عالمية

ما هي كارثة “عام الجراد” التي خرّبت أراضي أميركا؟


مع بداية شهر يونيو/حزيران سنة 1874، تزايدت آمال فلاحي منطقة كانساس الأميركية بإمكانية حصولهم على محاصيل وافرة من القمح والشوفان، ويعزى السبب في ذلك أساساً إلى الأحوال الجوية الجيدة وكثافة تساقط الأمطار خلال فترة الشتاء. بالتزامن مع ذلك، كانت المراعي خصبة مما وفّر كمية هامة من الغذاء للماشية، خاصة البقر.

وفي أثناء ذلك وخلال الفترة الأخيرة من ربيع سنة 1874، عاشت السهول الكبرى الأميركية، التي ضمت مناطق من نبراسكا وكانساس وداكوتا الشمالية وداكوتا الجنوبية وآيوا وتكساس وكولورادو، على وقع فترة جفاف قصيرة تسببت في كارثة حقيقية. خلال تلك الفترة، وفرت هذه التقلبات المناخ المناسب لجراد الجبال الصخرية كي يتكاثر بشكل سريع وغير محدود، حيث حلت هذه الفصيلة من مستقيمات الأجنحة بالحقول لتضع كميات هائلة من البيض منذرة بخراب المنطقة.

وأواخر شهر يونيو/حزيران سنة 1874، تحول لون السماء فوق معظم السهول الكبرى الأميركية من أزرق إلى أسود حيث حلّت مئات الملايين من جراد الجبال الصخرية بالمنطقة حاجبة أشعة الشمس بسبب كثرة عددها. ولم تتردد هذه الحشرات في التهام المحاصيل وتخريب المناطق الخضراء، ومع نفاد الطعام اتجه جراد الجبال الصخرية، الذي واصل تكاثره ليقدر عدده بالمليارات، نحو التغذي على التبغ وخشب المنازل وثياب السكان.

وبحسب وصف المسؤولين بنبراسكا، عاش الأهالي على وقع حالة ذعر حيث هاجم الجراد أبواب ونوافذ المنازل ملتهماً أجزاء كبيرة منها، كما تسللت هذه الحشرات إلى داخل المخازن لتفسد ما تبقى من مخزون طعام المنطقة مهددة بكارثة إنسانية.

ومن خلال مبادرات يائسة، حاول الفلاحون حماية محاصيلهم حيث أقدم بعضهم على تغطيتها بالقماش، وفي الأثناء لم يمنع ذلك الجراد من مواصلة عمليته التخريبية حيث أقدمت هذه الحشرات على التهام أجزاء من القماش قبل أن تواصل عملية مهاجمة المحاصيل. وحاول البعض الآخر طرد جراد الجبال الصخرية عن طريق إشعال النيران واستخدام البارود، ومرة أخرى عجز أهالي مناطق السهول الكبرى عن صد هذه الحشرات التي واصلت تكاثرها بشكل لافت للانتباه.

تسبب هجوم الجراد في خسائر مادية قدرت بعشرات ملايين الدولارات وبسبب ذلك لقّبت سنة 1874 بسنة الجراد. وأنشأت الإدارة الأميركية هيئة لمجابهة هذه الكارثة، وأرسل الجيش الأميركي للمنطقة من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للأهالي الذين فرّ عدد كبير منهم من منازلهم. وخلال شتاء سنة 1875 وزّع الجيش الأميركي كميات كبيرة من الثياب والأحذية، إضافة إلى أكثر من مليوني وجبة غذائية على المتضررين من الكارثة.

ومع أواخر صيف سنة 1874، باشرت الإدارة الأميركية مهمة إبادة جراد الجبال الصخرية، حيث تكفّل أهالي مناطق السهول الكبرى بمهمة القضاء على بيض ويرقات هذا النوع من الحشرات. وخلال شتاء سنة 1876، شهدت مناطق السهول الكبرى عاصفة ثلجية قوية ساهمت في القضاء بشكل شبه نهائي على جراد الجبال الصخرية. كما وفرت السلطات الأميركية للفلاحين بداية من سنة 1876 بذوراً جديدة في سعي منها لإعادة زراعة المناطق المتضررة.

وبمطلع القرن العشرين، واصل عدد جراد الجبال الصخرية تراجعه بشكل سريع، ومع حلول سنة 1902 انقرضت هذه الفصيلة من الجراد بشكل نهائي.

العربية