنها “طحنتهم طحن”، وأضاف أنه تعود على شراء طقم أو طقمين من الملابس لأبنائه الأربعة الذين يدرسون بمراحل مختلفة، ولكنه هذا العام أعلن إفلاسه وعدم مقدرته على الشراء على أن يستخدموا ملابس العام الماضي، وأوضح أن الهدف من نزوله السوق لشراء حقائب مدرسية فقط، وطالب الأسر بضرورة الاستفادة من الملابس المدرسية القديمة واستخدامها مرة أخرى لأن الوضع يتطلب ذلك.

عجز وفقر

أما إبتغاء أحمد طالبة جامعية، دلفت مجمع (أولاد مأمون ) بمنطقة الإستاد برفقة شقيقتها المقبلة على المرحلة الثانوية للاستفسار عن أسعار الملابس، فأفادت (الصيحة ) أن الأسعار هذا العام مبالغ فيها جداً، وتثقل كاهل الأسر التي بات معظمها تحت خط الفقر، وأضافت أنها لاحظت أن أغلب المحلات كانت تعرض الزي المدرسي تزامناً مع ملابس العيد خلال الأسبوع الماضي، وأن الكثيرين فضلوا شراء ملابس المدارس على ملابس العيد وهذه تعتبر خطوة جيدة جداً، وأكدت عجز الكثير من الأسر عن تلبية احتياجاتها، بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار وموجات الغلاء المتلاحقة في الخدمات كافة، وطالبت وزير التربية والتعليم بإصدار قرار وزاري بتوحيد الزي المدرسي حكومي وخاص، مع إلزام المدارس الخاصة بتنفيذ القرار كونها تتعامل مع معارض ملابس بعينها، وتفرض أسعاراً خرافية على أولياء الأمور.

سياسة مرفوضة

واتفقت ماجدة إبراهيم علي مشرف تربوي، مع حديث الطالبة إبتغاء فيما يتعلق بغلاء أسعار الملابس التي تعرض في المدارس الخاصة، وقالت إن إدارات المدارس الخاصة تعقد اتفاقيات مع معارض بينعها أو موردي أقمشة ومن ثم خياطتها وبيعها إجبارياً للأسر بأسعار مرتفعة جداً، وعلى سبيل المثال بلغ سعر الزي المكون من (بنطلون وقميص) للمرحلة الثانوية خلال العام الماضي حوالي (350) جنيهاً في بعض المدارس الخاصة بمحلية أم درمان، فيما وصل إلى (450) جنيهاً في مدارس أخرى ببحري والخرطوم، أما ملابس الطالبات فقد بلغ سعرها (400) جنيه، وترى أن هذه السياسة تهدف للربح الزائدة وهي مرفوضة تماماً، وأضافت غير أن واقع الحال يجبر أولياء الأمور على التعامل مع شروط المدرسة مسبقاً، وناشدت بضرورة البيع بالسعر المناسب مع تدخل وزارة التربية وإدارات التعليم بالمحليات.

فجوة كبيرة

فيما أكد التجار على أن أغلب الأقمشة مستوردة من الخارج، وهناك زيادات طرأت على قيمة الترحيل والجمارك، الأمر الذي دفعهم لزيادة الأسعار حتى تغطي معهم، وقال التاجر عبد الله يعقوب إنهم يبيعون “برخص التراب ” مراعاة لوضع الأسر، وأن فائدتهم لا تتعدى الـ(1%)، وأضاف أن الأسعار في العام الماضي كانت مناسبة ولم تشعر بها الأسر لأن الوضع كان مختلفاً، ولكن هذا العام شهد ارتفاعاً في كل شيء وانعكس ذلك على البضاعة المعروضة، كما أن أزمة الوقود ساهمت بشكل كبير في زيادات أسعار البضائع لارتفاع قيمة الترحيل محلياً، وحتى يتم سد الفجوة لابد من زيادة السعر وتفادي الخسارة، فيما توقع تاجر آخر اسمه الريح آدم أن تشهد الأسواق خلال الفترة المقبلة ركوداً كبيراً في الموسم وانخفاض معدلات البيع.

تحدٍ كبير

ويرى الخبير الاقتصادي عبد الله شيخ الدين، أن ارتفاع سعر الصرف والأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد تمثلان تحدياً كبيراً أمام السوق السوداني، الأمر الذي عجز أمامه البنك المركزي على فرملة الدولار وبالتالي انخفاض الأسعار، وأشار إلى أن الزي المدرسي ليس بعيداً عن ذلك فهو يتأثر بالوضع كبقية السلع الأخرى، ودعا لإنشاء مراكز منافسة تتصدى لجشع التجار لبيع الزي بأسعار منخفضة على أن تشرف عليها الجهات العاملة في حماية المستهلك للمساهمة في تخفيف أعباء الأسر، متوقعاً أن يعمد أصحاب التراحيل العاملة في المدارس عامة ورياض الأطفال خاصة إلى زيادة الأسعار بنسبة (50%) مما ينعكس على ميزانية الأسر بشكل كبير، ودعا لضرورة تأجيل موعد العام الدراسي إلى حين استقرار الوقود وانسياب المركبات عامة حتى لا يتضرر الطلاب جراء الأزمة، وعاد ليطالب جمعيات حماية المستهلك بفرض الرقابة على الأسواق والتجار لضبط أسعار مستلزمات المدارس نظراً لأن هناك تجاراً يعرضون ملابس قديمة بأسعار جديدة مبالغ فيها.

أخيراً

يبدو واضحاً من خلال الاستطلاع الذي أجرته (الصيحة) أن الأسر تواجه حالة استياء بسبب تفاوت وارتفاع الأسعار، خاصة وأن مستلزمات العيد قضت على (الأخضر واليابس)، لتحيطهم مستلزمات العام الدراسي التي لا بد منها، كما اتضح أن هناك تلاعباً كبيراً في الأسعار وفوضى تقودها المدارس الخاصة التي تقوم باستغلال أولياء الأمور وإجبارهم للخضوع لرغبتها، وتأكد من خلال المطالب السابقة أن الحل الوحيد بيد وزارة التربية والتعليم وحدها.

الخرطوم: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة