زهير السراج

حرق الحَشا !!


* تمت الناقصة .. دمر حريق صباح يوم السبت الماضى (معمل الهرمونات) ببرج الأمل بشارع الحوادث بالخرطوم، الذى يتبع لمستشفى الخرطوم لعلاج الأورام (مستشفى الذرة) ويتكون من (10 طوابق) تضم عددا من الوحدات المعملية والتشخيصية ..إلخ، من ضمنها معمل الهرمونات الذى يحتل الطابق الأول، الأمر الذى سيزيد من حجم معاناة مرضى السرطان بالبلاد مع وجود (اربعة أجهزة) تشخيصية وعلاجية معطلة فى المستشفى منذ أكثر من ستة أشهر، بدون أن يشعر أى من المسؤولين ولو بوخزة ضمير تجاه ما يواجهه المرضى واسرهم من معاناة !!

* بل بلغ عدم الاحساس بالمسؤولية ان يُقدِّم المسؤولون صرف الحافز على كل ما سواه، وإلا بماذا نفسر أن يقبض شخص واحد مبلغ ثلاثين مليون جنيه (قديم) كحافز، بينما يماطل المسؤولون فى صيانة الاجهزة، أو فى حقيقة الأمر (يصرون) على منح إمتياز الصيانة مرة أخرى لشركة ليس لها الخبرة ولا الإمكانيات، رغم فشلها الذريع فى القيام بأعمال الصيانة عندما منحت هذا الإمتياز (بدون منافس) فى عام 2016 ، مما تسبب فى تعطلها وحرمان آلاف المرضى من العلاج !!

* تبلغ قيمة المعمل الذى احترق مبلغ (5 مليار جنيه) ــ قديم ـ ولكن ليس هذا هو المهم رغم الضائقة الإقتصادية الشديدة التى تواجهها البلاد، وإنما المهم هو الوقت الطويل الذى سيتطلبه إعادة تأهيل وتشغيله مما يعنى المزيد من المعاناة للمرضى الذين يتوجب عليهم الآن إجراء الفحوصات المطلوبة فى معامل خارجية بمبالغ ضخمة تتقاصر دونها إمكانيات معظمهم، فضلا عن وجود إشكالية كبيرة تتعلق بمدى قانونية ومهنية اعتماد مستشفى على نتائج فحوصات لم يشرف عليها، فى التعامل مع مرض معقد وحساس يستوجب الدقة والثقة فى كل خطوات التشخيص والعلاج !!

* الحريق الذى قضى على المعمل لم يكن الأول، بل سبقه حريق آخر ولكن لم يتسبب فى خسائر كثيرة، ورغم أنه كان مؤشرا لإمكانية وقوع حوادث مشابهة، خاصة مع نوعية المواد التى يضمها المركز (10 طوابق)، والثمن الباهظ للأجهزة الذى يصل الى ملايين الدولارات، وحساسية الخدمة التى تقدمها، ورغم النصائح والتوجيهات التى وصلت الى المدير الادارى للبرج بعد الحريق الاول، إلا انه لم يشغل نفسه فى يوم من الأيام بتوفير إمكانيات السلامة والأمان داخل البرج، بما فى ذلك طفايات الحريق الصغيرة زهيدة الثمن، والتأكد من سلامتها، بل ظل مشغولا بمصالحه الشخصية وتأمين نفسه بالإمتيازات والوجاهات .. الى أن شب الحريق الثانى وقضى على معمل الهرمونات بكامله، وكان يمكنه أن يقضى على البرج، بل على شارع الحوادث والمنطقة بأكملها، لولا عناية الله .. واراهنكم أن هذا الشخص سيظل فى موقعه ولن يطاله أى نوع من العقاب، بل ربما حظى بالترقية والثناء!!

* الى متى ستظل بلادنا بلا وجيع حقيقى .. يخرجها مما هى فيه من اهمال واستسهال وأنانية، وإلى متى سنظل المثل للشعوب الأخرى فى الكسل والبله والغباء وعدم المسؤولية؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة