رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: احذروهم!


-1- في شهر رمضان، وقعت حادثةٌ غريبةٌ من نوعها بمدينة المناقل: في ليلة واحدة، سُرِقَتْ خمسُ صيدليات على التوالي.
في أيام العيد، تمَّ سطوٌ مُسلَّحٌ على محطتي وقود، بطريقة مُثيرة جداً.
قبل أشهر، نشرت الصحف عدداً من حوادث السطو المُسلَّح بولاية الجزيرة، وصلت في بعضها مرحلة القتل.
-2-
الأمر تجاوز حوادث السرقة العادية، إلى عمليات سطوٍ مُنظَّمٍ ومُنتظمٍ في ولاية وسطية، تُعتبر الأقرب لمركز السلطة، والأشهر من حيث الاستقرار والتجانس الاجتماعي، وسُكَّانها أبرز ما يُميِّزهم المُسالَمة وعدم النزوع للعُنف المسلح.
نوعية الجرائم وعددها وحدوثها في فترة زمنية مُتقاربة، يُوضِّح وجود متغيراتٍ جديدة تستدعي البحث والدراسة، لمعرفة جذر هذا التحوُّل الخطير، والشروع في إيجاد المعالجات قبل خروج ليالي الجزيرة من يد السلطات، وخروج أمنها وسلامها من نوافذ الخوف، وتحوُّل الولاية لمنطقة شدَّة أمنية.
-3-
السؤال الذي يستحقُّ الإسراع في إيجاد إجابة عنه: هل هذه الحوادث الأمنية الخطيرة، مُترتِّبة على تطوُّر الجريمة واتساع نطاقها، أم أنها نتاجُ قصورٍ أمنيٍّ وعجزٍ عن توفير مُقوِّمات الحماية الأمنية وفرض هيبة الدولة؟!
قد يكون الأمر مُختلطاً بين الاثنين: تطوُّر للجريمة وعجز عن ملاحقتها، والحدّ منها عبر إجراءات استباقية وقائية.
-3-
المُزعج في الأمر، ما يُشاع على نطاقٍ واسعٍ بالولاية، عن اشتراك بعض أصحاب الخلفيَّات العسكرية في هذه الجرائم.
لو صحَّ ذلك، ستكون المصيبة أكبر والخطر أوسع والعلاج أوجب في أسرع وقت، قبل اتّساع الفتق وانكسار (المرق)، وتشتُّت الرصاص .
-4-
قبل أشهر، لاحظت في صفحات الجريمة بالصحف، كثرة الجرائم المنسوبة لنظاميِّين حاليِّين وسابقين.
جرائم متعلقة بالابتزاز والسرقة والتزوير والاحتيال، وغير ذلك من الجرائم الفردية والجماعية.
كلَّفتُ وقتها الصحفية المتميزة هاجر سليمان، بإجراء تحقيقٍ عن الظاهرة.
تمكَّنت هاجر من إنجاز تحقيق شمل معلومات صادمة عن تلك الظاهرة، وإفادات مُهمَّة من وزير الدولة بالداخلية، ومقترحات علاجية من مُتخصِّصين وأهل خبرة ودراية.
من أهم المُقترحات ما تقدَّم به وزير الدولة بالداخلية بابكر دقنة، حينما طالب بإنهاء ما أسَّست له نيفاشا من ولائية الشرطة وعدم مركزيَّتها.
وآخرون تحدَّثوا عن اختلالٍ في مقاييس الاختيار والاختبار، وضعف التدريب الإعدادي. وركَّز كثيرون على ضعف العائد المالي للوظيفة، وعدم جاذبيتها وهروب الكثيرين من سوحها بحثاً عن خيارات أُخرى، قد يكون من بينها ولوج عالم الجريمة.
-5-
لا يُنكر إلا مُكابرٌ ما تقوم به الشرطة من أعمالٍ جليلةٍ في حماية الأمن ومُكافحة الجريمة، رغم الصعوبات التي تُواجه مهامها، والتي من بينها ما هو اقتصاديٌّ واجتماعيٌّ وأمنيٌّ وديمغرافي.
رغم ذلك، من أهم واجبات الشرطة الآن، أن تبحث بجديَّة وحرص، عن تطوير وسائلها في مُكافحة الجريمة، وفرض هيبتها وتجاوز أزماتها الداخلية، ولن تنجح في ذلك إلا بعونٍ كبيرٍ من الحكومة والمُجتمع، واعترافٍ نبيلٍ من قيادتها بوجود خللٍ ما يستحقُّ الإصلاح عاجلاً وليس آجلاً .

ضياء الدين بلال